إذا كنا بالفعل نريد إجراء مراجعة عميقة ندية للعلاقات العربية ـ الغربية، بعد أن أظهرت دوله الاستعمارية، إبان الشهرين الماضيين، انحيازها التام ضد المصالح العربية وضد الحقوق الفلسطينية، وممارسة خطابات الوجهين المتناقضين، والتلاعب بالألفاظ، والتجاهل التام لكل ما ادعت أنها حاملته من قيم حضارية وتحررية بالنسبة للموضوع الفلسطيني برمته.
إذا كنا نريد ذلك فلنبدأ من الأساس، والأساس هو التخلص نهائياً من عقد الدونية والإعجاب والانبهار، والتبني الطفولي لكل ما طرحته حضارته من ادعاءات استشراقية تحت مسمى موضوعية، ومن تعميمات فكرية عدائية ضد ثقافة الأمة، ومن ربط لعقيدة وقيم الدين الإسلامي، زوراً وبهتاناً بالإرهاب وبالتخلف وبالتزمت وراء بقية الديانات الأخرى، وعلى الأخص ديانته.
اليوم أمامنا حضارات وثقافات وتجارب وقيم وأنظمة متعددة ومتباينة نحتاج أن نتعامل معها، كما تعامل الأقدمون مع حضارات اليونان والفرس والهند وغيرها
والخطوة الأولى هي أن نحيي سُنّة نهضوية قام بها المفكرون العرب الإسلاميون في الماضي، عندما قاموا من دون خوف ولا تردد، تمثّل وفهم ونقد وأخذ ورد لكل ما سبقهم أو أحاط بهم من معارف وثقافات الآخرين، وذلك من أجل أولاً، حل بعض إشكالات حاضرهم آنذاك، وثانياً من أجل بناء نهضة ذاتية عربية إسلامية جديدة أبهرت العالم، وجعلته مقلداً لهم ومعجباً بهم وبحضارتهم الجديدة. اليوم أمامنا حضارات وثقافات وتجارب وقيم وأنظمة متعددة ومتباينة نحتاج أن نتعامل معها، كما تعامل الأقدمون مع حضارات اليونان والفرس والهند وغيرها، فقد آن الأوان أن نكون مثلهم متفاعلين ومتجاوزين، لا أن نكون تابعين منبهرين متفرّجين. لقد كتب الكثير من المفكرين والفلاسفة العرب والمسلمين المحدثين، إبان القرنين الماضيين عن هذه النقطة بالذات، وتكوّن لدينا إرث فكري وفلسفي بالغ الغنى، آن أوان مراجعته وتجديده ونشره، وجعله تياراً عاماً وليس حواراً نخبوياً يشع ويخبو، من دون أن يصبح جزءاً أصيلاً فاعلاً من تكوين الأمة. وبالطبع ليس المقصود الوصول إلى أحادية في الفكر والمعرفة، لتصبح مع الوقت صنماً، وإنما المقصود الوصول إلى تنوع يتفاعل مع بعضه بعضا، ليغني بعضه بعضا، وليساهم في تجديد بعضه بعضا. إن تلك الخطوة لن تكون كافية إذا لم تصاحبها خطوات تقييمية ندية للعلاقات مع الغرب.
في حقول السياسة والاقتصاد والإعلام، وهذه مواضيع تحتوي على ألوف العناوين الفرعية، تؤدّي في النهاية إلى الخروج من التبعية المستسلمة التي نعيشها، والتي وصلت إلى قمم مخجلة وغير مسبوقة في الشهرين الماضيين، عندما سمحنا بتسليم موضوع وجودي عربي، مثل الموضوع الفلسطيني، في يد الغرب الاستعماري ليفعل به حسب مصالحه وجنونه ومعتقداته الدينية والأخلاقية المزيفة، بينما اكتفينا نحن بالاحتجاجات الكلامية غير المسموعة، وأحياناً بمساعدة ذلك الجنون الغربي لكي يتمادى ويخرج عن كل الحدود الإنسانية والأعراف الحضارية. بعد تلك التجاهلات والفضائح المدوية التي مارسها الغرب الاستعماري تجاه الكتلة العربية ـ الإسلامية أصبحت المراجعة لعلاقاتنا السياسية اليومية معه، ولعلاقاتنا ومصالحنا ومصالحه الاقتصادية المشتركة، أصبحت بحاجة لتغييرات جذرية تشعر الغرب الاستعماري بأن مصالحه معنا وفي أرضنا، ستصبح بعد اليوم، مرتبطة بمدى احترامه لمصالحنا، وأخذها بعين الاعتبار في الواقع المعاش وليس من خلال التطمينات والأكاذيب الكلامية الفارغة. هذه الخطوة الأخيرة لن تكون لها قيمة إذا اقتصرت على خطوة هنا وخطوة هناك، وإنما نحتاج إلى تفعيل حقيقي لأسس والتزامات وأهداف مؤسساتنا الإقليمية العربية والإسلامية، بعد أن ران شبح الموت على الكثير منها بسبب تقديم المصالح الذاتية الوطنية، أو القطرية على المصالح القومية والإسلامية المشتركة. ما يهمنا الإلحاح عليه هو أن نرفع جميعاً شعار: «لا عودة إلى ما قبل 7 أكتوبر، ولا قبول لما رافق أحداثها من ذل وضعف وقلة حيلة»، فهذا أقل شيء نفعله لتكريم الشباب الأبطال الذين ماتوا، ولتهدأ أرواح الأطفال والنساء الشهداء الذين اغتالتهم أيادي الفجور الصهيوني والعجرفة الغربية الاستعمارية.
كاتب بحريني