غزة كمناسبة لإهانة الإعلام الغربي للعرب والمسلمين!

حجم الخط
0

ظهرت، خلال اليومين الأخيرين، وقائع تشير، من جديد، إلى الأدوار السيئة التي تلعبها وسائل الإعلام، والتي تبدو فيها الصحافة جزءا من آلة الحرب الإسرائيلية المسلّطة على الفلسطينيين.
أحد الأمثلة الأخيرة على هذه الظاهرة كان ظهور مذيعة بريطانية في قناة «توك تي في» (إحدى مؤسسات قطب الإعلام العالمي روبرت ميردوك) خلال استضافتها د. مصطفى البرغوثي، الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية، وتعاملها معه بأسلوب عنصريّ حيث اعتبرت إصراره على نقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ورفضه مقاطعتها له، لكونه «غير معتاد على حديث النساء» في صيغة تعميمية وتنميط إعلامي بائس يتقصّد إهانة البرغوثي، ومن ورائه إهانة الفلسطينيين والعرب والمسلمين.
احتفظ البرغوثي، في أثناء المقابلة، كعادته، بهدوئه وردّ على حركات المذيعة الانفعالية والتهريجية بالقول: «أنت تضللين الجمهور». في نهاية المقابلة «تأسفت» جوليا هارتلي بروير، المذيعة البريطانية المقابلة، لضيفها من «كونها امرأة» في تصوير لنفسها كضحية لذلك «الفلستاين» (مصطلح دخل اللغة الإنكليزية من التوراة وصار يعني الشخص غير المثقف واللامتحضر!) وهو ما اضطر البرغوثي للتعليق على حسابه في موقع «إكس» واصفا سلوك المذيعة بـ«غطرسة صحافية عنصرية وغير مهنية».
قبل انتشار الحادثة الآنفة نشر موقع «انترسبت» الأمريكي تقريرا عن موقع شبكة «سي إن إن» (وهي مؤسسة يمثّل تاريخها نقيضا سياسيا لمعايير قنوات ميردوك اليمينية والعنصرية الطابع) يشير إلى أن إدارتها تفرض على مراسليها والصحافيين، سواء كانوا في إسرائيل والأراضي الفلسطينية، أو من الولايات المتحدة أو أي مكان آخر في العالم، تقديم تقاريرهم المتعلقة بالحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين للمراجعة من قبل السلطات في تل أبيب، وهو ما يعني أن الجزء الأكبر من التغطيات الإخبارية للشبكة بشأن كل ما يتعلّق بإسرائيل والفلسطينيين شكّله وصاغه صحافيون تحت الرقابة العسكرية الإسرائيلية!
كانت الشبكة سابقا تلجأ لنشر التقارير التي لا تتوافق مع مصالح إسرائيل من مكاتبها الإعلامية الأخرى في العالم، ولكن الحرب الأخيرة على غزة حوّلت إسرائيل إلى «كائن مقدّس» لا يمكن المسّ به، وإضافة إلى السياسة المتخاذلة الأخيرة، فإن الشبكة، حسب تقرير «انترسبت» أصدرت توجيهات لموظفيها تتطلب استخدام خطاب محدد وتجنب ألفاظ وتوصيفات معينة عند نقل الأخبار حول ما تقوم به إسرائيل في غزة. هذا التقرير يعني باختصار أن كلا الاتجاهين السياسيين اللذين كانا يحكمان سلوكيّات الصحافة في العالم، واللذين تمثلهما قنوات «سي إن إن» ذات الطابع المعتدل والأقرب لليسار، وقنوات ميردوك، ذات الطبيعة اليمينية والعنصرية الواضحة، صارا خاضعين لقواعد إسرائيل، الأولى بقرار إداري، والثانية كجزء من طبيعتها السياسية.
يمكن احتساب موقف صحيفة «دايلي تلغراف» المعبّرة عن اتجاه المحافظين اليميني البريطاني الداعم بتطرف لإسرائيل، أول أمس، من شرطة لندن، ضمن السياق الآنف، فقد قامت الصحيفة بانتقاد إعلان الشرطة طلب شهادات من المسافرين الذين كانوا في إسرائيل أو الأراضي الفلسطينية ممن كانوا «ضحية للإرهاب أو جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية».
غضب الصحيفة، الذي شارك فيه رئيس الوزراء الأسبق بوريس جونسون، يعبّر بدوره عن عنصريّة فاضحة، فالإعلان، كما هو واضح، يمكن أن يشمل إبلاغات إسرائيليين اعتبروا أنفسهم «ضحية للإرهاب» ولكنّ ما أثار ضغينة الصحيفة وجونسون، هو الحديث عن «جرائم حرب» و«جرائم ضد الإنسانية» فالمنطقيّ في نظر أي مؤسسة تحافظ على الأمن والعدالة أن تطلب من مواطنيها الإبلاغ عن أي شكل من العنف تعرّضوا إليه، أما مقصود «دايلي تلغراف» وحزب المحافظين، وجونسون، فهو مطاردة الفلسطينيين والإغضاء في الوقت نفسه عن جرائم إسرائيل. لا يمكن في منطق اليمين العنصري أن يتساوى الفلسطيني والإسرائيلي، ولا يجب، بأي حال، أن يتمّ التعرّض لـ«بقرة الغرب المقدسة»: إسرائيل.
ردود الفعل الغربية أفلتت من حدود المنطق والعقل والأخلاق والسياسة والعدل وتحول حدث الإبادة الجماعية للفلسطينيين إلى انفجار هائل للعنصرية ضد الفلسطينيين والعرب والمسلمين، كما لكل الضحايا في العالم.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية