البشير: استبداد الـ«هوت دوغ»!

حجم الخط
3

 

إذا كان بشار الأسد قد اختار اثنين من الإمعات، لمنافسته في مهزلة «الانتخابات» الرئاسية الأخيرة، فإنّ عمر البشير لم يقبل بأقلّ من 14 مرشحاً منافساً، لإقناع السودانيين بأنه رئيسهم المحبوب والملهم والمفدى؛ و»المنتخَب» أيضاً، بالطبع. كأنه، بذلك، يذرّ الرماد في الأعين، فلا تستعيد مشاهد تظاهرات خريف العام 2013 (حين تناقلت الحناجر هتاف: «الشعب يريد إسقاط النظام»)؛ بقدر ما تبقى أسيرة مسرحيات ربيع العام 2011، حين صدر القرار الأممي 1593، الذي يطالب باعتقال البشير وإحالته إلى المحكمة الجنائية الدولية، بتهمة ارتكاب جرائم حرب في إقليم دارفور، فطولب السودانيون بترداد هتاف أوحد: الشعب يريد إسقاط الأمم المتحدة!
والحال أنّ الحراك الشعبي، خريف 2011، لم يكن الفصل الأحدث في سلسلة الانتفاضات الشعبية العربية، فحسب؛ بل كان تتمة أحداث شهر تموز (يوليو) 2012، حين رفعت السلطة أسعار المحروقات، فتواصلت موجات الاحتجاج طيلة أسابيع، ودشنت طرازاً جديداً من الاختمار الشعبي المعارض: يستلهم حاضر انتفاضات العرب، ويقتدي بقسط وافر من منطق اندلاعها؛ لكنه، أيضاً، يستعيد روح انتفاضات الشعب السوداني في الماضي، القريب أو البعيد، وعقب انقلاب 1989 بصفة عامة. الفارق، هذه المرّة، أنّ الاحتجاجات كانت قد بدأت من بلدة ود مدني، وسط السودان، اعتراضاً على رفع الدعم عن المحروقات؛ لكنها انتقلت إلى مدينة أم درمان، حيث جرى على الألسن شعار إسقاط النظام. ولقد اقتدى البشير بزميله في الاستبداد، وابن أخيه، طاغية سوريا؛ فتحدّث عن «المندسين» و»الإرهابيين»، ثم منّن الشعب ـ على غرار ما فعل الأخير مع السوريين، في حكايتَي الزيتون والـ»سوشي» الشهيرتين ـ بأنّ حكومته هي التي عرّفت الزول السوداني على… الـ»هوت دوغ»!
غير أنّ هذا الزول نفسه، وقبل خضوعه لأي نمط من معجزات «الاستقرار» التي يمكن أن تنجزها شطيرة الـ»هوت دوغ»، ينتمي أوّلاً إلى بلد تصحّ فيه صفة الدولة ـ الأمّة؛ حتى بعد انفصاله، نتيجة استفتاء شعبي، في تموز (يوليو) 2011، إلى دولتَي شمال وجنوب: سكّانه (أكثر من 39 مليون نسمة، بينهم نحو ثمانية ملايين من أهل الجنوب)، يتكلمون أكثر من مئة لغة، ويتوزعون في عشرات المجموعات الإثنية، وينشطرون وفقاً لخطوط ولاء قبلية وجغرافية ليس أقلها انقسام الشمال بثقافته العربية، والجنوب بثقافته الأفريقية أو الوثنية.
لكن تاريخ الاستبداد، «الوطني» المحلي، في السودان كان قد بدأ بعد سنتين فقط من استقلال البلد عن التاج البريطاني، عام 1956؛ إذْ قاد الفريق إبراهيم عبود الإنقلاب العسكري الأوّل، في تشرين الثاني (نوفمبر) 1958، وسارع إلى تعطيل الدستور وحلّ البرلمان وحظر نشاط الأحزاب السياسية، بمباركة من زعماء الطريقتين، عبد الرحمن المهدي عن «الأنصار»، وعلي الميرغني عن «الختمية». ولن يطول الزمن حتى يقود العقيد جعفر النميري الانقلاب العسكري الثاني، في سنة 1969، بعد الإجهاز على انتفاضة 1964 التي أنهت دكتاتورية عبود.
وإذا كان المشير محمد سوار الذهب قد انحاز إلى الشعب، فسلّم السلطة إلى حكومة مدنية بعد الإطاحة بنظام النميري؛ فإنّ ظهور النفط في السودن أسال لعاب القوى العظمى، وكان أحد كان المحرّكات الكبرى وراء انقلاب 1989 الذي وضع البشير في سدّة الحكم. إنه اليوم، بعد مهزلة «انتخابات» رئاسية وبرلمانية جديدة، يواصل التلويح بعصا المارشالية، على رأس تحالفات شتى، تقلبت وتبدلت دون أن تمسّ جوهر الاستبداد؛ ذاته، الذي يدشّن «الرئيس المنتخب» ولاية أخرى في عمره المديد، الحافل بجرائم الحرب والطغيان وقمع الحريات وكمّ الأفواه؛ ليس دون الـ»هوت دوغ»، غنيّ عن القول!

صبحي حديدي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    البشير نعم دكتاتور
    ولكن لا يمكن مقارنته بالأسد بأي حال من الأحوال
    فما فعله الأسد من تدمير الحياة والعمران شيئ رهيب وقد لا يتكرر

    ها هي حمص قد استرجعها النظام ولكنها مدمرة بالكامل بفضل براميله
    وهل نسينا : الأسد أو نحرق البلد

    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول سامح // الامارات:

    * معروف عن ( الشعب السوداني ) البساطة والصبر والقناعة بالقليل .
    * لهذا يفضل بقاء ( البشير ) مع الهدوء و ( الإستقرار ) أفضل من
    الثورة وأخذ البلد ( للمجهول ) ؟؟؟
    * بمعنى آخر : حال الشعب السوداني الذي لا يحب ( المغامرات )
    يقول ( خليك على شيطانك .. أحسن ما يجيك أشيطن ) .
    * شكرا

  3. يقول د. إبراهيم زلومة العبرطي- السودان-:

    موتوا بغيضكم ….
    ظهرت نتائج أولية غير رسمية، في مراكز انتخابية بأنحاء متفرقة من السودان، اكتساح فيها الرئيس عمر البشير منافسيه على مقعد الرئاسة بنسب تقارب أو تزيد عن 90 % في بعض المراكز.

    وذكرت وكالة الأناضول التركية أنه بحسب 10 مراكز أطلع على نتيجتها في الخرطوم، أظهر البشير تقدما على بقية منافسيه، كما سجل مرشحو حزبه (المؤتمر الوطني الحاكم) على مقاعد البرلمان، تقدما على منافسيهم من كل الأحزاب السودانية.

إشترك في قائمتنا البريدية