بيروت – «القدس العربي»: عشية الأحد في 14 الشهر الجاري تختتم السوبرانو وأستاذة الصوت غادة غانم اسبوعاً حافلاً أحياه مسرح المدينة بالتعاون مع متحف نابو تحية لغزّة. تضمن البرنامج فعاليات متعددة من شعر وموسيقى وغير ذلك وتميز بالمشاركة الواسعة.
هنا حوار مع غادة غانم التي ترى في صوتها مشروعاً إنسانياً أولاً وأخيراً.
□ تستعدين لتقديم تحية فنية لغزة الأحد المقبل. ماذا ستقولين لها؟
■ غزة لستِ وحيدة. قلبي حزين جداً منذ أشهر ثلاثة، حزين عليكِ، وحزين أكثر على الإنسانية في هذا العالم. أرسل لك تحية من القلب. أقدم صوتي هدية لك، فأنا لا أملك سواه. تحيتي ممزوجة بالدموع والأمل معاً. تحية لقدراتِك الكبيرة التي فضحت سخافة العالم الذي يسمي ذاته في الطليعة. أين هي تلك الطليعة؟ كيف تكون الطليعة والإنسان لا يتأثر بالإبادة الجماعية التي تشهدها فلسطين؟ ولا يتأثر بإبادة الأطفال بالآلاف؟ أين الطليعة وأنتم تغمضون العيون بعيداً عن نظرات الأطفال الهاربين من حمم النار والبارود؟ والأطفال المرتجفون خوفاً وبرداً في الخيام؟ والأطفال الباحثون عن ذويهم، أو الذين يمدون أياديهم من تحت الدمار؟ كل هذا الموت الفظيع الذي احدثتموه في غزّة لم يحرّك فيكم ساكناً! وتواصلون حياتكم بعيداً عن الحرب المدمرة التي تغذونها في غزّة. تحية لكل إنسان من غزّة، سواء كان داخلها أم خارجها. تحية لكل إنسان لا يتكلّم لغتنا العربية في هذا العالم ثار على الظلم وساند غزّة. تحية لدموع الأطفال في غزّة، وتحية لمن أستشهدوا وهم يدافعون عن أرضهم. تحيّة صغيرة ورجاء «بلكي بيوعى الضمير».
□ ماذا تطلب غزة منا؟ ومن قادر برأيك على وقف نزفها وإعلان انتصارها بصمودها؟
ـ غزة تطلب مساندتنا. وأن نتكلّم عنها ونذكرها تماماً كما فعل البروفسور رفعت العريري في آخر قصيدة كتبها بعنوان «إن كُتِبَ عليّ الموت». سأغني هذه القصيدة ليل الأحد المقبل في مسرح المدينة، وهي من تلحين شقيقي مسعد غانم. كل منّا يذكر غزّة من موقعه، ومما يمتلكه، ومن خلال إنسانيته أولاً وأخيراً. تطلب غزّة شجاعة العالم، وألا يخاف من مساندة الحق ورفض الظلم. تمثّل غزّة انتصاراً للإنسانية مقابل مشروع محو الإنسانية والذاكرة. انتصارها بقوّتنا وشجاعتنا جميعنا على رفض منطق الاستبداد والاستعلاء والاستيطان.
□ من يرافقك في هذا الحفل؟
■ سأكون على المسرح في رفقة الموسيقيين سماح أبي المنى أكورديون، مكرم أبو الحسن كونترباص، جويل الدباس عود، لبنان عون إيقاع. يتضمّن
حفل الأحد، يعتبر مزيجاً من تأملات وأغنيات. ويتضمّن ظرفاً وأغنية. أفتح ظرفاً متصل بغزّة وفلسطين بين أغنية وأخرى. ولكل أغنية ظرف خاص بها. وأحدها عن الأكاديمي رفعت العريري. وعن أول أستاذة موسيقى في غزة السيدة إلهام فرح. وعن خصوصية غزة. وعن أبجدية عربية جديدة. وعن اليمن وغير ذلك. وبالمناسبة أشكر مسرح المدينة ومتحف نابو لمنحي مساحة في الفعالية الثقافية الأسبوعية «الى غزة سلام»، والذي أختمه في 14 الشهر الجاري.
□ سبق وأحييت صلاة لغزة وفلسطين والأقصى وكنيسة القيامة في كاتدرائية جبيل المارونية. ما هو وقع تلك المشاركات الدينية والفنية برأيك؟
■ مشاركتي في الصلاة لغزة في كنيسة مار يوحنا مرقس ـ جبيل، السبت الماضي، كانت بأهمية المظاهرات التي تشهدها شوارع العالم جميعه، إنما بطريقة مختلفة. المهم في كل ذلك أنه يصبّ في الهدف نفسه، وهو رفع الصوت عالياً لوقف الإبادة في غزة… لعلّ صوتنا يصل. في كنيسة مار يوحنا مرقس رافقني مقرئ القرآن عماد عياد، وصديق فرنسي زائر بترتيلة من القرن التاسع (الغناء الغريغوري).
□ من الولايات المتحدة إلى لبنان وصوت غادة غانم مقرون برسالة. لمن تصل الرسالة؟
■ شعوري دائم بضرورة أن يكون لصوتي دور في المجتمع. من بلسمة الجراح، ومساندة المرض، إلى نشر عدوى الفرح واحترام المستمعين. هو إحساس يرافقني منذ الصغر. صلاتي ليست للمظلومين فقط، بل أيضاً للظالمين كي يفتح الله قلوبهم وضمائرهم وعقولهم وعيونهم.
□ هل يشكل ذلك راحة لك كإنسانة وفنانة؟
■ طبعاً. ولم أشعر مطلقاً أن الفن والموسيقى مأسورين في إطار ضيق. أشعر أن الفن والموسيقى معجونين بالحياة، والمجتمع. وهكذا يكون الصدى أقوى. ومن هذا المنطلق، أسست بعد الانهيار الاقتصادي عام 2019، حركة موسيقية جديدة معنية بالمجتمع وبمشاكله، اسمها «موزاييك من العالم». ومن خلال «موزاييك من العالم» عملت الصيف الماضي عن بعد مع طلاب الغناء في معهد إدوارد سعيد للموسيقى فرع غزّة، وعلى مدى شهرين. وبنيت مع هؤلاء الطلاب علاقة ثمينة للغاية. إنها تجارب تساعدني في الحافظ على إنسانيتي كفنانة. ومن خلال جريدة القدس العربي أرسل لهؤلاء الطلاب تحية و»إن شاء الله يكونوا كلهم بخير». وأضيف إلى ما سبق أنّ ما يميزنا عن الصهاينة، أننا نتقن فن العطاء، وهم لا يتقنون سوى فن الأخذ. غزّة مدرسة، يومياً تعلّمنا جديداً في الإطار الإنساني. وكفنانة ملجئي الإبداع، لمواجهة الظلم والنذالة والإجرام.