مع تصاعد القتال، لا يبدو أفق قريب للتسوية، على الرغم من التحركات المحلية والدولية الواسعة، حيث تتمسك الأطراف العسكرية بمواقفها المتصلبة رغم تأكيدها الدفع نحو التسوية وإيقاف الحرب.
الخرطوم ـ «القدس العربي»: في وقت تتصاعد المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع وتتسع رقعتها في مناطق جديدة وسط وغرب البلاد، تواصلت تحذيرات القوى السياسية من تحولها إلى حرب شاملة تمزق السودان إلى دويلات. وتشهد مدينة بابنوسة غرب كردفان منذ الثلاثاء معارك عنيفة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع التي تحاول التوغل في المدينة بعد سيطرتها على المجلد القريبة منها. كما تتبادل الأطراف المتقاتلة القصف في مدينتي الضعين والفاشر في إقليم دارفور غرب البلاد وتتواصل أعمال العنف ضد المدنيين في ولاية الجزيرة وسنار والعاصمة الخرطوم.
وأدان حزب المؤتمر السوداني توسع العمليات العسكرية في مدن وقرى السودان المختلفة، مستنكرا تمدد قوات الدعم السريع واستمرار عمليات قصف الطيران الحربي.
ودعا أطراف النزاع في السودان إلى تحكيم صوت العقل والالتزام بتعهداتهم بحماية المدنيين والتوقف عن التصعيد العسكري، والوصول لاتفاق وقف للعدائيات يمهد الطريق نحو عملية سياسية شاملة لا تستثني أحداً إلا حزب المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية ووجهاتهم. وأكد على ضرورة أن تفضي العملية السياسية إلى التوصل لحل دائم لمسببات الحرب واستئناف مسار التحول المدني الديمقراطي في البلاد تحت قيادة سلطة مدنية خالصة.
ورأى أن أولويات السلطة المدنية تتمثل في التأسيس الجديد للدولة السودانية ومعالجة الاختلالات الهيكلية والمظالم التاريخية المصاحبة لنشأتها وتكوينها.
ودعا كل القوى المدنية الديمقراطية لتعزيزِ جهود الوحدة والتسامي عن الصغائر لافتا إلى تصاعد تعقيدات المشهد الإنساني والعسكري في البلاد.
وحذر من أن إطالة أمد الحربِ يفاقم من مخاطر تمزيقِ وحدة البلاد، بينما يدفع فاتورتها الحقيقية الأبرياء العزل من داخل السودان وخارجه، مشددا على «أن لا حل يخرج البلاد من ورطتها التي أُدخلت فيها إلا عبر العملية السلمية التفاوضية التي ينبغي أن تكونَ القوى المدنية الديمقراطية حجرَ زاوية فيها». ولفت إلى الكلفة الباهظة لاستمرار المعارك في البلاد، مشيرا إلى أن حرب الخامس عشر من نيسان/أبريل الماضي، تدخل شهرها العاشر مخلفةً آلافَ القتلى من المدنيين العزل فضلا عن تهجير أكثر من سبعة ملايين ما يمثلُ أعلى معدلات زيادة في حركةِ النزوح داخلياً على مستوى العالم بالإضافة إلى ما يفوق المليون ونصف لاجئ في دولِ الإقليم والجوار، ومعاناة نصف الشعبِ السودانيِ من نقص حاد في الغذاء والحاجة للمعوناتِ الإنسانية العاجلة وفقا لتقارير الأمم المتحدة.
وقال: «إن طرفيّ الصراعِ العبثي المسلح ما زالا مستمرين في توسيع حجمه ونطاقه، فقد اندلعت اشتباكات عنيفة في بابنوسة في ولاية غرب كردفان بعد شنِ قوات الدعم السريع هجوماً عليها وعلى مناطق أخرى في ولايات سنار وجنوب كردفان» مضيفا: «أنَ طيران القوات المسلحة قام بقصفِ مدينة الضعين عاصمة ولاية شرق دارفور بالبراميل المتفجرة وفي مدينة بابنوسة، وتواصلت عمليات قصفه المتكرر للأعيانِ المدنية في ود مدني ومناطق أخرى من ولاية الجزيرةِ. وأنه في ذات الوقت ما زالت عمليات السلب والنهب مستمرة في مناطق سيطرة الدعم السريع، وتواصلت حملات الاعتداء على المدنيينَ الأبرياء في مناطق سيطرة القوات المسلحة».
وأشار حزب المؤتمر السودانيِ في رؤيته السياسية التي أعلنها منتصف حزيران/يونيو الماضي بعنوان «حرب 15 نيسان/أبريل الأسباب والسيناريوهات وآفاق الحل» إلى أنَ تمدد الحرب يعني تحولها لحربٍ شاملة، داعيا الأطراف المتقاتلة إلى وقف العدائيات وحماية المدنيين.
وفي بيان مشترك أكد حزب الأمة القومي والحزب الشيوعي السوداني وحزب البعث العربي الاشتراكي على ضرورة العمل من أجل الوقف الفوري للحرب الدائرة في السودان وحماية وحدة السودان وسلامة أراضيه واستقلاله.
وأدان الانتهاكات والجرائم ضد المدنيين من قبل قوات الدعم السريع والقصف العشوائي المدفعي والجوي من قبل الجيش السوداني والاعتقالات المتكررة للمواطنين والناشطين السياسيين ولجان المقاومة من قبل طرفي الحرب.
وشددت قوى الحرية والتغيير على تمسكها بموقفها المنادي بإنهاء الحرب وتحقيق السلام وتأسيس انتقال مدني ديمقراطي مستدام والوصول لاتفاق دائم ونهائي لوقف إطلاق النار ووضع أسس تأسيس المؤسسات العسكرية على أسس قومية ومهنية واحترافية خاضعة للسلطة المدنية الدستورية ملتزمة بواجباتها وتمتنع عن ممارسة السياسة أو المشاركة فيها، وذلك عبر عملية سياسية تحقق تطلعات الشعب السوداني المشروعة في دولة الحرية والسلام والعدالة.
وأكدت على ضرورة التأسيس لدولة مدنية ديمقراطية يتم من خلالها معالجة تجاوزات الحرب بإقرار تدابير العدالة الانتقالية وجبر الضرر والتعويضات وإعادة إعمار البلاد.
وفي ظل التحديات التي تواجه المبادرات الخارجية، تمضي تحركات القوى المدنية السودانية من أجل الدفع نحو إنهاء الحرب التي دخلت شهرها العاشر، مسفرة عن أوضاع إنسانية بالغة التعقيد وتدمير واسع للبنية التحتية في البلاد.
وكانت تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية «تقدم» قد أعلنت عن تلقيها موافقة رسمية من القائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان لعقد اجتماع مع وفد من التنسيقية التي يترأسها رئيس الوزراء السوداني السابق عبد الله حمدوك.
وفي كانون الأول/ديسمبر الماضي بعث حمدوك رسالتين خطيتين إلى البرهان وحميدتي طلب منهما عقد لقاء عاجل بغرض التشاور حول سبل وقف الحرب عبر المسار السلمي التفاوضي.
وفي مطلع كانون الثاني/يناير الجاري، عقدت التنسيقية اجتماعا مع زعيم قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو «حميدتي» في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا أعلن خلاله الإلتزام بالانخراط في مباحثات مباشرة مع قيادة الجيش لوقف العدائيات.
بالمقابل أعلن البرهان خلال مخاطبته لحشد عسكري في حامية جبيت العسكرية شرق السودان، أنه لا صلح ولا اتفاق مع الدعم السريع.
وشدد على رفضهم الاتفاق بين «تقدم» وزعيم قوات الدعم السريع، محذرا القوى السياسية ودول الإقليم من التعامل مع «حميدتي» الذي اعتبره خارجا ومتمردا على الدولة ارتكبت قواته جرائم حرب وخربت البلاد.
ودعا القوى السياسية إلى العودة إلى البلاد، مؤكدا ترحيبه بعقد اجتماعات مع أي جهة تسعى من أجل الاستقرار في البلاد.
وتشهد البلاد عمليات واسعة للتحشيد القبلي والعسكري وتجنيد للمدنيين في وقت تتخوف القوى المناهضة للحرب من أن يقود ذلك إلى حرب أهلية مدمرة.
ومع تصاعد القتال، لا يبدو أفق قريب للتسوية، على الرغم من التحركات المحلية والدولية الواسعة، حيث تتمسك الأطراف العسكرية بمواقفها المتصلبة على الرغم من تأكيدها المتواصل على الدفع نحو التسوية وإيقاف الحرب.