بلدان الربيع العربي تعيش وعودا كاذبة

حجم الخط
0

اول هذه الوعود وهم تحقيق الثورة، فالمشهد الراهن في جميع بلدان الربيع بدءا من تونس ومصر وما تعيشانه من انقسام مجتمعي وتزايد حالات العنف وصلت في مصر الى الاعتداء على خلفية طائفية ودينية، وصولا الى ليبيا واليمن حيث وعد الدولة اصبح غائبا ووعد التنمية والاستقرار والديمقراطية مؤجلا. ومن المشكوك فيه تحقيق اي وعد سياسي او اجتماعي او اقتصادي، فسورية تم تدميرها ومن سيمول اعادة البناء سيتدخل في الترتيبات السياسية، مما يفقد الحكومة والدولة استقلالها والامر ذاته ينطبق على جميع بلدان الربيع. والازمات الاقتصادية تقف حكومات ما بعد الثورة عاجزة عن تقديم اي حل ايجابي لصالح المواطن الذي قدم كل التضحيات.
وبقراءة موضوعية تعتمد منظورا سوسيولوجيا نكتشف ان هذه الوعود لم تتحقق منذ ثورات الاستقلال في منتصف القرن العشرين.
فقد رفعت تلك الثورات شعارات بناء الدولة الوطنية الحديثة والتنمية وتحرير فلسطين والديمقراطية، وما ان جاء عام 75 الا والمشهد يعكس تزايدا في حجم الفقراء والعاطلين وتفشي الفساد بكل مؤسسات الدولة، وظهور فاعلية للرأسمالية الطفيلية وتكريس التسلط والشمولية وتضييق الحريات العامة. ومع نهاية التسعينات من ذات القرن كانت القضية الفلسطينية قد تم تناسيها عربيا، واصبح الحديث عن صراع فلسطيني اسرائيلي بدلا من القول بالصراع العربي الاسرائيلي الذي كان مرفوعا مع ثورة يوليو.. ومع بداية عام 2011 اعلنت ثورات الربيع نفس الوعود السابقة، وكنت ممن كتب ولا ازال اقول ان هذه الثورات (في حال تحققها كاملة) تعتبر بمثابة استقلال ثان لبلداننا من انظمة الحكم المتسلطة والفاسدة ومن التبعية اقليميا ودوليا، ولكن هذا الامر رهين بتبلور وعي سياسي ناضج لدى الشباب والثوار ورموز المجتمع المدني بل وكل افراد الطبقة الوسطى (جميعهم يشكلون الحامل الاجتماعي والطبقي للثورات الربيعية). وهذا امر لم يتحقق فالاحزاب السياسية ذات مسار براجماتي نفعي لا مكان للنضال في قاموسها فهي وان شاركت ببعض المسيرات والمظاهرات فكانت عيونها مفتوحة على اول دعوة للمساومات نحو حصص ومغانم وعمق هذه الازمة في مصر واليمن كما هو في تونس وليبيا.
واذا كانت الانظمة الجمهورية التحررية لم تحقق وعود ثوراتها سابقا فانظمة ثورات الربيع سرقت الثورات ولحست وعودها مبكرا ومن اول ايامها في الحكم.. واذا كانت دول النفط شكلت ثورة مضادة للانظمة الجمهورية وقياداتها العسكرية سابقا فهي اليوم تقود وتدعم احزابا وعسكرا وقبائل اعتبرتهم قادة لثورات الربيع ونفخت فيها من خلال اجهزتها في البث الفضائي، بل خصصت اكثر من شخص يقدمون فتاوى في الثورات ونصائح تكتيكية للثوار في حروبهم، كما خصصت سابقا من يقدم فتاوى في الحيض وزواج الصغيرات.. اننا معشر العرب نعيش لعنة تاريخية حلت ببلداننا ابرز مظاهرها حكومات فاسدة واحزاب وقطاع خاص همها الاول الغنيمة وهي مطمئنة لهذا السلوك بعد ان قام اعلامها وخطابها الديني بتزييف وعي الشباب وعامة المجتمع بتصوير حالة الفقر والبطالة وعدم تحقق وعود الثورات باعتباره قدرا وعقابا الهيا لعدم الاخلاص والخشوع بالصلاة لكافة المؤمنين من شعوبنا، او ربما انهم نسوا استخدام السواك في حياتهم اليومية.. ومن يتتبع اوضاع بلدان الربيع، خاصة في مجال التنمية البشرية ومؤشرات الفساد وحريات الصحافة ومتوسط الدخل سيكتشف حجم المأساة التي نعيشها، خاصة وبلدان مثل مصر واليمن اكثر من 60′ من اجمالي السكان يعيشون تحت خط الفقر.. ان واقعنا العربي يتطلب مشروعا نهضويا يقوم به ثوار لا سماسرة وتجار الثورات.. نحتاج الى وطنيين يؤمنون بوطنهم وبشعوبهم لا سماسرة تبيع الوطن والشعب.
صفوة القول ..ان وعود الثورات بالحرية والتطور والكرامة والعدالة والدولة المدنية لن تتحقق الا برجال عاهدوا الله على تحقيق هذه الاهداف والوعود مؤمنين مخلصين لشعوبهم يعملون ضمن حركات شعبية واسعة تقتلع الفاسدين وتعيد الاعتبار للدولة والوطن ضمن مشروع تغييري شامل منحاز للمستقبل ومدنية الدولة استنادا الى قوى طبقية تؤمن بمشروعها في التغيير. ومن دون هذا الامر ستعيش مجتمعاتنا سنوات من الضياع والفوضى وعدم اليقين وهو ملمح كارثي لابد وان نشير اليه وننبه الى مخاطره انطلاقا من ان كتاباتنا ليست الا عملا نضاليا من زاوية الكلمة كما شاركنا ولانزال في نضال عملاني من ساحات التغيير.

‘ استاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة صنعاء

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية