بغداد ـ «القدس العربي»: تبنّى الحرس الثوري الإيراني، الثلاثاء، الهجوم الصاروخي الذي استهدف مواقع عدّة في مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق، وأدى إلى مقتل وإصابة نحو 10 مدنيين، أغلبهم من عائلة رجل أعمال كردي بارز، فضلاً عن تاجر إماراتي مسيحي كان بضيافته، وفيما بررت طهران هجومها أنه استهدف عناصر في «الموساد» قررت بغداد استدعاء القائم بالأعمال الإيراني، وتسليمه مذكّرة احتجاج، إضافة إلى تشكيل لجنة تحقيق رفيعة المستوى لجمع الأدلة بشأن الحادث الذي اعتبرته «انتهاكاً للسيادة» تمهيداً لتقديم شكوى ضد طهران أمام مجلس الأمن.
10 صواريخ
وحسب مصادر صحافية، فإن الهجوم الصاروخي الذي وقع في ساعة متأخرة من ليلة الاثنين/ الثلاثاء، جرى بأكثر من 10 صواريخ «باليستية» طال نحو نصفها منزل رجل الأعمال الكردي البارز بيشرو دزيي وزميله التاجر المسيحي الإماراتي كرم ميخائيل، فضلاً عن زینة ابنة دزيي التي لم تبلغ عامها الأول، فيما أصيبت في المنزل المذكور هانا جوتيار زوجة بيشرو دزيي، وابنتاهما روان بيشرو دزيي، وروز بيشرو دزيي، فضلاً عن إصابة عاملين يحملان الجنسية الفلبينية، وهما آلین ومايكي.
وكرم ميخائيل، مواطن مسيحي من الإمارات، متزوج وهو من مواليد 1981، وصاحب شركة «الريان» العراقية لاستيراد الأجهزة الكهربائية، وكان يمتلك حصة في شركة «سامسونغ».
الحرس الثوري الإيراني، كشف عن تفاصيل الهجوم الذي جاء متزامناً مع قصف صاروخي مماثل طال مواقع في سوريا، مبيناً إنه «دمر أماكن تجمع القادة والعناصر الرئيسية المرتبطة بالجرائم الإرهابية الأخيرة في إيران، وطالت هذه الهجمات مقرات في سوريا، فضلا عن مقر تجسس للكيان الصهيوني في إقليم كردستان العراق، بالصواريخ الباليستية» حسب بيان صحافي.
وربط بين استهداف «جماعات من داعش في سوريا، والموساد في أربيل» وعلاقتهما بالهجوم الانتحاري الذي طال كرمان الإيرانية وتسبب بوقوع أكثر من 80 ضحية خلال إحياء ذكرى القيادي الإيراني قاسم سليماني الذي قضى بضربة أمريكية في بغداد في يناير/تشرين الثاني 2020.
وبين أنه استهدف «مقرا رئيسيا للموساد الصهيوني في أربيل، بعد إشراف وسيطرة استخبارية دقيقة على مقرات وتحركات الكيان الصهيوني في المنطقة».
«الحرس الثوري» أعلن استهداف «الموساد»… وبغداد ستتخذ إجراءات في مجلس الأمن
في الأثناء، أفادت مصادر في شرطة أربيل بإلقاء القبض على «إيرانيين اثنين» للاشتباه بضلوعهما في التجسس لصالح الحرس الثوري.
مواقع إخبارية محلية نقلت عن المصادر قولها إن «الأهالي قبضوا على شخص إيراني (ليلة الإثنين) داخل أحد الجوامع في أربيل للاشتباه في التجسس وقاموا بتسليمه إلى القوات الأمنية» فضلاً عن اعتقال آخر (إيراني) داخل مقبرة بالقرب من منزل رجل الأعمال بيشرو دزيي».
وعدّ مجلس أمن إقليم كردستان، القصف، «انتهاكاً صارخاً» لسيادة الإقليم والعراق كافة.
وقال في بيان صحافي إن الحرس الثوري قصف بـ«الصواريخ الباليستية عدة مناطق في أربيل، ما أدى – للأسف وحسب الحصيلة الأولية – إلى استشهاد 4 مدنيين وإصابة ستة آخرين بجروح بعضهم حالته الصحية غير مستقرة».
وأضاف البيان أن «الحرس الثوري الإيراني أعلن أن الهجوم استهدف عدة مواقع لجماعات مناهضة لإيران» لافتا إلى أن «هذا العذر لا أساس له ونحن نرفضه، وللأسف دائما ما يستخدمون أعذارا لا أساس لها للهجوم على أربيل».
وأكد أن «أربيل كمنطقة مستقرة لم تكن أبدا مصدر تهديد لأي طرف» مشيراً إلى أن الضربات التي شنها الحرس الثوري «انتهاك صارخ لسيادة الإقليم والعراق، ويتعين على الحكومة الاتحادية والمجتمع الدولي عدم الصمت إزاء هذه الجريمة».
إحباط هجوم
وتزامن القصف الصاروخي مع إعلان جهاز مكافحة «الإرهاب» في إقليم كردستان، إحباط هجوم بثلاث طائرات مسيّرة كانت تحاول استهداف مطار أربيل الدولي.
وقال في بيان، إنه «في صباح الثلاثاء، 16 كانون الثاني/يناير 2024، وتحديدا في الساعة 05:05، تم تدمير وإسقاط ثلاث طائرات مسيرة مفخخة موجهة صوب القاعدة العسكرية للتحالف الدولي ضد تنظيم داعش في مطار أربيل الدولي».
الهجوم الصاروخي شمل أيضاً قاعدة حرير التي تستضيف قوات أمريكية ومبنى القنصلية الأمريكية، إضافة إلى مطار أربيل الذي علّق جميع الرحلات الجوية لبضع ساعات قبل أن يعيد استئنافها.
وفي العاصمة العراقية بغداد، استدعت وزارة الخارجية العراقية، القائم بالأعمال الإيراني في بغداد وسلمته مذكرة احتجاج، أعربت فيها عن إدانتها واستنكارها الشديدين للاعتداء الذي تعرضت له عدد من المناطق في أربيل.
وذكرت في بيان، أن «رئيس دائرة الدول المجاورة وكالةً محمد رضا الحسيني، سلم مذكرة احتجاج أعربت فيها جمهورية العراق عن إدانتها واستنكارها الشديدين للاعتداء الذي تعرضت له عدد من المناطق في أربيل وأدى إلى سقوط ضحايا من المدنيين وتسبب بأضرار بالممتلكات العامة والخاصة».
وأكدت الوزارة، إن «هذا الاعتداء انتهاك صارخ لسيادة جمهورية العراق ويتعارض بشدة مع مبادئ حسن الجوار والقانون الدولي ويهدد أمن المنطقة».
كما استدعت وزارة الخارجية الاتحادية سفيرها لدى طهران نصير عبد المحسن، وذلك لغرض التشاور على خلفية «الاعتداءات الإيرانية الأخيرة على أربيل، والتي أدت إلى سقوط عدد من الشهداء والمصابين» حسب بيان منفصل.
لجنة تحقيق
كذلك، كشفت الخارجية العراقية عن تشكيل رئيس الوزراء لجنة برئاسة مستشار الامن الوطني بشأن الهجوم على أربيل، مؤكدة أن العراق سيتخذ الإجراءات القانونية في مجلس الأمن تجاه «العدوان الإيراني» حسب البيان.
وذكرت أنه «تعرب حكومة جمهورية العراق عن استنكارها الشديد وادانتها للعدوان الإيراني على مدينة أربيل المتمثل بقصف أماكن سكنية آمنة بصواريخ باليستية مما ادى إلى وقوع ضحايا بين المدنيين».
وأضافت «بالنظر للخراب الذي سببه القصف ووقوع العديد من الضحايا الأبرياء جراء قصف الدور السكنية بضمنها دار سكن رجل الأعمال الكردي پيشرو دزيي وعائلته مما ادى إلى استشهاده وإصابة أفراد عائلته».
وأشارت إلى أن «حكومة جمهورية العراق تعد هذا السلوك عدواناً على سيادة العراق وأمن الشعب العراقي، وإساءة إلى حسن الجوار وأمن المنطقة، وتؤكد أنها ستتخذ كافة الإجراءات القانونية تجاهه ضمنها تقديم شكوى إلى مجلس الأمن».
وأكدت أن «بهذا السياق قرر رئيس مجلس الوزراء تشكيل لجنة برئاسة مستشار الأمن القومي للتحقيق في الهجوم وجمع المعلومات لدعم موقف الحكومة دولياً وتقديم الأدلة والمعلومات الدقيقة، وسوف يتم الإعلان عن نتائج التحقيق ليطلع الرأي العام العراقي والدولي على الحقائق واثبات زيف ادعاءات الجهات التي تقف وراء هذه الافعال المدانة».
«ادعاء باطل»
وعلى الفور، توجه مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي، إلى أربيل على رأس وفد أمني رفيع، للوقوف على تداعيات القصف.
المكتب الإعلامي للأعرجي ذكر في بيان، ان الأخير «توجه إلى أربيل على رأس وفد أمني رفيع بتوجيه من القائد العام للقوات المسلحة محمد شياع السوداني، للوقوف على تداعيات القصف الإيراني الأخير الذي استهدف المحافظة».
وندد الأعرجي بالادعاء «الباطل وغير الصحيح» بشأن وجود «مقر للموساد الإسرائيلي» في أربيل، بعد تفقده المنزل الذي استُهدف.
وقال لقناة «كردستان 24» المحلية «تجولنا في كل زاوية من هذا البيت وكل شي يدل على انه بيت عائلي. وبالتالي هذا الادعاء باطل وغير صحيح».
ووفق وثيقة رسمية، كشف السكرتير الشخصي للقائد العام للقوات المسلحة عبد الكريم عبد الحسن وجر، إن رئيس الوزراء وجه بتشكيل لجنة تحقيقية برئاسة مستشار الأمن القومي، وعضوية كل من وزير داخلية اقليم كردستان، ووكيل رئيس جهاز المخابرات، واللواء الركن سعد نعيم ممثلا عن قيادة العمليات المشتركة، واللواء ماجد عبد الحسين ممثلا عن وزارة الدفاع.
وبينت الوثيقة أن مهمة اللجنة «التحقيق في الحادث على أن تباشر اللجنة اعمالها فورا وتعرض توصياتها خلال 48 ساعة أمام رئيس الوزراء». وانتقدت طهران بيان الخارجية العراقية الذي قالت إنه لم يتطرق لوجود ما وصفته «عناصر إرهابية» تابعة «للموساد» في إقليم كردستان العراق.
وقالت وكالة «مهر» الإيرانية للأنباء، إن «وزارة الخارجية العراقية، أدانت العملية الصاروخية التي استهدفت مقرات الإرهابيين في أربيل وأعلنت اتخاذ إجراءات قانونية بحق إيران، دون الإشارة إلى وجود عناصر إرهابية تابعة للموساد في إقليم كردستان».
وأضافت أن «ذلك جاء على الرغم من أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية قد حذرت الحكومة العراقية والسلطات الإقليمية من أنشطة الجماعات الإرهابية والعناصر التابعة لأجهزة التجسس الغربية والصهيونية في هذه المناطق، وأكدت مراراً وتكراراً أن العراق لا يستطيع الرد على هذه الأحداث المحيطة به» مبينة أنه «لقد انتهت حدود إيران بالبقاء هادئة».
وأشارت إلى أنه «لطالما طلبت طهران من السلطات العراقية منع أنشطة العناصر الإرهابية الخطيرة في الأراضي العراقية ضد مصالح الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لكن يبدو أن عدم الاهتمام بهذه التحذيرات لم يترك خيارا آخر سوى العمليات المباشرة ضد مقرات الإرهابيين في المناطق الحدودية مع إيران» حسب وصفها.