الظهير «المقتبس» آخر ابتكارات العبقري!

 اعتدنا على مدى عقود من متابعتنا لكرة القدم على معرفة مراكز اللاعبين في الملعب، ودور كل واحد منهم مع تعدد الخطط والأساليب، لكن دائماً هناك مدربون يخرجون عن المألوف لنرى ابتكارات غير مسبوقة، تنافي ما اعتدنا عليه، وهم من يعرفون باسم “العباقرة”.
وضمن هذه السلسلة، التي يأتي على رأسها المدرب الاسباني بيب غوارديولا، فان أبرز ابتكاراته في السنوات الأخيرة، تحوير دور الظهير، أو المدافع الأيمن أو الأيسر، الذي يقوم بدور لاعب الوسط خلال الادوار الهجومية، وبات يعرف باسم “الظهير المقتبس”، فتاريخيا انصب دور الظهير على أدوار دفاعية تقوم على الحد من خطورة الأجنحة المهاجمة بمواكبة سرعتهم وقوتهم، وأيضا القيام بأدوار هجومية، عادة ما تكون مساندة للمهاجمين لرفع الكرات العرضية، لكن هذا تغير بشكل ملحوظ في السنوات الاخيرة، بمتابعة مدافعين مثل جون ستونز (مانشستر سيتي) وألكسندر زينشنكو (أرسنال) وترينت ألكسندر أرنولد (ليفربول)، بقيامهم بأدوار “المدافع المقتبس” والمساند لخط الوسط بصورة ناجحة جداً، وحقيقة من بدأ هذه الفكرة ليس سوى “العبقري” غوارديولا، الذي له صولات وجولات في تكتيكات كرة القدم، فهو الذي ادخل مصطلح “المهاجم الوهمي” و”الحارس القشاش”، وأيضا له الفضل في “الظهير المقتبس” منذ نحو عشر سنوات، عندما حول دور الظهير الالماني فيليب لام الى صانع ألعاب في الوسط، عندما كان مدرباً له في بايرن ميونيخ في 2013، وحقق نجاحات باهرة وسمي حينها بـ”الظهير العصري”، وساهم في احراز البايرن 21 لقباً، وكان دوره يتمثل بكل بساطة بان يتحول الى لاعب وسط عندما يكون البايرن في حالة الهجوم، لزيادة أعداد لاعبي الوسط، بدل أن يتعارض دوره مع دور الجناح على الخط، فتصبح الفائدة منه أكبر، أي خلق المساحات والاعداد في حالة الهجوم وتقليصها على المنافس في حالة الدفاع، ولهذا تكون الخطة 4-3-3 في حالة الدفاع، ثم تتحول الى 3-2-2-3 في حالة الهجوم.
خلال العامين الأخيرين تعلم المدربون، خصوصاً في الدوري الانكليزي، كثيراً مما فعله غوارديولا، وأبرز هؤلاء كان تلميذه ومساعده السابق ميكيل أرتيتا مدرب أرسنال الحالي، الذي استغل قدرات ظهيره الأيسر زينشنكو في التمريرات الدقيقة والقصيرة، بتحويله الى “ظهير مقتبس”. وخلال الموسم الماضي لعب الاوكراني 27 مباراة، فكان أكثر لاعبي أرسنال تمريرا للكرات (64)، والاكثر تمريراً في وسط ملعب المنافس (38)، والاكثر تمريرا للكرات في الثلث الاخير من الملعب (26)، والأكثر لمساً للكرة (92) في معدل كل مباراة.
لكن في المقابل، كان اقتباس الظهير الآخر ألكسندر أرنولد مختلفاً عن زينشنكو، فمدرب ليفربول يورغن كلوب نجح في تغيير دور أرنولد في الثلث الأخير من الموسم الماضي، مع تعاظم اصابات لاعبي الوسط، ونجح أرنولد نجاحا باهراً في هذا الدور، رغم عدم اقتناع كلوب بالفكرة تماماً، فهو لجأ الى هذا التغيير مضطراً وليس من باب التطوير التكتيكي، لكن أرنولد كان مؤثراً جداً بتمريراته الطويلة والدقيقة من وسط الملعب، لكن رغم أخطائه الدفاعية، الا ان مدربه أصر على تحجيم هذا الاقتباس الى لحظات معينة من مباريات محددة بعينها، لكن نجاح أرنولد لفت أنظار مدرب المنتخب الإنكليزي غاريث ساوثغيت الذي بات يستدعيه الى كل تشكيلة على أنه لاعب وسط وليس مدافعاً أو ظهيراً. والغريب ان في المباريات التي لعبها أرنولد في هذا الدور مع ليفربول، وعددها 27، جنى فريقه 62 نقطة، وهي أكثر من أي فريق آخر من نفس عدد المباريات.
وأيضا استوحى الاسترالي أنجي بوستيكوغلو فكرة اقتباس الأظهرة بصورة مبتكرة، عندما سمح لظهيريه بورو وايدوغي بالمشاركة في وسط الملعب أكثر، حتى في لحظات الدفاع، والهدف من ذلك هو جذب جناحي الخصم الى داخل الملعب وليس الى الاطراف، ما سمح بفتح قنوات للتمرير لمهاجميه مع اتساع المساحات، وأيضا سمح لتوتنهام بالسيطرة على وسط الملعب بفضل وجود أعداد من لاعبيه أكثر من الخصم. ولهذا فهو رابع أفضل فريق هذا الموسم من جهة معدل الاستحواذ بـ59%، مقارنة بـ50% الموسم الماضي تحت ادارة أنتونيو كونتي.
غوارديولا أدخل تعديلاً جديداً على ابتكاره، حيث بات يدفع بأحد قلبي دفاعه الى وسط الملعب بدل ظهيره، وعادة ما يكون ستونز أو أكانجي، والميزة هنا تنبع من قدرة قلب الدفاع المقتبس الى وسط الملعب على العودة للدفاع أسرع من الظهير المطالب بالتمركز في حالة الدفاع، ما يعني سهولة الدفاع وأيضا بناء الهجمات في الحالة العكسية، بالاضافة الى انها تترك قلب دفاع وسط الملعب للقيام بدور دفاعي وهو أسهل من قيام ظهير في هذا الدور، وهو السبب الذي قاله بشكل علني المدرب الاسباني الموسم الماضي عن كايل ووكر، الذي يعد ربما أفضل ظهير أيمن في جيله، لكن غوارديولا اعتبر ان لا قدرة له القيام بالاقتباس المطلوب.
ولهذا السبب ولت الأفكار التي كانت تعتبر دور الأظهرة مجرد مساندة للهجوم والدفاع، ليصبح دورهم فعالا وحيوياً في نظر بعض العباقرة من المدربين لانجاح خططهم التكتيكية.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية