مزايا توقيت اعتذار اسرائيل لتركيا

حجم الخط
0

الاعتذار الذي أعرب عنه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لرئيس الوزراء التركي، رجب طيب اردوغان، على نقطة زمن ثانية كان الطرفان فيها قريبين من حل وسط كانت قبل نشر تقرير لجنة التحقيق التي شكلها الامين العام للامم المتحدة. في اسرائيل أملوا في حينه بان يتيح الاعتذار سحب التقرير الذي لم يكن مريحا للطرف التركي ايضا، كونه زعم فيه بان الحصار البحري الذي فرضته اسرائيل على غزة يتطابق ومبادىء القانون الدولي. ويشير التقرير الى أن الرد الاسرائيلي كان مبالغا فيه، وهذا عمليا هو الاساس لصيغة الاعتذار التي بحثت في حينه واتفق عليها الان، بالنسبة لـ ‘الاخطاء العملياتية’.
في الوقت الذي كان يمكن فيه شرح رفض اسرائيل الاعتذار في ايلول 2011 بتخوف نتنياهو من رد فعل ليبرمان يحتمل أن يكون عامل حاسم آخر هو القلق من تسونامي سياسي، في أعقاب التوجه الى الامم المتحدة التي خططت له السلطة الفلسطينية بشأن الحصول على اعتراف بها كدولة. في اسرائيل خافوا من أن تبتلع المزايا الكامنة في الاعراب عن الاعتذار في الموجة العكرة من التصريحات والاعمال المناهضة لاسرائيل التي كانت متوقعة في ذاك الوقت.
رفض اسرائيل الاعتذار في حينه كان نقطة الذروة في الدرك في العلاقات، حين طردت تركيا كل الدبلوماسيين الاسرائيليين من فوق درجة سكرتير ثانٍ بل وهددت باتخاذ عقوبات اخطر.

الحظوة لاوباما

مع أن الصيغة التي اتخذت الان لا تختلف جوهريا عن الصيغ السابقة، الا ان ثمة بضع مزايا في التوقيت الحالي. اولا، حقق الاعتذار بعد نهاية حملة الانتخابات في اسرائيل وتشكيل الائتلاف، وحين بات أحد المعارضين المركزيين للاعتذار، ليبرمان، خارج الحكومة وذلك لرفع لائحة اتهام ضده في قضية تعيين السفير في لتفيا.
وبالنسبة للاتراك ايضا يعد هذا توقيتا مريحا نسبيا. فقد تحقق الاعتذار قبل بداية جولة الانتخابات المحلية في الدولة (التي تعتبر نوعا من المؤشر على مدى قوة حزب السلطة). وفضلا عن ذلك، قبل أن تبدأ رسميا حملة انتخابات اردوغان للرئاسة. الانتخابات في 2014 ستكون المرة الاولى التي ينتخب فيها الرئيس التركي مباشرة. واردوغان، الذي يتوقع ان ينتخب باغلبية كبيرة، يأمل في أن يدخل الى الدستور تغييرات تجعل الرئاسة مؤسسة ‘ذات أسنان’، خلافا لمكانة الرئيس الرمزية حاليا. ولو لم تكن المرونة التركية كبيرة منذ الان فواضح أنه كلما تقدمت الحملة الانتخابية في هذه الدولة، فستكون القيادة التركية اكثر جمودا في موقفها.
ميزة واضحة في التوقيت الحالي هي أن الاعتذار عرض كأحد انجازات زيارة الرئيس الامريكي باراك اوباما: فليس فقط تحقق اختراق في العلاقات مع تركيا، بل انه يمكن أن يعزى هذا الانجاز الى اسرائيل في علاقاتها مع الولايات المتحدة ويحسن مدى الثقة بين نتنياهو واوباما. ومثل هذه الثقة ضرورية لغرض القرارات الصعبة المرتقبة في المسألة الايرانية. كما يمكن القول ان حقيقة ان الدفعة الاخيرة للاتفاق كانت من الرئيس الامريكي نفسه، ساعدت نتنياهو في المراحل النهائية من تنفيذ القرار.
اضافة الى ذلك، فان الوضع المتدهور في سوريا والذي لا يتوقع أن يحل حتى لو سقط الرئيس السوري بشار الاسد (بالعكس أغلب الظن الوضع سيتدهور أكثر فأكثر)، يستدعي التعاون، وليس فقط في المجال الاستخباري، بين اسرائيل وتركيا.
محقون اولئك الذين يدعون بان تدهور العلاقات بين اسرائيل وتركيا لم يبدأ مع قضية مرمرة، وانه من المتوقع لاحقا أزمات اخرى، ولا سيما اذا ما طرأ تدهور مع الفلسطينيين. ومع ذلك، فان حدث مرمرة كان شاذا وأدى الى رد فعل عاطفي شديد لدى الجمهور التركي والجمهور الاسرائيلي. وحتى لو كان في رئاسة الحكومة التركية شخص مختلف عن اردوغان، فانه من أجل اعادة بناء العلاقات مع تركيا كان الاعتذار الاسرائيلي ضروريا.
كما ان هذه ليست هي المرة الاولى التي تعتذر فيها اسرائيل لدولة اخرى. فقد سبق أن اعتذرت اسرائيل لنيوزيلندا في 2005 على استخدام عملاء الموساد لجوازات سفر مزيفة. وفي العام 2011 اعتذرت لمصر على قتل رجال الامن المصريين في اثناء مطاردة لخلية مخربين تسللت من سيناء.
رجال قانون اسرائيليون من المرتبة الاولى راجعوا صيغة الاعتذار للتأكد من أنها لا تخلق سابقة خطيرة لاسرائيل في أعمالها في المستقبل. مهم ايضا التشديد بانه يوجد اجماع جارف في اسرائيل على ان الوضعية التي كان فيها مقاتلو الوحدة البحرية صعبة حتى متعذرة، وانه حتى عندما تبحث الاخطاء العملياتية، فانه يجب التأكيد والقول ان الانتقاد هو عمليا على بعض جوانب السيطرة نفسها، وليس على اداء المقاتلين نفسه.
رئيس قيادة الامن القومي، يعقوب عميدرور، الذي كان ممن دفعوا نحو تحقيق الاتفاق مع تركيا، عبر عن مشاعره في حديث مع من تفاوض معه في الجانب التركي فقال: ‘القضية هي مثل وليد ولد وينتظر كيف سيعتني به أبوه وأمه’. ينبغي الامل في أن تكون للطرفين الحكمة للمضي في الخطوات الحالية الى اتجاه ايجابي من اعادة بناء العلاقات وعدم التركيز على نقاط الخلاف التي لا تزال قائمة بين الدولتين.

ذي بوست 11/4/2013

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية