بذلتُ جهودًا للتوصّل لأصل تصريحات رئيس هيئة الاستعلامات المصرية الأخيرة، للوقوف على جنسها، وهل هي تصريحات تلفزيونية له، أم بيان صادر من الهيئة لا بد أن تكون السلطات العليا قد راجعته؟ والهيئة كانت تتبع وزير الإرشاد القومي، فوزير الإعلام، قبل أن تلحق برئاسة الجمهورية، ولعل الرئيس الراحل محمد مرسي هو من أصدر القرار بنقل تبعيتها من الوزارة إلى الرئاسة!
فقد استيقظتُ من نومي لأجد جانبًا من التصريحات منشورًا على صفحة شبكة «رصد» على منصة «اكس» منسوبًا لصاحبه بدون مصدر، فاعتقدتُ أن المصدر هو مقابلة تلفزيونية، وبحثت بحثًا مضنيًا للوصول إلى حقيقة الجثة، لكني فشلت، حتى تخيلتني الآن أحد الباحثين، وهو يعدد في جهوده الجبّارة، وندرة المصادر، حتى قال له رئيس لجنة المناقشة: «نريد أن نرى ثمرة جهدك.. لا أن نشم رائحة عرقك»!
«العربية» ومبارك والمشير
«خبرني» هو موقع جديد على ما أعتقد، نشر الخبر بتوسّع، لكنه لم يذكر أين قيل هذا الكلام، ثم صحف: «العرب» و»الأهرام» و»الوطن» فلا واحدة من هذه الصحف ذكرت أين قال رئيس الهيئة هذا الكلام المدهش. وفي رحلة البحث ظهرت أمامي مقابلة لرئيس الهيئة مع قناة «العربية» لكنها من زمن المغفور له؛ الحوار الوطني (رحم الله موتاكم) وظهرت في الخلفية لافتة واضحة وبارزة للحوار، كما لو كان إعلانًا تجاريًا لمحل حلوَيَات، وليس هذا مهمًا، فالمهم ونحن مع الذكرى الثالثة عشرة لثورة يناير/كانون الثاني، ذكرتنا المقابلة بمن أجرتها؛ وهي السيدة راندا أبو العزم مديرة قناة «العربية» في القاهرة، ونتذكر لها مقابلتها مع مبارك في شرم الشيخ، هذه المقابلة التي أجبرت المجلس الأعلى للقوات المسلحة على اتخاذ القرار بالقبض على مبارك وسجنه!
لم يكن الثوار مرتاحين لوجود مبارك في مكانه، وكان ما يتردّد على ألسنتهم أن الرئيس المخلوع هو من يدير الدولة من شرم الشيخ، وأن المجلس العسكري ما هو إلا واجهة، لا سيما أن كلامًا لأعضاء في المجلس العسكري كان يصل لأسماعهم عن أنهم لن يسمحوا بمحاكمة مبارك، فهو قائدهم، وقد ترقّوا في عهده!
لم تكن محاكمة مبارك مطروحة، ولعل هذا ما دفعهم لمثل هذه «المباهاة» لكن مع المقابلة الشؤْم، والدعوة لمسيرة بالسيارات من القاهرة إلى شرم الشيخ أجبر ذلك المجلس العسكري على القبض عليه، تغير الموقف، وأمام هذا الحرج كان قرار سجنه، وضرب المشير محمد حسين طنطاوي عصفورين بحجر واحد، أولهما إثبات إخلاصه للثورة، والثاني تصفية حسابات داخل نفسه مع أسرة مبارك، فكان القبض على نجليه، وفي وقت لاحق طالت العملية زوجته، لولا تدخل عاصف من أميرة خليجية فأطلق سراحها.
وإذا كان جمال مبارك ينسب إليه المشاركة في إفساد الحياة السياسية، فإن كلًا من علاء، ووالدته، لم يكونا موضوعًا للثورة والثوار، لكنه المشير طنطاوي الذي استقام أكثر مما ينبغي، واستغل الفرصة وانتصر لحظ النفس، وفي تصرف ليس جيدًا، وإذا أجبرته الضرورة على سجن مبارك قائده الأعلى، بسبب مقابلة «راندا أبو العزم» وللضرورة أحكام، فإن الضرورة تقدر بقدرها، ولا يمكن أن تصل بأي حال من الأحوال إلى القبض على سوزان مبارك.
وكل ما فعله مبارك، وكان بينه وبين حرم الرئيس السادات ودٌ مفقود، أنه استغلّ موقف المصريين منها، واكتفى بتجاهلها، وتغييبها عن المشهد، لكنه لم يكن يتدخل إذا حاورتها صحيفة، أو تصدر دار نشر مذكراتها «سيدة من مصر» عن دار «المكتب المصري الحديث» وهي الدار التي تربينا على كتبها، ونشرت مؤلفات كثيرة مهمة، وكانت الناشر لسلسلة الشيخ كشك، ولكتاب السادات «البحث عن الذات» وآخر ما اشتريته منها هو مذكرات «سيد مرعي» سبق ذلك كتابان لجلال الحمامصي، فمذكرات عبد اللطيف البغدادي؛ أحد الضباط الأحرار!
ومناسبة الحديث عن هذه الدار، أنني علمت مؤخرًا بخبر اعتقال صاحبها المهندس ماجد أحمد يحيى، قبل عامين، وهي التي آلت اليه ملكيتها له بوفاة والده أحمد يحيى، الناشر صديق الرؤساء، ولا تسأل عن السبب؟ فلا أسباب منطقية لسجن الآلاف من الناس. وأنا لا أعرف ماجد أحمد يحيى بشكل شخصي، لكني أعرف المكتب المصري الحديث!
شاهد على العصر وجيهان السادات
لا أعرف أين سجل أحمد منصور حواراته مع جيهان السادات، في برنامجه «شاهد على العصر» – ردّ الله غيبته – لكني أعتقد أنه لم يكن سيواجه مشكلة إذا كان التسجيل في مصر، مع هذا الودّ المفقود بين مبارك وجيهان السادات بالذات، لكنها عندما استجارت به، عقب تطاول إحدى الصحف عليها تدخل واتصل غاضبًا مع رئاسة الصحيفة لمرتَين، مع فاصل زمني يسمح بتبديد غضب اللحظة الأولى، وفي الثانية لخّص الأمر في قوله: من يهاجم جيهان اليوم.. غدًا يهاجم سوزان!
لا بأس، فقد قلّبت علينا «راندا أبو العزم» المواجع بطلتها البهية، في رحلة البحث عن المنسوب لرئيس هيئة الاستعلامات، فكانت مقابلة «مخبز وحلواني الحوار الوطني» فلم نعرف أنه أثار ما أثار في مقابلة تلفزيونية أم عبر بيان صادر من الهيئة، وقد جاء ليهش ذبابة من على وجه أهل الحكم، فهشم عظامهم، وجعلهم بين الحياة والموت!
فقد بدا التصريح ردًا على الجانب الإسرائيلي، فيما ادعاه من تهريب الأسلحة إلى غزة عبر الحدود المصرية، ومن الواضح أن الهزيمة والفشل في تحقيق أي انتصار دفعا القوم لنشر الادعاءات يمينًا ويسارًا، ومثل هذه الادعاءات تعالج بتصريحات دبلوماسية ترد دون أن تقول شيئًا، أو أن يتم تجاهلها تمامًا؛ لأنها لن ترتب أثرًا في العلاقات بين البلدين!
بَيدَ أن رئيس الهيئة، ورئيس لجنة الحوار الوطني، والوزير القادم بإذن واحد أحد، كشف عن إنجازات أهل الحكم في هذا المجال، بقوله: «إن بلاده دمرت على مدى العشر سنوات الماضية 1500 نفق، وقامت بتعزيز الحدود بجدار خرساني، على طول الحدود الممتدة، وهي 14 كيلومترًا، وأنهم أنشأُوا منطقة عازلة بطول 5 كيلومترات».
وهو تصريح مثّل مادة دسمة للمعارضة، لتصول وتجول؛ لأنه يمثل دعمًا للادعاء الإسرائيلي أمام محكمة العدل الدولية، بأنهم لا يمنعون وصول المساعدات لأهل غزة؛ لأن مصر من تحاصرهم وسيادتها على معبر رفح كاملة، فجاء الرد نحن لا نحاصر القطاع، لكننا عزّزنا حصاره!
عندما قال ممثل إسرائيل ما قال، فإن من ردّ عليه (مع اختفاء كامل للسلطة) قال: إنهم سيرسلون خطابًا للمحكمة يردون به على هذه المزاعم، لكنهم لم يفعلوا إلى الآن، وكنت قد كتبت منذ هذه الطلعة الجوية الأولى: إنهم لن يفعلوا، وهو ما حدث فعلًا، فقد علمنا منطق القوم!
وبعد أيام من الوعد بالردّ، وفي مقابلة تلفزيونية سُئل رئيس الهيئة عن الرد، فتجاهل الأمر، ولم يقل إنه لا «جواب» ولا «كتاب» لكنه قال: إن جنوب إفريقيا تعرف الحقيقة. وهل الخصومة المحتملة ستكون مع رافع الدعوى أم مع المحكمة، إذا أخذت بالدفع الإسرائيلي بما يمهد لمحاكمة السلطة في مصر مستقبلًا؟!
لم تجد الأبواق الإعلامية في القاهرة ما ترد به على الإمساك في الدفع الإسرائيلي، الذي أبدته أمام المحكمة، إلا أن المعارضة تصدق إسرائيل وتتبنى روايتها، كما لو كانت السلطة في مصر تقف على خط النار في مواجهة تل أبيب، وها هي تصريحات ذات رئيس الهيئة تعزز من الادعاء الإسرائيلي!
كل هذه الإنجازات قدمها القوم لإسرائيل؟ ليكون السؤال: من تحمل كلفتها، البلد التي تعيش على الديون، وقد قدم هذا «عربون محبة» للجانب الإسرائيلي، ألم يكن من اللائق أن يدفعها الجانب المستفيد بحصار غزة وشعبها؟!
يا إلهي! كم كلفة هدم 1500 نفق، والجدار الخرساني بطول الحدود، والمنطقة العازلة مع غزة، وبعد كل هذا لا يعترف نتنياهو بالجميل ويتحرش بالقوم!
إن نتنياهو كالقِطط يأكل ويُنكر!
أرض جو
قال عمرو أديب: إن الوضع الاقتصادي في مصر بالغ السوء، وقالت لميس الحديدي: إن الوضع صعب والأتي أصعب، وقال جابر القرموطي: إن هناك انفراجة اقتصادية قريبًا!
أنا أصدق القرموطي!
صحافي من مصر