الجيش الإسرائيلي «مصنع اغتيالات جماعية»… وكثير من الأحزاب المصرية ميتة إكلينيكيا… والأكرم دفنها

حسام عبد البصير
حجم الخط
0

القاهرة ـ «القدس العربي»: بينما ينتظر المصريون نتائج الانتخابات الرئاسية المستبعد منها عنصر المفاجأة بالمرة، إذ بات في حكم المؤكد أن يحصد الرئيس السيسي ولاية ثالثة، يبقى الغلاء عدو المواطنين الذي يهدد حاضرهم ومستقبلهم وبينما فشلت الحكومة في التصدي لجنون الورقة الخضراء، التي عادت تحلق عاليا عقب انتهاء الانتخابات الرئاسية، إذ كسر الدولار حاجز الخمسين جنيها، وواصل البصل جنونه مسجلا 45 جنيها للكيلو في بعض الأسواق، بينما لا يزال السكر عزيز المنال بالنسبة للكثيرين رغم تأكيد وزير التموين وجود احتياطي استراتيجي يزيد على ثلاثة أشهر، وأن سعره الرسمي 27 جنيها للكيلو، إلا أنه يباع لدى محلات البقالة والسوبر ماركت بنحو 57 جنيها، وفي محاولة للتعامل مع صرخات المكتوين بنار الغلاء، سعت صحف وفضائيات لدعم ربات البيوت للحصول على سلع في متناول اليد، فقد كشفت «الوطن» عن أماكن لبيع السكر والأرز والزيت بأسعار مخفضة في عدد من أحياء وقرى محافظة أسيوط، وفي مقر الشركة المصرية لتجارة الجملة. وقال الدكتور إبراهيم السجيني رئيس جهاز حماية المستهلك أن أزمة السكر مفتعلة، وليس لها مبرر، مؤكدا أن 85٪ من احتياجاتنا من السكر تنتج محليا. وأضاف السجيني، أن أكبر 5 مصانع للسكر في مصر تابعة للدولة، وبالتالي فإنه لا توجد أزمة سكر، مؤكدا أن الفترة الماضية شهدت العديد من وقائع حجب سلعة السكر، وتمت مصادرة المضبوطات كافة. وأشار “السجيني” إلى أن سعر السكر مع مكسب المصنع يصل إلى 24.5 جنيه للكيلو، أي يتم طرحه للمستهلك بنحو 27 جنيها للكيلو للمستهلك، ومع ذلك وصل سعره إلى مستويات قياسية 30 جنيها و40 جنيها، وفي بعض الأماكن إلى 50 جنيها للكيلو، بينما أثارت أسعار الفاكهة في السوق المصري، جدلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي، وفق ما كشفت “فيتو”، بعد تداول عدد من المواطنين صورا لفاكهة الكمثرى المستوردة من جنوب افريقيا التي يصل سعر الكيلو منها 550 جنيها، متسائلين في ظل الظروف الاقتصادية التي تشهدها مصر، لماذا يتم استيراد هذه الأنواع من الفواكه التي تعد غالية الثمن على غالبية الشعب المصري؟! وبالنسبة للشأن السياسي تسيطر حالة من الترقب في المطبخ السياسي حول مصير الحكومة من وزراء ومحافظين، عقب انتهاء فترة الرئاسة الحالية وبداية الفترة الرئاسية الجديدة التي ستبدأ في أبريل/نيسان المقبل.
كان متوقعا

صادمة على حد رأي عمرو الشوبكي في “المصري اليوم”، تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي، التي أطلقها الأسبوع الماضي وأعلن فيها رفضه حل الدولتين، بل اعتبر أن اتفاق أوسلو، الذي مثل اتفاق السلام الوحيد بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، هو سبب عملية 7 أكتوبر/تشرين الأول، وأن مخاطر استمراره لا تقل خطورة عن هذه العملية، التي صنفتها إسرائيل «إرهابية». وعاد وأكد ما سبق أن قاله، في كتابه «مكان تحت الشمس»، من أن ميلاد الدولة الفلسطينية هو شهادة وفاة لدولة إسرائيل، بما يعني أن المنظومة اليمينية الصهيونية الحاكمة سياسيّا، والسائدة مجتمعيّا، ترفض حل الدولتين، وهنا اجتمع اليمين الليكودي التقليدي مع جماعات التطرف والتحريض داخل الحكومة الإسرائيلية، ليس فقط على رفض حل الدولتين. إنما على رفض الوجود الفلسطيني من الأساس في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، أي حتى على الأراضي، التي يُفترض أن تُقام عليها الدولة الفلسطينية المستقلة، وفق قرارات الشرعية الدولية، التي لم تحترمها إسرائيل. والحقيقة أن رفض الوجود الفلسطيني من الأساس، وليس فقط رفض بناء الدولة الفلسطينية، هو جزء أصيل من العقلية الصهيونية المتطرفة المسيطرة على مفاصل الدولة العبرية وقطاع واسع من المجتمع، وليس الجانب العربي أو الفلسطيني، وأن حل الدولتين، حتى بالنسبة لقوى عربية وُصفت بالتشدد، كان مقبولا، كما أن خطاب التحرر الوطني العربي، الذي تبنى حل الدولة المدنية الواحدة في فلسطين التاريخية، يعيش فيها العرب واليهود، لم يطرح شعار إلقاء اليهود في البحر، كما تروج الدعاية الصهيونية.

بين الضفة والقطاع

لقد ظل العرب ومنظمة التحرير، ثم فصائل المقاومة الفلسطينية المسلحة، كما أشار عمرو الشوبكي في موقف دفاعي أمام الاتهامات الإسرائيلية والدعاية الغربية المؤيدة لها بالقول، إن المشكلة في تطرف العرب، حتى جاءت حرب غزة وكشفت حجم التطرف الإسرائيلي، الذي تمثل أولا في العدوان الهمجي، الذي استهدف المدنيين، وقتل- وفق تقديرات المرصد الأورو متوسطي لحقوق الإنسان- 25 ألف فلسطيني، بينهم 10 آلاف طفل، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ الحروب المعاصرة، أن يُقتل هذا العدد من مكان عدد سكانه يتجاوز بقليل 2 مليون نسمة. كما اتضح ثانيا التطرف الإسرائيلي في خطاب حكومة تحكم، وليس جماعات متطرفة في الشارع، فهناك الوزير الذي قال إنه يجب إلقاء قنبلة ذرية على قطاع غزة، وهناك مَن قال إنه يجب أن نحكمها، ونُعيد بناء المستوطنات، وهناك مَن قال إنه يجب تهجير الفلسطينيين من الضفة والقطاع، ولم يعد هناك فقط تحريض على قتل الفلسطينيين، إنما هناك قتل ينفذه كل يوم المستوطنون في الضفة، وبدعم من وزير الأمن القومي، الذي وزع السلاح على كل عابر سبيل إسرائيلي. مطلوب فضح اليمين الصهيوني المتطرف، الحاكم والسائد مجتمعيّا، وعلى العرب أن يوثقوا بالصوت والصورة جرائم التطرف، سواء كانت بالكلمة أو بالسلاح، فكلاهما يوصلنا إلى النتيجة نفسها، وهي قتل وتهجير الشعب الفلسطيني.

شر البلية

صحيفة ليبراسيون الفرنسية نشرت مؤخرا تقريرا يقول، إن الجيش الإسرائيلي يستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي لشن عدوانه الشامل على قطاع غزة. التقرير يصفه عماد الدين حسين رئيس تحرير “الشروق” بالمهم للأسباب التالية: المعلومات المنشورة جاءت نقلا عن صحيفة «جيروزاليم بوست»، إضافة إلى تحقيق استقصائي نشرته مواقع إلكترونية يسارية إسرائيلية للناشط الإسرائيلي إبراهام يوفال، يقول إن الجيش الإسرائيلي يدعي أنه يستخدم 3 خوارزميات في حربه ضد غزة هي «الكيميائي» و«الإنجيل» و«عمق الحكمة»، بالإضافة لنظام رابع يطلق عليه «مصنع الإطفاء». هذه الخوارزميات تستخدم لتحليل عدد من البيانات الاستخباراتية وتقدير تأثيرات الخيارات العسكرية المختلفة بسرعة. الخيار «الإنجيل» يقترح أهدافا أكثر صلة بالهجوم في محيط معين، في حين أن «مصنع النار» يستخدم لتحسين خطط الهجوم للطائرات والمسيرات، كما أن هذه الخوارزميات تكون مسؤولة عن حساب كمية الذخيرة اللازمة. على ذمة «ليبراسيون» فإن أنظمة الذكاء الاصطناعي يقوم عليها مشغلون يجب عليهم التحقق والموافقة على الأهداف وخطط الغارات، بما يعني أن هذه الأنظمة لن تتخذ قرارا مباشرا بإطلاق النار، رغم أن جزءا من العملية سيكون آليا، وعلى ذمة التقرير فإن صواريخ إسرائيل ضد غزة ليست عشوائية «فعندما تقتل فتاة في الثالثة من عمرها في منزل في غزة فذلك لأن قائدا في الجيش الإسرائيلي قرر أن موتها ليس مهما». وعلى عهدة وسائل الإعلام الإسرائيلية فإن الجيش الإسرائيلي يعرف حجم الأضرار الناتجة عن قصف كل منزل. وكما تقول «ليبراسيون» فإن استخدام هذه الحلول التكنولوجية، يفسر كيف أن الجيش الإسرائيلي تمكن من قصف غزة بهذه الوتيرة المحمومة، وأن خوارزمية «الإنجيل» مثلا هي التي سمحت له تلقائيا بتحديد أهداف بوتيرة سريعة جدا. فهى تسجل له كل يوم 100 هدف للقصف، في حين أن الجيش قبل ذلك كان يحدد 50 هدفا سنويا فقط في كل غزة. وحسب وصف ضباط جيش إسرائيليون سابقون فإن هذه الخوارزمية عبارة عن «مصنع اغتيالات جماعية».

فلنحاكم القتلة

رصد عماد الدين حسين عددا من الملاحظات المهمة على تقرير “ليبراسيون”: الملاحظة الأولى أنه إذا كان هذا العدوان الوحشي غير المسبوق هو ترجمة وتطبيق للذكاء الاصطناعي، فكيف كان سيكون الحال لو تم تطبيق «الغباء الطبيعي»، وهل كان سيتم قتل كل الفلسطينيين منذ عصر يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول بعد ساعات قليلة من عملية «طوفان الأقصى» الفلسطينية؟ الملاحظة الثانية: أن الجيش الإسرائيلي كان يتباهى دائما بأن له عيونا وآذانا في كل ركن من غزة والضفة، وأنه كان يستطيع الوصول لكل هدف خصوصا قادة المقاومة في بيوتهم ومكاتبهم. الآن وفي ظل الذكاء الاصطناعي فإن حصيلة الضحايا في العدوان المستمر منذ شهرين، حوالي عشرين ألف قتيل و40 ألف مصاب وتدمير 60% من مساكن قطاع غزة وتشريد 1.3 مليون فلسطيني في شوارع القطاع، وتحويل غزة بأكملها إلى مكان غير صالح للحياة، بعد تدمير كل البنى التحتية والحصار الخانق على القطاع، بحيث لا يتم السماح بإدخال المساعدات الإنسانية إلا بالقطارة. والسؤال مرة أخرى: إذا كان هذا هو الذكاء الاصطناعي، فهل هو قادر على تحديد أماكن قادة المقاومة؟ أم أن ما حدث كان تدميرا ممنهجا لكل غزة وتسويتها بالأرض، لأنه لا يعقل أن يكون أفراد وقادة المقاومة موجودين في نصف مباني القطاع، وإذا صح ذلك، فهم يمثلون غالبية الشعب الفلسطيني، وليس مجرد عدد قليل كما تزعم إسرائيل وأنصارها في الغرب. الملاحظة الأخيرة: هي أنه من مطالعة الخسائر الفلسطينية البشرية والمادية، فإن جوهر ما حدث هو إبادة جماعية وتدمير كامل للقطاع، وعلينا أن نتذكر كلمة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في بداية العدوان مباشرة حينما قال: «لن تعرفوا شكل قطاع غزة بعد الآن». ختاما فإنه بعد هذا العدوان لم يعد يحق لإسرائيل أن تقول إن جيشها محترف وأخلاقي وإنساني، وأنه يطبق قواعد الاشتباك العسكرية العالمية. ما نراه في غزة الآن يقول بوضوح، كما انتهى تقرير «ليبراسيون» الفرنسية، إن الجيش الإسرائيلي تحول إلى «مصنع اغتيالات جماعية»، ولا بد من جهد لا يتوقف من أجل محاكمة هؤلاء القتلة أمام المحاكم الدولية طال الزمن أم قصر.

عاشق فلسطين

بغياب عبد العزيز سعود البابطين عن عمر يناهز السابعة والثمانين عاما، فقدت الثقافة العربية أحد أبرز رعاتها على مدى أكثر من نصف قرن. لكن العزاء في فقده كما يخبرنا علي عطا في “المشهد”، يتمثل في أنه وضع جهوده في إطار مؤسسي لن يغيب إن شاء الله بغيابه. هذا الكيان يتمثل في “مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية”، التي اختار الراحل أن يكون مركزها في القاهرة، إيمانا منه بأنها العاصمة الأهم ثقافيا على مستوى العالم العربي. وقد تميز الراحل بإيمان لا يتزعزع بضرورة الاحتفاء بفلسطين، باعتبارها قضية العرب والمسلمين الأولى، فخصص جائزة لشباب الشعراء الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948. كما آمن بحتمية العمل على تذكير العالم بما صنعه المسلمون من حضارة في قلب أوروبا، من خلال وجودهم الممتد في الأندلس لما يزيد على ثمانية قرون. وفي سياق الاهتمام بالتراث الثقافي الأندلسي، بمختلف ميادينه الفنية، والأدبية والعلمية، التي ما زالت محل اهتمام الباحثين، تقدم “مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية” جائزة مقدارها 30 ألف دولار لأفضل بحث يتناول جانبا، أو أكثر من الجوانب المتعلقة بالتاريخ والثقافة الإسلامية في الأندلس.. وهو وإن كانت ذائقته في الشعر تميل إلى قالبه التقليدي، وقد تجلى ذلك في ثلاثة دواوين له، وفي الدواوين التي منح أصحابها جوائز مالية تحمل اسمه، إلا أنه كان على حريصا على مواكبة التطور التكنولوجي في إنتاج المعرفة، من خلال ترجمة ما يستجد منه من لغته الأصلية إلى اللغة العربية عبر “مركز البابطين للترجمة”. هنا، سأكتفي بالإشارة إلى بعض ما أنجزه الراحل من خلال عمل مؤسسي برع في إدارته، مستعينا بكفاءات من جنسيات مختلفة وفي مجالات شتى. ومن تلك الإنجازات “معجم البابطين لشعراء العربية في عصر الدول والإمارات”وصدر في 25 مجلدا.

بربرية المحتل

إنها الجريمة التي تصفها منى عباس فضل في “الشروق”، بالأكثر وقعا وبربرية، الأشد عنفا وحساسية وخطورة من الوجهة الأخلاقية والقانونية في تأثيراتها وتداعياتها، وبما تلحقه من أضرار مفرطة وجسيمة بضحايا الاحتلال الصهيوني بدنيا ونفسيا، وللمحيط الذي ينتمون إليه. في السياق نتحدث عن لقطات وصور مشينة نشرها الاحتلال في غزة، يظهر فيها عدد كبير من الفلسطينيين الذين اعتقلهم جيش العدو في مناطق متفرقة تحت تهديد السلاح، واقتادهم إلى مراكز اعتقال في ظروف غامضة مخالفة للقانون الدولي، وهم عراة في طقس بارد بعد تفتيشهم وإذلالهم بحجة التحقق من نشاطهم وانتمائهم إلى «المقاومة حماس». ثمة صور ومقاطع مصورة أخرى يظهر فيها المحتجزون مجردين من أغلب ملابسهم جالسين في الشارع يحاولون تغطية صدورهم بأيديهم من البرد، وحولهم جنود إسرائيليون، بينما تكدس آخرون في الشاحنات مكبلين ومعصوبى الأعين قبل اقتيادهم إلى جهة مجهولة، ومن بينهم سيدة جردت من حجابها، وصور أخرى لأسرى عراة على الأرض مكبلة أياديهم ومحاصرين من الجنود أمام حفرة كبيرة في أحد المقالع. ترى ما الرسائل التي استدعت إسرائيل إلى توظيف تعبيرات هذه المشاهد وبهذا الأسلوب؟ في هذا الصدد، كتب نائب رئيس البلدية الإسرائيلية في القدس أرييه كينغ تغريدة على منصة إكس «يجب على إسرائيل أن تغطى هؤلاء النازيين بالأرض التي تحيط بهم، الآن يجب تغطيتهم (دفنهم أحياء) حتى لا يواجههم أي إنسان إلى الأبد»، مضيفا «لو أتيح لي اتخاذ القرار، لجلبت أربع جرافات ضخمة (D9)، وأمرت بتغطية كل هذه المئات من النمل، وهم لا يزالون على قيد الحياة، إنهم ليسوا بشرا وليسوا حيوانات بشرية، إنهم دون البشر، وهذه هي الطريقة التي يجب معاملتهم بها»؛ أما دانيال هارغاري المتحدث باسم جيش العدو فعلق «بأن العديد من مسلحي حماس استسلموا للجنود الإسرائيليين في غزة، وأن جيشهم استجوب مئات المشتبه فيهم في أنشطة إرهابية، واستسلم الكثير منهم في اليوم الأخير».

لهذا فعلوها

إن ارتكاب فعل تعرية المعتقلين الفلسطينيين ليس صدفة ولا وليد لحظة الثأر والانتقام؛ بل هو وفق رؤية منى عباس فضل جزء من حرب وجودية واستعراضية معززة باستخدام تقنية الصور، وحبك مؤامرات الحرب الإجرامية وتنفيذها، التي بالمناسبة يتعرف العالم من خلالها على واقع الكيان المحتل المفرط في انتهاكه للأخلاق وللقانون الدولي والإنساني. هي مشاهد متداخلة تكتسب معانيها ودلالتها عبر ارتكازها على مرجعية سلوك منحرف لهذا الكيان، إذ ليس بوسعه كسب نتائج معركة لم يحقق فيها حتى الآن إلا فشل الوصول إلى المقاومة الفلسطينية والإجهاز عليها، والمزيد من التدمير وارتكاب المجازر بقتل المدنيات والمدنيين الأبرياء وإذلالهم بهذه الصور التي في حقيقتها مضللة ومخادعة، ومتسقة مع خطط العدو وعقيدته العنصرية التي نمت عليها دولة الاحتلال بشكل منظم وممنهج؛ فما قام به جيشهم جريمة أخلاقية وامتهان صارخ لكرامة الإنسانية ومخالفة صريحة لاتفاقية جنيف لعام 1949. صناعة الجريمة المنظمة التي ينفذها الاحتلال، لا تزال تواصل اتساعها وانتشارها، حيث يمارس فيها إعلام العدو سلوكا منحرفا مخالفا للمعايير الإنسانية والأعراف الدولية؛ ومفهوم الانحراف في حقيقة ممارسات الاحتلال أوسع وأكثر شمولا من مفهوم الجريمة ذاتها التي وصلت أقصى مداها في الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، بقتل الأطفال والنساء، وما نشاهده من إذلال وتحقير للمدنيين، ما هو إلا محصلة لغياب النظام القيمي والقانوني في مجتمع الكيان الصهيوني العنصري، يضاف إليه «الفشل الأخلاقي» لمجلس الأمن في استخدام «الفيتو» ضد وقف إطلاق النار في غزة. تسعى إسرائيل في استمرار بث مشاهد وصور إذلال المعتقلين؛ إلى تضليل الوعي وتزييفه، وهي تعمل ببعدين؛ أولهما؛ بث رسائل تدعي فيها انتصارا، وبأن هناك حالة «استسلام للمقاومة» تهدف من ورائها إلى كسر معنويات الإنسان الفلسطيني، مقابل رفع معنويات المجتمع الإسرائيلي، الذي اهتزت نظرته وتخلخلت تجاه قيادته السياسية وقواته العسكرية بعد «طوفان الأقصى» وعليه فالهدف الأساسي من هذا الاستعراض ترميم الحالة المضطربة لجيش العدو. أما البعد الثاني فيكمن في تعزيز الآثار النفسية التي لا تقتصر على تأثير عنف الصور التي نشاهدها ويعاد بثها فقط، بل إلى إطار الشعور الجمعي الذي نتلقاه كعرب ومسلمين عبر المشاهد المؤلمة بما يشوبها من شعور بالمهانة والغضب.

ثقة مفقودة

لم يكن الرأي العام العربي في أي فترة زمنية سابقة مؤيدا للسياسة الأمريكية، أو قابلا لما تفعله بالمنطقة.. رفعت رشاد لديه المزيد من الشواهد في “الوطن”: أمريكا في نظر الرأي العام العربي، الدولة الاستعمارية الأولى في عصرنا الحالي التي تستخدم كل أنواع السيطرة والهيمنة الخشنة والناعمة ضد الشعوب بصفة عامة وضد الشعوب العربية بصفة خاصة، لظروف ترتبط بالثروات الموجودة في دول الوطن العربي، وكذلك بخطط تفكيك المنطقة وتفتيت دولها، حتى لا يكون لها قدرة على النهوض. وهي في نهجها تستفيد من ضعف دول المنطقة التي تعتمد بشكل كبير للغاية على منتجات دول الغرب في الصناعة والسلاح والاختراعات الجديدة، وحتى في الغذاء منذ أن حل الأمريكيون محل الإنكليز والفرنسيين رأى العرب استعمارا مختلفا، استعمار دائم من خلال زرع دولة كاملة العناصر هي إسرائيل، وأذكر أن أحد مفكري أمريكا قال، إن العرب في فلسطين مهما قاوموا ومهما انتصروا على إسرائيل، فهو انتصار جزئي أو مرحلي، لأن إسرائيل ليست مجرد قوات عسكرية تحتل أرضا كما كان الوضع في الجزائر مثلا، واستطاع الجزائريون بعد حرب تحريرية هائلة طرد الفرنسيين واسترداد وطنهم، إنما إسرائيل شعب ودولة بالكامل وبالتالي ربما تدور رحى الحرب بين شعوب المنطقة، لكن لن يتمكن أحد من طرد إسرائيل من المنطقة. هذا ما قاله المفكر الأمريكي، إن إسرائيل استعمار من نوع جديد، تطوير لفكرة الاستعمار التقليدي الذي كان يعتمد على استخدام الجيوش وإرسال الأفراد بأسلحتهم وقد ينجح في احتلال دولة ما، أو قد لا ينجح إذا كانت المقاومة قوية، لكن زرع دولة بالكامل داخل منطقة إقليمية متناسقة ثقافيا وحضاريا وتاريخيا، مسألة جديدة ومبتكرة حتى تكون هذه الدولة جسما شاذا بالنسبة لبقية دول المنطقة، وتقوم بدورها في تغيير المنطقة حسب أهداف الإمبريالية العالمية، التي هي جزء منها. الرأي العام العربي يتلقى من أمريكا الطعنات الواحدة تلو الأخرى آخرها في مجلس الأمن، حيث رفضت مستخدمة الفيتو وقف تدمير غزة، دون مراعاة لأي عوامل إنسانية أو قانونية، وحتى حلفاء لها ودول أوروبية دعمت قرار وقف الحرب والتدمير، ولكن أمريكا دعمت كل مواقف إسرائيل دون تردد..

فسحة للقتل

قبل الزيارة الأخيرة لمسؤول الأمن القومي الأمريكي سوليفان للمنطقة، كانت الضجة التي صاحبت تصريحات الرئيس الأمريكي بايدن حول أخطاء حكومة نتنياهو التي أفقدتها تأييد معظم دول العالم للحرب، التي تشنها على الشعب الفلسطيني.. ومن جانبه أكد جلال عارف في “الأخبار” أن هذه الضجة تشير إلى أن أمريكا تريد إجابات واضحة من إسرائيل عن أسئلة صعبة أصبحت تهدد أمريكا نفسها بفقد ما تبقى من مركز أخلاقي لدى دول العالم، كما قال الرئيس بايدن نفسه. قبل الزيارة.. استبق نتنياهو الأمر فأكد أن الحرب ستستمر حتى يتحقق النصر النهائي كما يقول، وأن القرار هنا هو لإسرائيل وحدها.. ومع نهاية زيارة المستشار الأمريكي تناسى ما كان يتردد عن سعي أمريكا لجدول زمني يحدد متى تنهي إسرائيل حربها المجنونة، وكان يؤكد اتفاق الطرفين (أمريكا وإسرائيل) على أن الحرب ستطول لشهور، وأن إسرائيل وحدها هي من تحدد متى تنتهي من مهمتها التي تؤيدها أمريكا تماما، وهي القضاء على حماس.. أو في الحقيقة، القضاء على كل المقاومة الوطنية الفلسطينية الحرب مستمرة.. هذا هو الاتفاق الأساسي، و”الفيتو” الأمريكي جاهز للوقوف ضد إرادة العالم كله الذي يريد إنهاء الحرب ويخشى من عواقبها. والخلاف على ما بعد الحرب لا يمنع التأكيد الأمريكي على أن الدعم العسكري والسياسي والاقتصادي مستمر لحرب الإبادة التي تقوم بها إسرائيل. وكل ما تطلبه واشنطن هو أن يكون قتل الفلسطينيين بدقة، وأن تنتهي إسرائيل من تدمير كل ما تريد تدميره في غزة بسرعة تمكنها – بعد ذلك – من الانتقال إلى مرحلة أخرى لا تجد فيها مدارس أو مستشفيات أو منازل تستلزم استخدام المزيد من القنابل الأمريكية (الذكية أو الغبية) التي تصل قدرتها إلى 2000 رطل من المتفجرات للقنبلة الواحدة، الرد الواضح من إسرائيل لم يتأخر. كان سوليفان وما زال في المنطقة حين قطعت إسرائيل كل وسائل الاتصال والإنترنت مع غزة، في إشارة أصبحت معروفة على أن هناك جرائم حرب جديدة يراد لها أن تتم في الظلام. قصفت إسرائيل مدارس ومستشفيات ومنازل وأوقعت عشرات الشهداء.

جرعة أوكسجين

للانتخابات فوائد عدة، تحصي أمينة خيري جانبا منها في “المصري اليوم”: هي لا تُتيح للناخبين فقط اختيار مَن وما يعتبرونه الأصلح، ولكن مجرياتها وتفاصيلها تكشف الكثير عن المجتمع وساحاته السياسية ومنصاته الاجتماعية وخلفياته الثقافية وإمكاناته الفكرية. وحديث الفوائد والدروس لا يأخذنا فقط إلى نتائج الانتخابات، أي انتخابات، ولكنه – لمَن يهمه الأمر- يدعو إلى دراسة هذه الساحات والمنصات والخلفيات والإمكانات، وجميعها المادة الخام لأي عمل سياسي، أو حشد اجتماعي أو تقويم وتوعية وتثقيف مستقبلي. والملاحظ في الانتخابات الرئاسية التي ننتظر نتائجها أنها دفعت كثيرين إلى إعادة اكتشاف – وربما استكشاف- الحياة الحزبية في مصر. وبدا الأمر وكأن الأحزاب قد غابت عن الساحة تماما، (رغم أنها فعليّا لم تَغِبْ)، ثم عادت فجأة، ودبّت في بعضها الحياة في الانتخابات الرئاسية الأخيرة. وبعيدا عن النتائج، وعن الأجواء بالغة الحساسية والخطورة التي جرى فيها هذا الاستحقاق، حيث المخاطر تحدق بنا من كل جانب حدودي، ولاسيما حرب القطاع الدائرة رحاها، فقد أثبت عدد من الأحزاب السياسية أنه حي يُرزق، وأنه – إن أراد- قادر على جذب الانتباه، وبناء قاعدة شعبية، وإثارة المناقشات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. شخصيّا، أتمنى من كل قلبي أن تكون الانتخابات الرئاسية 2023- 2024 بداية استعادة حيوية الحياة الحزبية «بحق وحقيقي». العقد الماضي كان مُحمَّلا بالأعباء والأحداث والحوادث، التي ألقت ظلالها الداخلية والخارجية على كل المصريين.

أشد فداحة

صحيح أن هذه الظلال التي حدثتنا عنها أمينة خيري مستمرة، والأعباء والمخاطر لم تتوقف، لكن المصريين ازدادوا نضجا وجَلَدا، وكذلك قدرة على التعايش مع الظروف الصعبة. كما يستحق المصريون جائزة «نوبل» في المرونة. إنها مرونة إعادة ترتيب الأولويات، ومرونة التخلي عما يبدو أنه ضرورة حتمية – مثل الاقتصاد وغلاء الأسعار- حين تلوح في الأفق مخاطر ذات أبعاد أشد فداحة. هذه المرونة طبيعية، بمعنى أنها ليست مفروضة أو منصوصا عليها في القوانين والأعراف. إنها موهبة، وربما تكون مهارة مكتسبة. ما يهم أن المصريين ضربوا درسا لشعوب الأرض في مرونة القدرة على التعايش مع الأزمات، ومرونة إعادة ترتيب الأولويات، ومرونة إعادة اكتشاف الإمكانات، ومصادر القوة والفرص التي تأتي بها الأزمات، لذلك، أجد أن الأحزاب السياسية لديها فرصة ذهبية عليها أن تقتنصها، وعلى القيادة السياسية أن تشجعها على هذا الاقتناص. بالطبع لن تهرع المئة حزب سياسي للعودة إلى الحياة، فبعضها ميت إكلينيكيّا، والأكرم لها دفنها. لكن ما لا يقل عن عشرة أو حتى عشرين حزبا مؤهلة لإحياء أجواء التعددية السياسية في مصر، وفى هذا خير ومنفعة للجميع، حكاما ومحكومين. الرئيس السيسي أكد غير مرة أهمية دور الأحزاب. والحوار الوطني خصص العديد من النقاشات والجلسات للحياة الحزبية والأحزاب ومشكلاتها وقوانينها. والمصريون ينتظرون ويستحقون ومتشوقون لحياة حزبية ثرية وصحية قوامها التعدد وفحواها العمل الوطني كعرَض جانبي إيجابي للانتخابات الرئاسية.

أزمة كل عام

أيام قليلة وباتت امتحانات منتصف العام على الأبواب، تؤكد سامية فاروق في “الوفد”، وجود أزمة كبيرة داخل المدارس الثانوية خاصة طلاب الصف الأول الثانوي الذين لم يحصلوا على أجهزة التابلت حتى الآن، ومن المؤسف أنه لا توجد أيضا كتب دراسية. ومن المعروف أن هذه الأزمة تسببت بشكل مباشر في زيادة تفشي ظاهرة الدروس الخصوصية، حيث يعتمد الطالب اعتمادا كليا على ما يحصل عليه من معلومات وملزمة من خلال الدرس. والسؤال الذي يطرح نفسه هل ما يحدث الآن ضمن خطة وزارة التربية والتعليم لتطوير التعليم؟ سبق أن صرح الدكتور رضا حجازي، وزير التربية والتعليم والتعليم الفنى العام الماضي، بأن تطوير التعليم خطة دولة، طبقا لتوجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي. وأكد حجازي أنه سيتم استكمال خطة تطوير العملية التعليمية بما يتوافق مع توجيهات القيادة السياسية والخطة الاستراتيجية للدولة، وأن الوزارة تسعى لتوفير منظومة تعليمية متميزة، قائمة على ضمان الجودة، التى من شأنها تحقيق أهداف التنمية المستدامة. وعلى الرغم من قيام النائبة فاطمة سليم عضو مجلس النواب، بالتقدم بطلب إحاطة إلى المستشار الدكتور حنفي جبالي، رئيس المجلس، منذ شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، موجه إلى وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني، بشأن تأخر تسليم التابلت لطلاب الصف الأول الثانوي، موضحة أن هذا التأخير يمثل أزمة كبيرة للطلاب، ومتسائلة: ألم تكن وزارة التربية والتعليم تعلم بموعد بدء العام الدراسي، ولم تأخذ استعداداتها كاملة؟ وعن كيفية تعويض الطلاب تلك الفترة؟ ومع كل هذا لم يتحرك للوزارة ساكن. وجاءت معلومات أنه سيتم إجراء امتحانات التيرم الأول ورقيا وليس بالتابلت، والغريب أن الوزارة تجاهلت عدم وجود أي مادة علمية حصل عليها الطالب للمذاكرة، وكأن المشكلة تكمن في كيفية إجراء الامتحان. فهل من المعقول أن نحاسب الطلبة ونجري لهم امتحانا دون أن يكون بين أيديهم الماتريال ونطالبهم بالنجاح والتفوق. لا بد أن تنتبه وزارة التربية والتعليم لهذه الأزمة بنظرة أكثر دقة وتحاول إيجاد حل سريع وفوري لهذه المهزلة وكيفية السيطرة على احتواء هذه الأزمة.

النجاة في الإرادة

عندما لا يستسلم المريض للمرض، فهو الذي لا ينساه الطبيبُ فقد يصيب المريض من الوهن ما يجعله وفق ما أوضح الدكتور طارق الخولي في “الوفد”، غير قادر على أن يرفع يديه أو جسده عن «سرير» الكشف، بل إنه يُسلّم جسده كله للطبيب، سواء وضعه يمينا أو يسارا، فما يسألك لمَ فعلت وما عاتبك لمَ لم تفعل، ولكنه في قرارة نفسه يصر على عدم الاستسلام، بل أكثر من ذلك، فهذا المريض له «أنة» غريبة ومؤلمة لا يستطيع أحدٌ أن ينساها، وهي صادقة ونابعة من القلب ودالة على عظم المرض الذي هو فيه، وقد أكل من جسده ما أكل وشرب منه ما شرب، والنادر أن المريض اليائس تماما هو الذي قد «يلح» عليك أن يسلمك نفسه لكي تسلمه للموت بدلا عنه، وتخلّصه من هذا الزائر الكاسر الذي تمكن منه فلا يكاد ينتهي من شيء إلا ويمسك في الشيء الآخر وإلا لما سلمك جسده بهذه السهولة وقليل ما نرى ذلك. والطبيب عندما يتحدث مع هذا المريض بالذات يجد أن المرض قد يكون له مسمى آخر فهو قد سيطر وانتشر وفعل بالمريض ما فعل وأذكر أحد مرضى الأورام في مرحلة متأخرة قد أصابه المرض الكثيرُ في كل أعضاء جسده، فما منه إلا أنه يصرخ من الألم إذا مسه أحد أو لمسه، وكنت أحدّث نفسي أن المرض درجات ودركات، فما نعرف منه إلا قليلا وما نعرف عن كل مرض إلا قليلا أيضا وقد تتبدل يوما ما نظرتنا الطبية إلى مرض معين، فنجد أن التعامل معه من البداية كانت تنقصه بعض الأمور. المرض غير قادر على أن يسلب البشر عزيمتهم أو إرادتهم وما زال المرض يُقهر بالتحدي والصبر فهما عصيّان عليه ولا يجد لهما مسلكا وهذا ما فهمناه ورأيناه من المرض وعن المرض وأشد الأمراض حتى الآن هي الأورام، بكل ما فيها من قسوة وخبث، وإذا تحدثت مجازا إلى الورم، فستجد أنه أخبث الخبثاء فعليا لأنه يُبطن عكس ما يُظهر ويستغل أي وسيلة حتى يصل إلى غايته في تدمير الإنسان.. يقول العارفون بالمرض إنه ابتلاء للمؤمن وبلاء للعاصي وهو حزن لمن يكفر وبشرى لمن يتقرب إلى الله وهو الصبر ومفتاحه بين يديك فاصبر كما قال في كتابه الكريم: «فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ في سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا استكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ».

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية