“لن نستحق احترام الشهداء، ولن نستحق احترام شعبنا، إذا لم يكن شعارنا العين بالعين والسن بالسن والرأس بالرأس”. كانت تلك الكلمات صرخة مدوية أطلقها المناضل الفلسطيني أحمد سعدات الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بعد اغتيال رفيق دربه وسلفه في قيادة الجبهة الشهيد المناضل أبو علي مصطفى والذي كانت الثورة بالنسبة له نقيضا طاردا للمساومات. ومن هنا كان موقفه الراسخ من أوسلو فكان يردد على الدوام “عدنا للوطن على الثوابت لنقاوم لا لنساوم”. ثم استجاب للنداء رفاق الجبهة وتمت تصفية وزير السياحة الإسرائيلي المتطرف، رخبعام زئيفي. وخشيت إسرائيل من تفشي هذا المنحى بين الفصائل الفلسطينية، لذلك ركزت، بملاحقاتها للمنتفضين، على الذين يتبنون نهج التعاطي الندي مع الاحتلال، وأجهزته القمعية، وعلى إثر ذلك تم اعتقال أحمد سعدات، وحكم عليه بالسجن 30 سنة.
الردع في صميم العمل المقاوم:
كل أشكال النضال السياسية والاقتصادية والفكرية والاجتماعية، الناعمة والخشنة، مشروعة ضد قوى الاحتلال وإدارته وهيئة أركانه. إنها حرب عادلة من جانب المقاومين يتجلى فيها العنف الثوري ضد العسف الكولونيالي، وهو ردة فعل الضحية على جلادها، على فعل الاحتلال والاغتيال وحرب الإبادة، والفعل المقاوم وليس غيره، هو دفاعا صرفا عن النفس، لا لبس فيه، وليس كما يدلس الصهاينة المستعمرون، فدم المحتلين مهدور، حتى يجنحوا للسلم، وينهوا احتلالهم.
وحتما هناك أسبقيات في التصويب والتعقب والمقاتلة، لجيش المحتل وأجهزته الضاربة، الأسبقية في الاستهداف، وهكذا بالنسبة لكبار قادته ومن يتخادمون معهم، ثم تأتي أدوار البقية، من ممولين، ومقاولين، وقائمين على المرافق التي تغذي الاحتلال، لا حصانة لمحتل غاصب، في القانون الدولي، لأن فعل الاحتلال هو علة النزاع وهو بحد ذاته فعل مخالف للقانون، أما الشعب الرازح تحت الاحتلال فهو محصن بشرعية رد العدوان.
الاحتلال الاستيطاني الإسرائيلي، فعل إرهابي منظم وسافر، ومقاومته وبكل الأشكال حق وواجب، أما محاولات المحتلين بوصم المقاومة بالإرهاب فهي مغالطة مستهلكة، الغرض منها خلط الأوراق وقلب الحقائق، وإسقاط ماهيته على الطرف المقابل، وقد سبقهم اليه كل المستعمرين الذين حاولوا شيطنة مقاوميهم. الإرهاب متأصل في الروح الصهيونية، منذ ما قبل قيام الكيان الصهيوني، منذ أيام المنظمات الإجرامية، الهاغانا والارغون وشتيرن، التي أصبحت فيما بعد نواة للقوات المسلحة الإسرائيلية. ويشهد التاريخ على أول عملية إرهابية بحق ممثلي الأمم المتحدة ارتكبتها العصابات الصهيونية، عندما اغتالت الكونت فولك برنادوت المبعوث الاممي لحل النزاع الفلسطيني اليهودي، وهي تواصل ذات النهج الإرهابي وعلى مدى 75 عاما، وكان آخرها اغتيال القائد صالح العاروري ونخبة من مجاهدي حماس في بيروت!
فن زراعة الشك في عقول ونفوس المحتلين:
للحرب النفسية فعل السحر على الميدان، وكثيرا ما ترتبط بالتخطيط الخلاق لعمليات المقاومة ومعاركها، وكذلك تكامل أشكال نضالها المتعددة، ووحدة خطابها السياسي والإعلامي المقاوم.
لقد نجحت المقاومة الفلسطينية في إرباك الأجهزة الأمنية والاستخبارية الإسرائيلية، وفي مقدمتها، الشاباك والموساد، ناهيك من الصفعة المؤلمة للجيش والشرطة وحرس الحدود في ملحمة 7 أكتوبر/تشرين الأول، حيث شكل “طوفان الأقصى” فضيحة متكاملة الأركان، لكل طاقم قيادة الكيان وأدواته. كانت صدمة للمجتمع المدني، جعلته يشكك بكل مسلماته، مما وسع من الشروخ المجتمعية سياسيا وفكريا، وهو ما يجعلها قابلة للتأثر العميق بالحرب النفسية، التي من الواضح أن المقاومة قادرة على الاستثمار بها، وكان التعاطي المتقن لموضوع أسرى العدو في كل خطواته متفوقا ومفندا لكل تخرصات ماكنة الدعاية الصهيونية معززا بشهادات حية من قبل المفرج عنهم، وكانت الصور الحية أصدق أنباءً من الدعاية الصهيونية الكاذبة، وهذا ما عزز ميول التشكيك بكل الرواية الصهيونية وبأثر رجعي لما حصل فعليا في صباح السابع من اكتوبر، حيث لا رؤوس قطعت ولا بطون حوامل بقرت ولا نساء اغتصبت، إنها سلسلة ملفقة من الأكاذيب التي أريد بها، تشويه وشيطنة الفعل المقاوم واستعطاف الرأي العام ليغمض عينية عن الإجرام الصهيوني المبيت والذي سيعقب طغيان الإشاعة المفبركة والتي رددتها كل الأبواق الغربية!
إن القضايا العادلة إنسانية بالضرورة وصدقيتها تعزز وضوحها وهي موضوعيا أخلاقية ولا تلجأ للأساليب الرخيصة، ولا للكذب والتزوير والابتزاز .
لتفوق المقاومة، على بساطة أدواتها الدعائية في معركة الإعلام الحي، دور لا يستهان به، حيث أذاق الإعلام المقاوم، الدعاية الصهيونية مرارة الفشل، رغم كل الموارد المهولة، والأدوات المتطورة، ورغم تجنيد أضخم الوكالات الغربية لصالح سرديتها.
الصور الحية التي ينقلها الأفراد الى الجهات الأربع، وبوسائل التواصل المتاحة للجميع، كانت هي عين الكاميرا الحية التي يصعب على الرقيب منعها، على الرغم من محاولات الصهاينة محاصرتها باستخدام نفوذهم، حيث القطع شبه الدائم للانترنيت، ومنعهم للتغطية الصحافية الغربية من داخل غزة، وتعمدهم استهداف المراسلين والصحافيين المحليين، بغرض التعتيم على جرائمهم، فالحقيقة تفرض نفسها ولو بعد حين.
المنظمات الدولية العاملة داخل غزة قالت قولتها، لا مكان آمنا جراء القصف العشوائي، وإن غزة قد أصبحت مقبرة للمدنيين، والمجاعة تنتشر فيها، وهناك تعمد في استهداف البنى التحتية، ثم يأتي دور التغطية المستمرة للفضائيات العربية التي كان لها رصيد لا يستهان به في معركة كشف الحقائق .
لقناة “الجزيرة” دور محوري في تغطية ما يجري لحظة بلحظة منذ انطلاق “طوفان الأقصى” والتغطية مستمرة، وليس هناك ما يعوض عن خدمتها النبيلة ورسالتها المهنية المحترفة التي وإن انحازت للمقاومة فهذا الانحياز هو مستحق وهو تعامل موضوعي مع الحدث وخطورته لأنه حريص على عرض وجهات نظر طرفي الصراع فيما يجري. الفديوهات التي تبثها المقاومة والتحليلات اليومية للتطورات الجارية، والنقل المباشر ومن مكان الحدث كلها تبعث على المصداقية والمهنية الخلاقة.
أحياء أو أموات مطلوبون للعدالة:
يقول عميحاي إلياهو وزير التراث الإسرائيلي عن حزب “القوة اليهودية” إنه “على إسرائيل إيجاد طرق أكثر إيلاما من الموت للفلسطينيين”، أي إنه لايكتفي بموتهم بل ربما يريد حرقهم وهم أحياء أو أموات، أو يريد أن يقطع نسلهم، كيف لا وهو الداعي لضرب غزة بقنبلة نووية، كما فعلت أمريكا باليابان، في كل الحالات هو يريد وسيلة أعمق من وسائل هتلر للإبادة .
إذا تمعنا في تصريح آخر له، متعلق بالزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا حين قال “إنه عدالة ربانية لتطهير العالم وجعله أفضل” فإننا سنجده متحاملا كارها لكل من هم حوله من البشر، وربما كارها لليهود الذين لا يشاركونه معتقداته المريضة. إن وجود أمثاله يشكل خطرا على الأمن البشري، ويجب عزله ومحاسبته لنشره أفكارا سامة معادية للإنسانية !
نموذج آخر هو إيتمار بن غفير وزير الأمن القومي ورئيس “حزب القوة اليهودية”، الذي يوزع الأسلحة الرشاشة على المستوطنين في الضفة الغربية استعدادا للهجوم الاستيطاني الكبير على الفلسطينيين لطردهم ومصادرة أراضيهم بقوة السلاح. في تصريح له طالب بإدخال شيء وحيد الى غزة ليتم إطلاق سراح الرهائن، هو مئات الأطنان من المتفجرات بواسطة سلاح الجو الإسرائيلي.
كما طالب بتهجير أهالي غزة ورجوع المستوطنين اليها. إنه مطلوب للعدالة كونه معاديا للإنسانية !
بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية، وزعيم قائمة “الصهيونية الدينية” البرلمانية، يميني متطرف واستيطاني متمرس، يطالب بخنق الفلسطينيين اقتصاديا وإجبارهم على الهجرة، وهو شريك عقائدي في تجويع وعرقلة وصول المساعدات لسكان غزة، هو الآخر مصاب بذات الداء الذي لا دواء له غير الإدانة والعزل والإقصاء!
لو كان هؤلاء وزراء عرب، ويقولون ويفعلون مثلما قالوا وفعلوا ضد اليهود، كيف سيكون حالهم، وكيف سيتعامل معهم الغرب ؟
ماذا قال العرب لغزاة فلسطين؟ “ليعودوا من حيث جاؤوا، على ذات السفن التي حملتهم عبر البحر” قالها عبد الرحمن عزام باشا، أول أمين عام لجامعة الدول العربية عام 1948، هو لم يدعو لرميهم في البحر، ولا أغراقهم فيه، وإنما دعاهم للعودة الى أوطانهم الأصلية، لأن لهذه الأرض شعب يسكنها، وهو لن ينفصل عنها، وإن اقتضى الأمر فهو سيقاتل من أجلها.
لقد حرف الصهاينة معاني كلمات عزام باشا وصوروها للعالم على أنها حكاية قتل معلن لليهود برميهم في البحر، وراحوا ينسبون الكلام المحرف هذا لأي مسؤول أو زعيم عربي يناهض مشروعهم الاستيطاني، فأشاعوا بأن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، هو من قال وسعى لرمي اليهود في البحر، والحقيقة واضحة، إن للصهاينة مسقط رأس آخرغير فلسطين، عليهم الرجوع اليه، وما يسهل العملية ان معظم مواطني إسرائيل هم من مزدوجي الجنسية، وطريق البحر مفتوح، فلما التحوير؟
كاتب عراقي