باريس ‘‘القدس العربي’’: قالت صحيفة ‘‘لاكروا’’ الفرنسية في مقال بعنوان: ‘‘المغرب والجزائر يلعبان لعبة متوترة للسيطرة التجارية على المنطقة’’، إن الخصمين لديهما ورقة يلعبانها في منطقة الساحل، فيما تركت مغادرة فرنسا والأوروبيين فراغا للملء في المنطقة. فقد اقترح المغرب في نهاية شهر ديمسبر إنشاء منطقة تجارة حرة مع إمكانية الوصول إلى ساحل المحيط الأطلسي، وهو ما تستجيب له الجزائر الآن بتحالف مع دولة ساحلية أخرى، هي موريتانيا.
واعتبرت الصحيفة الفرنسية أنه من خلال دعوة رئيس الدبلوماسية الموريتانية محمد سالم ولد مرزوق، الثلاثاء الماضي، يعمل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون على مواجهة الهجوم الدبلوماسي والتجاري الذي يشنه منافسه الأكبر.. المغرب. ففي 23 ديسمبر الماضي بمراكش، استجاب وزراء خارجية مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد بشكل إيجابي للمبادرة الملكية لتسهيل وصولهم إلى المحيط الأطلسي، عبر ميناء الداخلة.
ومن جانبه، أعرب ولد مرزوق، الثلاثاء، عن “تصميمه” على “دفع العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين قدما”. وفي الميزان، هناك مشروع مضاد للتجارة الحرة في دول الساحل، يتمثل في تعزيز الوصول إلى ساحل المحيط عبر ميناء نواكشوط. ومنذ ذلك الحين، شهد المغرب ارتفاعا في الضرائب الجمركية التي فرضتها السلطات الموريتانية، التي تريد حماية سوقها، مما أجبر الشاحنات على التكدس على الحدود.
وتنقل الصحيفة الفرنسية عن لويس مارتينيز، الباحث المتخصص في شؤون المغرب العربي، قوله: ‘‘كل هذه التحركات على رقعة الشطرنج الساحلية هي نتيجة ‘‘الفرصة” التي تركها أو خلقها انسحاب فرنسا والدول الأوروبية من منطقة الساحل، مما أدى إلى تحفير الجزائر العاصمة والرباط. فلدى هاتين الدولتين حلفاء أقوياء (الولايات المتحدة بالنسبة للمغرب، والصين وروسيا وتركيا بالنسبة للجزائر)، لكنهم شركاء بعيدون لا يسمحوا لهما حقًا بسياسة تنموية إقليمية. يدرك المغرب والجزائر أن هناك الكثير مما يجب فعله مع جنوبهما، حيث يوجد حوض يتراوح عدد سكانه بين 250 و300 مليون نسمة”.
بالنسبة للمغرب، الأمر واضح للغاية: ‘‘إنه يسدد تسديدات ماهرة للغاية’’، كما يقول لويس مارتينيز. وفي مقابل هذا المنفذ إلى البحر، بالإضافة إلى الفوائد التجارية المحتملة، فإنه يرسخ الشرعية الفعلية للطابع المغربي للصحراء الغربية، وهي المنطقة المتنازع عليها بين الجزائر وانفصاليي جبهة البوليساريو.
أما الجانب الجزائري، فمن الطبيعي أن يتجه نحو موريتانيا التي ما تزال مستاءة من اعتراف المغرب بها متأخراً (1969)، والتي تتأرجح العلاقات معها، وتسعى إلى الحفاظ على علاقة متوازنة بين جارتيه الشماليتين. أما مالي والنيجر وبوركينا فاسو، من جانبها، فتنظر أخيرا إلى هذا الوصول إلى ساحل المحيط الأطلسي عبر الصحراء الغربية بشكل إيجابي للغاية كبديل للمنفذ الذي يمر عبر خليج غينيا والذي تقوضه القرصنة، وغير مستقر سياسيا.
بالنسبة لدول الساحل الأربع، التي يتراوح ناتجها المحلي الإجمالي بين 9.2 و18.4 مليار يورو، فإن هذا يعني تعزيز التجارة مع المغرب الذي وصل إلى 120 مليار يورو في عام 2022… لكنهم لن يتراجعوا عن 175 مليار يورو، التي تزنها الجزائر، كما يتوقع لويس مارتينيز. وأضاف: ‘‘هذه الدول العالقة داخل القارة ستكون براغماتية للغاية، وستفتح كل القنوات الممكنة، حتى لا تضطر إلى اختيار الجانب الذي ستعتمد عليه كليا’’.
فمالي ليس لديها مصلحة في المزيد من التدهور في علاقتها مع الجزائر التي تشترك معها في حدود بطول 1400 كيلومتر. وكان استدعاء السفراء بين البلدين مؤخرا، ولكن بشكل عرضي، بشأن إدارة الصراع مع الانفصاليين الطوارق، بمثابة تذكير بأهمية الحفاظ على الروابط، تتابع ‘‘لاكروا’’.
والنيجر، الواقعة على طريق المبادرة الجزائرية لـ”الطريق العابر للصحراء” الذي يربط البحر الأبيض المتوسط بخليج غينيا في نيجيريا، لن تتخلى عن هذا الشريان الذي ظل قيد الإنشاء منذ عقود، في حين أن كل ما هو مفقود حاليا هو بضعة أقسام.
بين المغرب والجزائر، اللعبة لم تنته بعد، يقول لويس مارتينيز، موضحا أن البلدين لا يترددان في التعامل بقسوة مع الأوروبيين، معتبراً أن ‘‘الأوروبيين هم الخاسرون الأكبر في الأساس، وربما فقدوا مصداقيتهم دون بذل أي جهد لإعادة التواصل”.