أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية ما يُعرف بدبلوماسية «العلاقات العامة» منذ عقود لـ«كسب معركة عقول وقلوب الرأي العام الشعبي العالمي». لكن تناقض سياسات ومواقف وتدخلات واصطفافات الإدارات الأمريكية المتعاقبة أدت إلى عدم كسب عقول وقلوب العرب والمسلمين نظرا لسياساتها الداعمة للأنظمة المستبدة في الشرق الأوسط والشرق الأقصى وافريقيا وأمريكا اللاتينية، وخاصة دعم وتمويل عدوان إسرائيل وحروبها على دول عربية وإسلامية خاصة في العقدين الماضيين: أفغانستان والعراق واستمرار عدوانها على سوريا والعراق واليمن؟
حسب الإحصائيات قتلت أمريكا عشرات آلاف العرب ـوالمسلمين في 7 دول مسلمة منذ انتقام أمريكا والرد على تنظيم القاعدة الذي أدى إلى مقتل 3000 شخص منذ اعتداء 11 سبتمبر/أيلول2001 في نيويورك ومبنى وزارة الدفاع ـ البنتاغون خارج واشنطن. ما شوه الإسلام وعزز الإسلاموفوبيا!
وكان صادماً ومقززاً قرار الرئيس ترامب غير المسبوق في عنصريته في أول أيام رئاسته ـ 20 يناير 2017 ـ حظر دخول مواطنين من 7 دول عربية ومسلمة مما أثار غضب عارم في أمريكا والعالم! قام الرئيس ترامب بإلغاء حظر دخول المسلمين من تلك الدول السبع في أول قرار اتخذه كرئيس في البيت الأبيض في 20 يناير/كانون الثاني 2021. ليعود ويعلن الرئيس ترامب بتحد واستفزاز وقح أنه في حال فوزه سيكرر حظر دخول المسلمين والعرب من تلك الدول إلى الولايات المتحدة وكذلك حظر دخول اللاجئين من غزة!!
تجب الإشارة إلى أن تكرار الأمريكيين أن قضايا السياسة الخارجية لا يتابعونها ولا يكترثون لها، ثم يتساءلون ببلاهة: «لماذا يكرهنا الآخرون والعرب والمسلمون».
تلعب «العلاقة الخاصة» مع إسرائيل ـ التي تتبارى الإدارات الأمريكية والكونغرس على دعم وتأييد إسرائيل وتوفير الغطاء السياسي والعسكري والجسر الجوي كما فعل نيكسون بدعم إسرائيل في حرب أكتوبر 1973 ضد مصر وسوريا، وهو ما يكرره بايدن منذ عدوان إسرائيل وحرب الإبادة على غزة لأشهر. وصل لاستخدام الفيتو لمنع وقف الحرب حتى هزيمة حماس وإطلاق سراح الرهائن وتحييد غزة ومنعها من البقاء منصة تهدد أمن إسرائيل، وهي الأهداف التي وضعها ويكررها نتنياهو وعتاة اليمين المتطرف في حكومته الأكثر تطرفاً بتاريخ الصراع العربي ـ الإسرائيلي.
لا شك أن إسرائيل والولايات المتحدة ومعهما بريطانيا وألمانيا وفرنسا وغيرها من الدول التي طالما حاضرت على البشرية والإنسانية عن أهمية احترام حقوق الإنسان والقانون الدولي، فإذا بإسرائيل تفضح نفاقهم بخرق القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي وتقتل وتعربد وتبيد وترتكب جرائم حرب وإبادة موثقة وعلناً، كما أوضحت مرافعة فريق جنوب افريقيا القانوني الشهر الماضي في محكمة العدل الدولية في لاهاي.
الاستياء من سياسة الولايات المتحدة يعود لدعمها بلا سقف لعدوان وحرب إبادة إسرائيل على غزة وجرائمها ضد المسجد الأقصى وإطلاق العنان لقطعان المستوطنين للاعتداء على الفلسطينيين في الضفة الغربية
لطالما وقفت الولايات المتحدة الأمريكية مع إسرائيل منذ عام 1948 وسارعت لتكون أول دولة في العالم تعترف بها عام 1948 في عهد الرئيس ترومان ـ وتكريس «العلاقة الخاصة بين الولايات المتحدة وإسرائيل» ـ لتصبح إسرائيل أكثر دولة تتلقى مساعدات مالية وعسكرية منذ عام 1949، بلغت مئات مليارات الدولارات منذ اتفاقية كامب ديفيد عام 1979 بمتوسط 3.8 مليار دولار سنوياً. ومنذ انطلاق عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر خصص الرئيس بايدن 14.3 مليار دولار لدعم إسرائيل في حربها على غزة، لا تزال عالقة ضمن مخصصات أكثر من 90 مليار دولار منها 60 مليار دولار لأوكرانيا بسبب معارضة الجمهوريين في مجلس النواب لربط المخصصات بميزانية 20 مليارا لحماية أمن الحدود الجنوبية مع المكسيك.
لم يكن مستغرباً نتيجة استطلاع للرأي للمركز العربي لدراسة السياسات في قطر، شمل استطلاع الرأي عينة حجمها 8 آلاف مشارك في 16 دولة عربية وأجري من 12 ديسمبر/ كانون الأول2023 إلى 2 يناير/كانون الثاني.
يرى ثلثا المستطلعة آراؤهم في 16 دولة عربية عملية طوفان الأقصى مقاومة مشروعة ويرى 92٪ أن القضية الفلسطينية قضية جميع العرب. تنسف تلك النسبة القياسية وغير المسبوقة ـ السردية التي يروج لها على وسائط التواصل الاجتماعي بوسم منذ سنوات: فلسطين ـ ليست ـ قضيتي!! لتصبح قضية العرب جميعاً! كما ترى الأغلبية أن عملية طوفان الأقصى لم تنفذ لأجندة خارجية و89٪ يرفضون اعتراف حكوماتهم بإسرائيل والتطبيع! ويظهر استطلاع الرأي 94 ٪أن موقف الولايات المتحدة الداعم لعدوان إسرائيل «سيئ» و«سيئ جدا» في انهيار كلي لمكانة الولايات المتحدة.
كما تظهر استطلاعات الرأي تراجع شعبية ورضا الناخبين العرب والمسلمين الأمريكيين من الرئيس بايدن بسبب الدعم بلا سقف لعدوان إسرائيل على غزة بدعم وتسليح وغطاء إدارته. في حين صوت لبايدن 59٪ من العرب الأمريكيين في انتخابات عام 2020 ضد ترامب.
وتراجع من أعلنوا أنهم سيصوتون لبايدن إلى 17٪ في الانتخابات القادمة. ورفضت قيادات العرب والمسلمين الالتقاء مع مستشاري بايدن! هذا الاستياء من سياسة الولايات المتحدة يعود لدعمها بلا سقف لعدوان وحرب إبادة إسرائيل على غزة وجرائمها ضد المسجد الأقصى وإطلاق العنان لقطعان المستوطنين للاعتداء على الفلسطينيين في الضفة الغربية! وفرض إدارة بايدن وبريطانيا وفرنسا عقوبات ومنع دخول قيادات من المستوطنين لارتكابهم اعتداءات على الفلسطينيين لا يعالج جذور ولب الأزمة!
«هل يكفي تلويح بايدن بحل الدولتين وانتقاد حرب إسرائيل» ـ ليس كافياً ومقنعاً لتحسين صورة انهيار مكانة الولايات المتحدة وارتفاع حجم الغضب والاستياء من موقف إدارة بايدن ومنه شخصياً في الرأي العام العربي والإسلامي معاً. إن سراب ووهم حل الدولتين الذي عاد بايدن وقيادات حزبه وآخرهم نائبته كاميلا هارس في مؤتمر ميونيخ للأمن قبل أيام إلى طرحه لن يتحقق. لهذا ستستمر أمريكا بخسارة معركة العقول والقلوب عربياً وإسلامياً ولدى الشعوب الحرة والرافضة للظلم والاحتلال وازدواج المعايير والنفاق!
استاذ في قسم العلوم السياسية ـ جامعة الكويت