«بأسهم بينهم شديد»، فلم تكن «وصلة هجوم» الأذرع الإعلامية في مصر هذه المرة ضد قنوات المعارضة في إسطنبول ولندن، فإعلان الحرب الآن ضد عمرو أديب، ومن قادوا النفير العام من كانوا مذيعين جيرانه بالجنب في برنامجه، وكأنه كان يدير ورشة تدريب تخرج منها من انتشروا في القنوات التلفزيونية، ومن محمد شردي، إلى أحمد موسى، إلى ضياء رشوان، والوحيدة التي لم يحالفها الحظ هي «نيرفانا ادريس»، التي طُوي ملفها الإعلامي منذ ثمانية عشر عاماً!
وإذا كان المعارض المصري أيمن نور قد كتب هذا الأسبوع أن عمرو أديب هو الوحيد من مقدمي البرامج في مصر الذي لا يذكر اسمه متبوعاً بوصلة سباب، فلعه نسى ما جرى في ليلة الانتخابات الرئاسية التي نافس فيها أيمن الرئيس مبارك، عندما كان ضيف البرنامج على الهاتف، وتمت استباحته وتبادل عليه عمرو ونيرفانا، بشكل فج، أزعج شقيقه عماد، فقام بمداخلة استنكر فيها ما جرى لخروجه على «الأصول المهنية»، مع أنه كان قد أجرى حواراً متلفزاً مع مبارك للدعاية لهذه الانتخابات، لكن في الأخير فإن عماد أديب هو ابن المهنة، وكان يمكن أن يكون رمزاً من رموزها، لولا أنه اتجه إلى البيزنس!
ويبدو أن أيمن نور نسي ما جرى في هذه الليلة، وربما تناسى، لأن لديه تطلعات مشروعة أن يكون «غاندي»، في زمن لو جاء فيه غاندي الحقيقي، لانتهى به الحال راعي غنم، لا يسمع باسمه أحد، لكن لا بأس من تطلعات نور الوظيفية، وربما كان يريد أن يجمع اسمه مع اسم عمرو في جملة مفيدة، وأحياناً تكون للقافية أحكامها، التي تستدعي الخروج على قواعد النحو والصرف!
أيضاً لا بأس، فالهجوم على عماد أديب مناسبة لكي أعرف أن الزميل محمد شردي ما زال يقدم برنامجه على قناة «الحياة»، فمن المقاطع التي شاهدتها في القصف الإعلامي ضد عمرو أديب، مقطع يخصه، ولا أعرف إن كان برنامجه توقف وعاد، مثل العديد من البرامج، وقد عادت لميس الحديدي، كما عاد خيري رمضان، ويوسف الحسيني، بعد توقف، وتم وقف توفيق عكاشة ثم عاد، ثم أبعدوه من جديد، ويقول الرواة إن جابر القرموطي أيضاً عاد للشاشة، لكنها عودة أجساد بلا أرواح!
واقعة مع شردي
وإذا كان الشيء بالشيء يُذكر، فإن آخر عهدي بالزميل شردي، وقبل أن تتفرق بنا السبل، عندما اتفقنا أن نذهب معا إلى أول اجتماع للمجلس الأعلى للصحافة في عهد الرئيس مرسي، وعدم الاعتراف بالقرار الشفهي باستبعادنا من العضوية، وأنا وهو أعضاء بقوة القانون، وبقوة القرار الرئاسي، وكان الإخوان قد اختاروا لرئاسة مجلس الشورى، ورئاسة مجلس الصحافة، شخصاً مجهولاً اسمه أحمد فهمي، بوقوع الانقلاب عاد إلى وظيفته في جامعة الزقازيق، في الوقت الذي قامت فيه الإدارة بفصل د. محمد الجوادي، الأستاذ في الجامعة بتهمة الوقوف ضد الانقلاب العسكري!
تعلل القادم من المجهول السياسي أن محمد شردي، كرئيس لمجلس الإدارة والتحرير، لا يعني أنه رئيس التحرير، وفات «الوافد على الحياة السياسية»، أنه إن لم يكن شردي رئيس التحرير، فينبغي عليه هو أن يطلب بحكم كونه مسؤولاً عن الصحف اتخاذ الاجراء القانوني لوقف صدور الوفد، فشرط وجود رئيس تحرير لازم لصدور الصحف، بيد أن جهات أخرى كانت تدير المجلس وتدير الشخص الكل على مولاه، الذي لم يكن يعرف في السياسة الألف من كوز الذرة!
وفي صباح اليوم الموعود، وقبل أن أتحرك في اتجاه مقر الاجتماع، تلقيت اتصالاً هاتفياً من عضو في المجلسين (الشورى والصحافة) يخبرني أن د. أحمد فهمي يرجوني بألا أحضر اليوم، حتى لا أفسد الأجواء الاحتفالية للاجتماع الأول، على وعد بحل المشكلة بعده مباشرة، ونسيت الاتصال بمحمد شردي لإبلاغه بما جرى، تقريباً بعته في محمد محمود، لأعلم أنه ذهب وأقام الدنيا وأقعدها، ولم يناصره أحد من الأعضاء الحاضرين، ولم ينطقوا، وكأنهم خشب مسندة، مراعاة لخاطر الإخواني أحمد فهمي صهر الرئيس، بمن فيهم من أعلنوا النفير العام ضد الإخوان بعد ذلك، وكأنهم لم يقبلوا على عطاياهم من قبل، وقد كانوا أعضاء معينين بقرار من الرئيس!
المذيع السنيد
لم ينس شردي أنه كان جليسا بالجنب لعمرو أديب في برنامجه، وهي ظاهرة أطلقت عليها «المذيع السنيد»، في مرحلة ما بعد محمد شردي، والذي شارك أحمد موسى ويوسف الحسيني ونشأت الديهي في القصف الإعلامي ضد عمرو أديب، بسبب استضافته لمن يطلق عليه «الباحث» سمير غطاس، والذي قال إن السلطات المصرية ترسل لإسرائيل بيانات المصريين العالقين في غزة، وأن الكيان من يقرر من يعود لمصر ومن يستمر عالقاً في القطاع.
ولأني لم أشاهد هذا القصف الصاروخي من مصدره، وإنما شاهدته في مقاطع فيديو عبر منصات التواصل، فلم تصلني مساهمة محمد الباز، ولأنه لا تفوته مثل هذه المعارك ضد عماد أديب بالذات، فلا أعرف إن كان لم يفعل هذه المرة، أم أنه تقصير مني في البحث، أم أن برنامجه توقف؟!
ما علينا، فلم تكن هذه المرة الأولى التي يستضيف فيها عمرو أديب سمير غطاس، فقد استضافه من قبل لكي يكيل الهجوم لحركة حماس، ولم يكن ما قاله جديداً، لأنه ذكره في برنامج إبراهيم عيسى، وبعد هذا كان ضيفاً لتامر أمين ليردد المونولوج نفسه، لكن بدون أن يُهاجم عمرو من جانب الأذرع الإعلامية للنظام، لأن الكلام هنا على مزاج أهل الحكم، وعندما استضافه هذه المرة كان يعرف ماذا يقول ضيفه، فقد قاله من قبل في «الحارة المزنوقة» ولم ينتشر إلا بعد مشاركته في برنامج عمرو أديب، وهو الأكثر مشاهدة في برامج «التوك شو»، الخاصة بالقنوات التي تبث من القاهرة.. «أرزاق»!
اللافت هنا أن الحملة استبعدت الضيف، لأسباب غير مفهومة، وركزت على عمرو أديب لأسباب مفهومة، ولا يجوز أن يرجع أحد السبب الى أن الضيف ضابط في المخابرات فهذه شائعة رائجة لا أساس لها من الصحة ولا محل لها من الإعراب، لكن مسكين عمرو أديب!
حامل الجنسية السعودية
يعترض القوم في القاهرة على كلام ضيف، فيهاجمون عمرو أديب، ويودون الهجوم على السعودية، فلا يستطيعون فيهاجمون عمرو أديب، ومن قبل كتبت أن السبب في هذا أن عمرو محسوب على السعودية، واستدعيت وقائع تاريخية تعد قرائن ترتقي لمرتبة الدليل على صدق هذه الحسابات للوصول للمعني بالهجوم، والآن لم نعد بحاجة لشيء من ذلك بعد أن أفصح أديب أنه صار حاملاً للجنسية السعودية!
وفي اعتقادي أنه إجراء لم يكن له معنى، فلا السلطات المصرية ترفض تجديد جواز سفر عمرو أديب مثلاً، حتى يكون مضطراً لحمل جواز دولة أخرى، ولا هو يعيش في المملكة، وهذه المنحة ستسهل عليه سبل العيش الكريم، ولا الولاء يثبت من خلال الوثائق الرسمية فقط، ومصر عرفت وزيراً يحمل الجنسية السعودية، هو أحمد المغربي، الذي شغل في عهد مبارك موقع وزير السياحة، ثم وزير الإسكان، وعندما قدم للمحاكمة بعد الثورة، لم تفده الجنسية السعودية ولم يفصح عنها من الأساس.
المشكلة في حمل عمرو أديب للجنسية السعودية، أنه سهل مهمة منتقديه، فهو لا يقول ما يقول لأنه مصري، لكن لأنه سعودي، وكلما أرادت السلطة في مصر الهجوم على السعودية، والعلاقة ليست على ما يرام منذ فترة ليست بالقصيرة، كان عمرو أديب هدفاً لإطلاق الصواريخ، وكما فعل هو من قبل مع الشاعر عبد الرحمن يوسف القرضاوي، يفعلون فيه، وكما تدين تدان!
ومن قبل، وبعد الثورة، استضاف عبد الرحمن يوسف، ووصفه بالقطري ازدراء واحتقاراً، بما يعني عدم أهليته للحديث عن مصر، وانسحب الشاعر الكبير من الأستوديو غاضباً، ألم يدرك عمرو أديب حساسية الموقف، أم أنها أزمة المنح الملكية، التي لا ترد، أم أن ساعة القدر يَعمى البصر، كما ورد في المثل المصري الدارج؟! ولأنها حملة، فقد بُعث من يسمى بنقيب الإعلاميين من مرقده وقرر بحث وقف برنامج عمرو أديب، وهو لا يستطيع، ليس لأن قراره سيكون متخلقاً في رحم البطلان، لأنه يفتقد للصفة القانونية، فتعيينه في الموقع من جانب رئيس الحكومة كان لستة شهور فقط، وهو فيه منذ خمس سنوات، ولكن لأن العين لا تعلو على الحاجب، وعمرو صار رسمياً محمية سعودية، ومهما جرى فليس بإمكان السلطة المصرية أن تجاهر بالعداء للسعودية!
إنه الضرب تحت الحزام!
٭ صحافي من مصر