غزة- “القدس العربي”: زادت أوضاع سكان قطاع غزة صعوبة، خلال الساعات الـ 48 الماضية، مع اشتداد المنخفض الجوي الذي أغرق خيام كثيرين من نازحي الحرب، كما أغرق الشوارع بسبب تضرر شبكات الصرف الصحي، فيما استغلت أمطاره من قبل سكان مدينة غزة والشمال للحصول على مياه صالحة للشرب، في الوقت الذي تصاعدت فيه الهجمات التي يشنّها جيش الاحتلال ضد كافة مناطق القطاع، خاصة تلك التي تشهد توغلات برية.
وسجل غرق غالبية شوارع مدينة غزة وشمالها بمياه الأمطار، التي ارتفع منسوبها إلى نحو متر في الكثير من المناطق، وزادت من مأساة السكان الذين يعانون من ويلات الحرب الدامية.
وجاء ذلك بسبب تدمير قوات الاحتلال الممنهج لشبكات الصرف الصحي والبنى التحتية، خلال هجماتها الجوية والبرية ضد قطاع غزة.
وكما حال غالبية سكان قطاع غزة الذين أجبرتهم ظروف الحرب على النزوح القسري من منازلهم، ويقيمون حالياً في الخيام في مناطق جنوب القطاع، تأثر من تبقى في مدينة غزة وشمالها، وكذلك في وسط القطاع، بالمنخفض الجوي، بسبب تحطم زجاج النوافذ جراء وقوع غارات قريبة، واضطرار الآخرين على فتح نلك النوافذ خشية من إصابتهم من تطاير زجاجها، في حال وقعت غارات جوية قريبة.
واشتكى هؤلاء من البرد الشديد جراء تدني درجات الحرارة، ونقص الأغطية وعدم توفر وسائل التدفئة، حيث ينقطع التيار الكهربائي بالكامل عن مناطق القطاع منذ بداية العدوان، فيما يواجه السكان شحاً كبيراً في الوقود السائل الذي يستخدم في المدافئ البدائية.
لكن سكان غزة والشمال عملوا على استغلال مياه الأمطار في تعبئة المياه لاستخدامها في الشرب، بسبب شح إمدادات المياه الصالحة للاستخدام في مناطق سكنهم.
وقال محمد سعيد، وهو شاب من مدينة غزة، إنهم في أسرته، كما الكثير من الجيران، سارعوا إلى وضع أواني الطعام فوق أسطح البنايات وفي شرفات المنازل وأمام بناياتهم، لملئها بمياه المطر لاستخدامها في الشرب.
ويشتكي سكان غزة والشمال أكثر من غيرهم من سكان القطاع، من انعدام مياه الشرب، بسبب ظروف الحرب التي دمرت خلالها قوات الاحتلال محطات التحلية، حيث لم يعد يعمل إلا القليل منها، بشكل لا يفي احتياجات السكان هناك.
ويشير الشاب محمد، الذي أجرت معه “القدس العربي” اتصالاً عبر الهاتف، إلى أنهم ينتظرون في طابور طويل خلف عربات تحمل خزانات من المياه الصالحة للشرب، للحصول على غالون مياه بسعة 20 لتر، وقال إن تلك العربات تصل إلى مناطق تواجد السكان على فترات متباعدة، بحيث ينفد المخزون قبل التعبئة، ما يضطرهم في كثير من الأحيان إلى شرب المياه المالحة.
ويقول إن طابور الحصول على غالون المياه قد يستغرق أكثر من ساعتين بسبب التدافع والازدحام الشديد.
كما اشتكى هذا الشاب كباقي سكان غزة والشمال من النقص الحاد في الأغذية، بسبب منع سلطات الاحتلال وصول قوافل المساعدات إليهم، منذ أن فصل مناطق شمال قطاع غزة عن جنوبها، وقال إن ما يتوفر من مواد غذائية يباع بأثمان عالية، لا تقدر عليه الأسر التي تعاني من ويلات الحرب.
وفي مناطق جنوب قطاع غزة، وتحديداً في مدينة رفح، التي تستقبل العدد الأكبر من نازحي الحرب، تأثر هؤلاء بالمنخفض بشكل كبير، خاصة الذين يقيمون في مراكز الإيواء، وأولئك الذين يقيمون خياماً في الساحات العامة والأرض الخلاء.
وتسربت مياه الأمطار إلى خيام النازحين بشكل كبير، ما أدى إلى تضرر ملابسهم وما يملكون من أغطية شتوية، وفي تلك المناطق سجل وصول حالات مرضية خطيرة للمشافي والمراكز الطبية، غالبيتها من الأطفال وكبار السن الذين يقطنون مع عوائلهم في الخيام بسبب البرد.
وعلى الصعيد الميداني، واصلت قوات الاحتلال من هجماتها الدامية ضد كافة مناطق القطاع، وقالت مصادر طبية إن الطيران الحربي الإسرائيلي شن عدة غارات على مدينة غزة ومناطق أخرى تقع في شمال القطاع، ما أدى إلى سقوط العديد من الشهداء والمصابين، بينهم من سقط في غارة دامية استهدفت حي الصبرة في مدينة غزة.
وجاء ذلك في وقت صعدت فيه قوات الاحتلال من هجماتها ضد مناطق وسط القطاع ومدينة خان يونس جنوباً، التي تشهد توغلات برية.
وحسب شهود عيان من مخيم النصيرات وسط القطاع، فإن الدبابات الإسرائيلية المتوغلة شمال المخيم تراجعت قليلاً إلى منطقة المغراقة، لكن هؤلاء أكدوا لـ “القدس العربي” أن ذلك تلاه قصف جوي ومدفعي عنيف لتلك المنطقة دمر الكثير من المنازل.
وحسب السكان الذين لم تسعفهم الظروف على النزوح وبقوا في منازلهم في مخيمات وسط القطاع، التي تتعرض لهجوم بري عنيف لجيش الاحتلال منذ أكثر من أسبوعين، فإن عمليات التراجع المؤقت للدبابات يتلوها غالباً قصف جوي ومدفعي عنيف، ما يشير إلى أن التراجع يكون لإفساح المجال لشن الغارات، دون أن يكون في تلك المناطق أي تواجد للدبابات والجنود، ويؤكد السكان إنه وفي مرات سابقة كثيرة عادت تلك الدبابات إلى مناطق التمركز وسط المخيمات وهي البريج والنصيرات والمغازي، بعد شن تلك الغارات العنيفة.
وعلى الأرض، قصفت الطائرات الحربية الإسرائيلية عدة بنايات جديدة في وسط القطاع، استهدفت إحداها برج اللؤلؤة ، كما استهدفت بشكل عنيف منطقة شمال النصيرات وتحديداً أرض المفتي، إلى جانب شنّها غارات أخرى عنيفة على مخيم المغازي القريب، وأكد شهود عيان وجود عدد من جثامين الشهداء ملقاة على الأرض في شوارع هذا المخيم منذ عدة أيام، دون أن يستطيع أحدٌ الوصول إليها.
وفي ذات السياق، استهدفت الطائرات الحربية العديد من البنايات وسط مدينة خان يونس التي تواجه هي الأخرى عملية برية ينفذها جيش الاحتلال، كما طالت الغارات بنايات أخرى غرب المدينة بعيداً عن مناطق التوغل، وحسب المصادر الطبية فإن عدداً من الشهداء سقطوا جراء تلك الهجمات.
يشار إلى أن وزير الجيش الإسرائيلي يوآف غالانت قال إن قوات جيشه تواصل عملياتها في خان يونس فوق الأرض وأسفلها.
هذا وأعلن المكتب الإعلامي الحكومي، في إحصائيات جديدة متعلقة بالحرب على قطاع غزة، استمرار عمليات “الإبادة الجماعية”، التي يقترفها جيش الاحتلال، وذلك بارتفاع عدد المجازر، منذ بداية الحرب يوم السابع من أكتوبر الماضي، إلى 1,968 مجزرة، أدت إلى تسجيل 30,469 شهيداً ومفقوداً، حيث وصل 23,469 شهيداً إلى المستشفيات، بينهم 10,300 شهيد من الأطفال، و7,100 شهيدة من النساء، و337 من الطواقم الطبية، و45 من الدفاع المدني، و117 شهيداً من الصحفيين.
وأشار إلى وجود 7,000 مفقودٍ، 70% منهم من الأطفال والنساء، علاوة عن وجود 59,604 مصابين، مؤكداً وجود 6,200 إصابة بحاجة للسفر للعلاج لإنقاذ حياة.
وأوضح أن من بين العدد الكلي للمصابين جرى سفر 707 جرحى فقط، فيما هناك 10,000 مريض سرطان يواجهون خطر الموت.
وأوضح أنه منذ بداية الحرب اعتقلت قوات الاحتلال 99 من الكوادر الصحية، و10 صحفيين.
وأشار إلى وجود نحو مليوني نازح في قطاع غزة، من بينهم 400,000 مصاب بالأمراض المعدية نتيجة النزوح.
ومنذ بداية الحرب، جرى تدمير 134 مقراً حكومياً، علاوة عن تدمير الاحتلال 95 مدرسة وجامعة دمرها الاحتلال بشكل كلي، و295 مدرسة وجامعة بشكل جزئي.
ووثقت الإحصائية تدمير 142 مسجداً بشكل كلي، و240 بشكل جزئي، إضافة إلى 3 كنائس.
وأدت الحرب أيضاً، حسب المكتب الإعلامي، إلى تدمير 69,200 وحدة سكنية، و290,000 وحدة دمرت جزئياً، علاوة عن تدمير 200 موقع أثري وتراثي.
وأوضح أن قوات الاحتلال ألقت 65,000 طن من المتفجرات على غزة، فيما تسببت الحرب في إخراج 30 مستشفى عن الخدمة، وكذلك 53 مركزاً صحياً أخرجت عن الخدمة، فيما استهدف الاحتلال خلال الحرب 150 مؤسسة صحية، كما جرى تدمير 121 سيارة إسعاف، ودمرها جيش الاحتلال.
وكانت المقررة الأممية لحقوق الإنسان في فلسطين شددت على ضرورة ضمان عدم حصول مزيد من انتهاكات القانون الدولي في غزة، وقالت: “لم نر حتى الآن الرد المناسب بشأن ما يتعرض له سكان غزة”.