القاهرة- «القدس العربي»: غابت ثورة يناير/ كانون الثاني 2011 عن الاحتفالات الرسمية، إلا من ذكرها عرضاً بجوار عيد الشرطة الـ72 في قرار الإجازة الرسمية الذي أصدرته الحكومة المصرية، أو في حديث الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي عن الأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد.
وفي الوقت الذي نظمت فيه وزارة الداخلية المصرية احتفالاً بمناسبة عيد الشرطة الـ72، اقتصرت الاحتفالات بالثورة على بعض الندوات التي أعلنت أحزاب معارضة نيتها تنظيمها داخل المقرات، بينها حزب التحالف الشعبي الاشتراكي وحزب المحافظين الليبرالي، أو في منشورات للنشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي.
وتحل الذكرى الثالثة عشرة لثورة يناير/ كانون الثاني 2011، في وقت تصاعدت الأزمة الاقتصادية، وتتهم المعارضة نظام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بتبني سياسات منذ وصوله لسدة الحكم عام 2014، اعتمدت على الاستدانة وتبيني مشروعات لا تمثل أولوية للاقتصاد المصري، مثل بناء العاصمة الإدارية الجديدة وتدشين القطار الكهربائي والتوسع في بناء الجسور وإنشاء الطرق، ما فاقم الديون الخارجية، وأدى إلى انخفاض قيمة العملة المحلية وزيادة نسبة الفقراء في البلاد.
وهي الأزمة التي اعترف بها السيسي، ودعا المصريين إلى تحملها، مؤكداً أن مشكلة شح النقد الأجنبي «الدولار» طالما كانت موجودة في مصر، مرجعاً ذلك إلى أن الدولة تشتري السلع بالعملة الأجنبية، ثم تقدمها للمواطنين بالجنيه.
وتعاني مصر من أزمة كبيرة في نقص المعروض من النقد الأجنبي، فقد واصل سعر الدولار في السوق الموازي الارتفاع مقابل الجنيه اليوم الخميس لنحو 67 جنيهاً مقابل الدولار الواحد، في حين أن سعره في البنوك لا يتجاوز 31 جنيهاً.
وسرد السيسي بعض الأرقام التي قال إنها تقريبي: «نحتاج سلعاً أساسية مثل القمح والذرة بمليار دولار شهرياً، ونحتاج لوقود بمليار دولار شهرياً، ومحطات الكهرباء تعمل بالغاز بمليار دولار شهرياً».
وتناول الانتقادات للمشروعات التي بتتناها، وقال إنه تلقى اقتراحات الكثير من الاقتصاديين بشأن وقف المشروعات الكبرى، مؤكداً أنها قد تمثل وجهات نظر جيدة، لكن هناك فارق كبير بين طرح الفكرة وتنفيذها في ظل أي ظروف تحيط بالدولة، متسائلاً: أين يذهب حوالي 6 ملايين مواطن يعملون في هذه المشروعات.
ثم عاد ودعا إلى ضرورة «الحفاظ على الوطن»، مذكراً بالأزمات التي مرت بها البلاد منذ عام 2011، سواء على مستوى الأمن أو الاقتصاد، وقال: «كل شيء يهون إلا بلادنا».
وانخفضت إيرادات قناة السويس 40 % على أساس سنوي في النصف الأول من يناير/ كانون الثاني بعد الهجمات التي شنها الحوثيون في اليمن على السفن التجارية في البحر الأحمر وتأثيرها على حركة الشحن في الممر البحري. كما أدت الحرب التي اندلعت في غزة في أكتوبر/ تشرين الأول إلى تراجع توقعات السياحة.
وتصاعدت معدلات التضخم بقوة خلال العام الماضي، وبلغت ذروتها في سبتمبر/ أيلول الماضي مع تجاوزها مستوى 40% قبل أن تتراجع بشكل طفيف خلال السنوات التالية، ولم تعلن مصر عن بيانات محدثة عن الفقر منذ 2020 لكن آخر البيانات تشير إلى أن نحو ثلث السكان تحت خط الفقر.
الاختفاء القسري
وتحل ذكرى ثورة يناير، في وقت تتواصل فيه الانتقادات لملف حقوق الإنسان في مصر، وأطلقت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، حملة تدوين، أمس الخميس، لمطالبة السلطات المصرية بالكشف عن مصير الدكتور مصطفى النجار، المختفي منذ 28 سبتمبر/ أيلول 2018.
وأكدت الشبكة المصرية أن استمرار جريمة الإخفاء القسري للعام السادس لأحد أبرز شباب ثورة يناير والبرلماني السابق وطبيب الأسنان مصطفى النجار، هي جريمة متكاملة الأركان شاركت فيها أجهزة الدولة المصرية المختلفة.
وطالبت السلطات المصرية بالكشف عن مصير ومكان النجار، وحملتها المسؤولية الكاملة عن الكشف عن مصير مئات المختفين قسراً لسنوات.
ودعت الشبكة المصرية لكبح جماح الأجهزة الأمنية والعمل على إيقاف كافة أشكال القمع، والتنكيل، وعمليات الاختفاء القسري الممنهجة بحق المواطنين والنشطاء. وفيما يخص الأوضاع في السجون، قالت «لجنة العدالة» الحقوقية إن الحملات الدعائية التي قامت بها السلطات المصرية لتحسين صورة السجون ومقار الاحتجاز أمام أنظار المجتمع الدولي؛ فشلت أمام الوقائع الملموسة على أرض الواقع والانتهاكات الفجة التي يتعرض لها المحتجزون، خاصة السياسيين منهم، داخل مقار الاحتجاز والسجون في مصر.
وأكدت في بيان أن الأوضاع المزرية، والانتهاكات التي يتعرض لها المحتجزون نتيجة لعدم وجود رقابة أو محاسبة داخل السجون والليمانات في مصر، دفعتهم إلى قيامهم بخطوات تصعيدية في محاولات منهم للحصول على الحد الأدنى من حقوقهم الإنسانية الأساسية التي يحرمون منها في مخالفة صريحة وواضحة لكل الأعراف الإنسانية والمواثيق والعهود الدولية الموقعة عليها مصر والملزمة بتنفيذها دون أي تمييز.
وفي رسالة مسربة للمحتجزين سياسياً داخل سجن «بدر 3″، الذي يقع على بعد 70 كيلومتراً إلى الشمال الشرقي من العاصمة القاهرة، أكدوا فيها على نيتهم التصعيد وإعلان إضرابهم الشامل في حالة استمرار منع الزيارات العائلية عنهم والتنكيل بهم من قبل إدارة السجن.
وبين المحتجزون في رسالتهم أن إدارة السجن مصممة على حرمانهم من أبسط حقوقهم في التواصل مع ذويهم؛ سواء من خلال فتح الزيارات المنصوص عليها قانوناً في لائحة السجون المصرية أو حتى عن طريق الرسائل أو المكالمات، حيث تمنع الإدارة دخول أو خروج أي رسائل لاطمئنان المعتقلين على عائلاتهم والعكس.
ولفت المحتجزون إلى منعهم من قبل إدارة السجن من التريض أو التعرض لأشعة الشمس حتى، وسط تهديدات بانتشار الأمراض بسبب التكدس ومنع الخروج من الزنازين.
أما في سجن «الوادي الجديد» أو «سجن الموت» كما يُطلق عليه المحتجزون وأهاليهم نتيجة لقسوة الأوضاع المعيشية بداخله، فرصدت «لجنة العدالة» أنباء عن تفشي الأمراض الجلدية داخل السجن نتيجة لمنع إدارة السجن إدخال أدوات النظافة الشخصية والعامة من الخارج أثناء الزيارات، إضافة إلى عدم كفاية ما يتم صرفه منها للنزلاء، وخاصة مع التكدس الشديد داخل الغرف والعنابر الاثني عشر الموجودة بالسجن، كذلك عدم نظافة مياه الشرب أو الاستحمام ونقائها؛ ما أدى لعدم توافر بيئة صحية مناسبة.
كما أفاد المحتجزون كذلك أن إدارة السجن تتعمد منع العلاج عن الحالات التي تظهر عليها الأعراض الجلدية المعدية، ما أدى إلى انتشارها بين المحتجزين.
وذكر عدد من المحتجزين بالسجن أن السبب وراء عدم سماح إدارة السجن بدخول الأدوية أو أدوات النظافة العامة والشخصية إلى تخوفها من احتمالية استخدامها في عمليات الانتحار التي قد يقدم عليها بعض المحتجزين؛ نتيجة الأوضاع المأساوية التي تصر إدارة السجن على إعاشة المحتجزين لديها فيها.
وقالت «لجنة العدالة» إنه من الواضح غياب الإرادة السياسية في إصلاح أنظمة السجون ومقار الاحتجاز في مصر، ووضع حد للأزمة الحقوقية بالبلاد، فلا إصلاح حقيقياً ملموساً يمكن أن نلاحظه في الملف الحقوقي بشكل عام، وملف السجون ومقار الاحتجاز بشكل خاص.
وزادت: «مجمع سجون بدر، الذي يهدد المحتجزون فيه بالإضراب، وتقدمه السلطات المصرية على أنه أيقونة نجاح في استبدال السجون التقليدية بمراكز إصلاح وتأهيل وفق المعايير الدولية الحقوقية، افتتح بعد فترة وجيزة من إطلاق السلطات الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان في مصر في سبتمبر/ أيلول 2021، ورغم ذلك فالواقع العملي أثبت فشل كل تلك الدعايات، فما نفع تطوير المباني؛ والعقول التي تديرها كما هي بلا تغيير.
وحملت «لجنة العدالة» وزارة الداخلية المصرية ومصلحة السجون المسؤولية عن تردي أوضاع المحتجزين سياسياً داخل مقار الاحتجاز والسجون التي تشرفان عليها، وتطالب بالتزام مصر بالعهود والمواثيق الدولية الموقعة عليها، وأهمها؛ قواعد مانديلا لحماية حقوق الأشخاص المحرومين من حريتهم، والتي اعتمدتها منظمة الأمم المتحدة كقواعد نموذجية دنيا لمعاملة السجناء.
وطالبت إدارتي سجن «بدر 3»، وسجن «الوادي الجديد»، بتطبيق القانون المصري ولوائحه المنفذة بشأن؛ الحق في الاتصال بالعالم الخارجي، والحق في الظروف المعيشية اللائقة إنسانياً، والحق في الرعاية الصحية.
مزيد من التجاوزات
وانتقدت منظمة العفو الدولية ما أسمته بـ»تجاهل الاتحاد الأوروبي لسجل مصر في مجالات حقوق الإنسان»، مضيفة أن ذلك شجع الحكومة على ارتكاب مزيد من التجاوزات، حسب وصفها.
وقالت إيف غيدي، مديرة مكتب المؤسسات الأوروبية وأنشطة كسب التأييد في المنظمة، إنه على الرغم من الالتزامات المعلنة من جانب كل من الاتحاد الأوروبي ومصر بتعزيز حقوق الإنسان كجزء من التعاون بين الطرفين، فقد تجاهل قادة الاتحاد الأوروبي سجل مصر المزري في مجال حقوق الإنسان، مما شجع الحكومة المصرية على مواصلة ارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان من دون خوف من العواقب».
وأضافت: «يتعين على قادة الاتحاد الأوروبي أن يعكسوا مسارهم وأن يشيروا إلى أن التقاعس عن معالجة أزمة حقوق الإنسان في مصر يتناقض مع ركيزة أساسية للتعاون مع الاتحاد الأوروبي. ويجب عليهم البدء بالضغط على السلطات المصرية للإفراج عن الآلاف من الذين طال احتجازهم التعسفي، ووضع حد لقمعها للمجتمع المدني، واحترام الحق في حرية التعبير والتجمع السلمي».
وأكدت أنه في خضم رغبته في تعميق التعاون في مجال ضبط الهجرة مع مصر، يجب على الاتحاد الأوروبي تجنب الأخطاء التي ارتكبها مع تونس وتركيا وليبيا، كما يتعين على الاتحاد الأوروبي إجراء تقييم صارم للمخاطر المتعلقة بحقوق الإنسان قبل توقيع اتفاقيات تعاون بشأن ضبط الهجرة مع مصر. كما عليه ضمان احترام مصر لحقوق اللاجئين والمهاجرين، والحرص على محاسبة أي مسؤول ينتهك هذه الحقوق.