القاهرة ـ «القدس العربي»: عن التجارب والإبداعات الفنية الأولى للعديد من الفنانين التشكيليين المصريين، وحتى إبداعات زمن الدراسة، كانت فكرة النسخة الأولى من معرض «البدايات.. عودة لسنوات الإبداع الأولى» الذي أقيم مؤخراً في (قصر الفنون) في دار الأوبرا المصرية في القاهرة. ضم المعرض ما يقارب الـ 350 عملاً لـ 149 فنانا.
بالطبع الفكرة جيدة، وهي محاولة لتتبع مسار هذا الفنان أو ذاك، وكيف عبّر في مرحلة من مراحله الفنية عن أفكاره، وكيف تطورت تقنياته بعد ذلك، وكذا الموضوعات التي عالجها في عمله الفني، وصولاً إلى الكشف عن التكرار الذي أصبح ملازما له، ومنها يمكن الكشف عن مدى تطور الرؤية الفنية ومدى أصالتها.
من ناحية أخرى ارتبطت أعمال بعض الفنانين ـ وهم كُثر ـ بفترة اجتماعية وسياسية معينة، ولنا استنتاج المناخ العام الذي ضرب تلك الفترة، وكيف صاغ الفنانين على شاكلته، أو ارتبط نتاجهم به إلى حدٍ كبير.
لم نستطع بالطبع الإحاطة بالأعمال كافة، لكن سنستعرض بعض الأعمال وتوجهات أصحابها، من خلال رؤاهم وتقنياتهم في معالجة الموضوعات، مع ملاحظة أن الكثير من الأعمال لم تكن مؤرخة، وهو أمر معيب في معرض فني يجمع هذا العدد من الفنانين، وتدور فكرته من خلال الزمن.. البدايات!
الريف المصري
تم تناول مظاهر حياة الريف المصري في العديد من الأعمال، ومن خلال فنانين مختلفين جيلاً ورؤية وتقنية. واللافت في هذه الأعمال أن الأجيال القديمة كانت أكثر تأثراً بالفن الغربي، من حيث اللون والخط والتكوين، وتوزيع الإضاءة في اللوحة، كما في لوحات الفنان حسن سليمان مواليد 1928، بخلاف وجهة نظر فنان آخر أكثر حداثة هو الفنان مصطفى عبد المعطي مواليد 1958. فبينما تبدو المسحة التجريدية لدى كل منهما، إلا أن هناك اختلافاً في الرؤية، وبالتبعية التفاصيل وكل عناصر اللوحة المشار إليها سلفاً، بخلاف تعبيرية الفنان كامل مصطفى مواليد عام 1917، حيث الاهتمام بتفاصيل المكان والشخصيات وملابسها، وكذلك الحركة والأكسسوارات الملازمة للمكان أو الشخصية.
التراث والفن الشعبي
لم يستطع الفنان المصري الانفلات من تراثه ـ البصري بالأساس ـ وكذا التأثير الشعبي من طقوس مثل، الميلاد والزواج والموت، وقد حاول التعبير عنها في مراحل مختلفة، تعكس بدورها رؤيته لهذا التراث، وكيفية التفاعل معه والعمل من خلاله، نلحظ ذلك في أعمال مصطفى الرزاز، الذي يستند بالأساس إلى الحكايات والسّيَر العربية ـ عنترة وأبو زيد وغيرهما ـ إضافة إلى تراث قديم يجمع بين التكوين الفرعوني وتفاصيل الفن الإسلامي، كما في عمل الفنان فرغلي عبد الحفيظ، أو الأيقوني الذي يُشبه أيقونات القديسين في العصر المسيحي، وهو ما جسده الفنان علي دسوقي، وصولاً إلى التجسيد الطقسي في الجنوب، كما في لوحة الفنان أحمد سليم.
السريالية
ضم المعرض بعض لوحات رواد السريالية المصرية.. عبد الهادي الجزار وحامد ندا، وامتدادهما كممثلين للسريالية الشعبية، وهو ما تجسد في أعمال الفنانة إيفيلين عشم الله، إضافة إلى عملي كل من سمير رافع وسامي رافع كمحاولة لدمج ما هو شعبي ـ الموضوع ـ مع ما هو غربي ـ الرؤية والتقنية ـ لنلاحظ أن اللوحات تستحضر الطقس بقوة، مع اختلافه من حالة الموت مثلاً إلى حالة عُمّال البناء، وسط أغانيهم وأهازيجهم المعهودة التي تحفزهم على مواصلة العمل الشاق.
حُب الوطن
ونأتي إلى فترة منتصف الخمسينيات وما بعدها، وهي فترة تفضحها اللوحات، دون عناء البحث عن تاريخها، فتأتي كترجمة حَرْفية ومباشرة لأفكار انقلاب يوليو/تموز 1952، وما شاب تلك الفترة من مقولات وخُطب صاخبة، حوّلت رَحلها واستبانت عام 1967. وهو ما تجلى في عمل كل من الفنانتين زينب السجيني ومريم عبد العليم، فالأولى تستحضر الفلاح والصياد وطالب العلم، الذي سيتفوق ويدرس علم الذرّة بالمشيئة، إضافة إلى المرأة التي تتوسطهم، التي أصبحت أيقونة اللوحات، كيف لا وهي الأم والأخت والزوجة والابنة. أما الفنانة الثانية فتستحضر في لوحتها الأهرامات والفلاحة الفرعونية والفلاح الراكب حماره، ومُمسكا بيده عقد الـ(فدادين خمسة.. خمس فدادين) ـ أغنية تم فرضها وقتها ـ وبجواره العامل والجندي، فاللوحة تمثل (تحالف قوى الشعب العامل) وهو الشعار الأقوى وقتها، قبل أن يحل محله شعار آخر هو.. (إزالة آثار العدوان).
تجارب لافتة
وبعيداً عن الأيديولوجيا وموبقاتها، نجد العديد من التجارب الفنية اللافتة، التي مثّلت بدورها عدة مدارس واتجاهات، كالتعبير عن المكان، أو حالة الشخصيات وإحساسها الداخلي بوجودها، أو بما تفعله في الحياة، ولو حتى رقصة بسيطة، أو اللعب بطائرة ورقية، وهو ما تجلى في أعمال كل من .. إبراهيم الدسوقي، أحمد عبد الغني، أحمد كمال حجاب، أحمد يوسف، أيمن لطفي، أماني فهمي، عز الدين حمودة، علي حسان، محمد سيد توفيق، وملك أبو النصر.