دمشق – «القدس العربي» : شهدت العاصمة الأردنية عمان، السبت، اجتماعاً ضم وزراء داخلية الأردن وسوريا والعراق ولبنان ومدراء الأمن والأمن الداخلي للدول المشاركة بالإضافة إلى سفرائهم، ناقش فيه المسؤولون ملف مكافحة المخدرات وتعزيز آلية التنسيق بين الأطراف التي خلصت إلى إعادة تشكيل خلية أمنية مشتركة، لتبادل المعلومات وملاحقة الشحنات الخارجة من وإلى الدول المعنية، بينما أبدى خبراء وناشطون لـ”القدس العربي” ارتيابهم من جدوى هذا الاجتماع أو إمكانية تعاون النظام السوري مع الملف معتبرين أن ماهر الأسد شقيق رئيس النظام السوري وكبار مسؤولي النظام هم المستفيدون الأبرز من هذه التجارة العابرة للحدود. كما ينبغي الحوار بشكل مباشر مع إيران التي تسيطر على القرار الأمني في سوريا ولبنان والعراق.
وأمس الأحد، أعلن الجيش الأردني مقتل 5 مهربين وإصابة 4 آخرين، أثناء محاولة تسلل وتهريب من سوريا. وقال في بيان، إن “المنطقة العسكرية الشرقية وبالتنسيق مع الأجهزة الأمنية العسكرية وإدارة مكافحة المخدرات، أحبطت فجر اليوم الأحد ضمن منطقة مسؤوليتها، محاولة تسلل وتهريب كميات كبيرة من المواد المخدرة قادمة من الأراضي السورية”. وأضاف: “أسفرت العملية عن مقتل 5 من المهربين وإصابة 4 آخرين وضبط كميات كبيرة من المخدرات، وتم تحويل المضبوطات إلى الجهات المختصة”.
إحباط العملية
ويأتي إعلان الجيش عن إحباط تلك العملية، في أعقاب الاجتماع الرباعي، السبت، في العاصمة عمان.
وحول الاجتماع، قال وزير الداخلية الأردني، مازن الفراية، في إيجاز صحافي، إن الاجتماع الذي ضم وزراء داخلية الأردن وسوريا ولبنان والعراق، انتهى بالاتفاق على تشكيل خلية اتصال مشتركة لتبادل المعلومات السابقة واللاحقة، وتتبع ومتابعة الشحنات الخارجة من وإلى الدول، وذلك إلى جانب تحديد وجهتها الخارجية.
وقال المسؤول الأردني إن “الخلية تعنى بتبادل الخبرات والتدريب والقدرات ومتابعة المعلومات والشحنات ووجهتها النهائية، والتسليم المراقب لمواجهة آفة المخدرات، مؤكداً اعتراف الأطراف المجتمعة “بوجود هذه المشكلة ونتابع هذه المشكلة على المستوى الفني” مؤكداً أن الوزراء اتفقوا على العمل على المستوى الوطني للتعامل مع هذه الظاهرة، “واتفقوا أنه دون جهد تنسيقي مشترك من قبل الدول المجتمعة لن يكون هناك نتائج كالنتائج التي نصبو إليها”.
وحضر اجتماع عمّان وزير داخلية النظام السوري محمد خالد الرحمون، والوزير اللبناني بسام مولوي، والوزير العراقي عبد الأمير الشمري، بهدف إيجاد حل للحرب غير المعلنة والتي يخوضها الأردن ضد تجارة تهريب المخدرات عبر أراضيه، وإنشاء خلية الاتصال تضم مسؤولي وضباط الدول المعنية لتبادل المعلومات الأمنية، وتتبع الشحنات.
ووصف وزير الداخلية النظام السوري محمد خالد الرحمون أجواء الاجتماع الوزاري الذي استضافته العاصمة الأردنية بـ “الإيجابي”.
وقال في تصريح لصحيفة “الوطن”: “جرى الاتفاق خلال الاجتماع على تشكيل خلية من ضباط إدارات مكافحة المخدرات في البلدان الأربعة التي شاركت في الاجتماع، بحيث يكون هناك تحرك آني في حال ورود أي معلومات”، لافتاً إلى “التنسيق بين الدول والتواصل بشكل مباشر بهدف الوصول إلى نتائج ملموسة، لا سيما أن دول الإقليم مصممة على التخلص من هذه الآفة الخطيرة”، وقال: “لا توجد دولة في العالم قادرة وحدها على حماية مجتمعاتها من دون التعاون مع دول الجوار ومن دون أن يكون هناك تبادل معلومات فيما بينها وهذا ما تم الاتفاق عليه خلال اجتماع عمان الوزاري”.
وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، قال في كلمة له خلال الاجتماع إن “أمننا العربي مشترك وعلينا العمل بجهد لحماية بلداننا ومجتمعاتنا من الجريمة العابرة للحدود بأشكالها كافة”.
وفي تصريح نقلته الوكالة الوطنية اللبنانية للإعلام، قال المسؤول اللبناني: “مستمرون في ضبط عمليات تهريب المخدرات بحزم بجهود السلطات الأمنية اللبنانية”، مشدداً على ضرورة مواصلة “التعاون المشترك بين بلداننا لمحاربة هذه الجريمة”.
وفي المقابل، أبدى مراقبون وناشطون لـ “القدس العربي” ارتيابهم من جدوى اجتماع عمان، معتبرين أن سبباً ملحاً يلزم الأطراف على حضور الجانب الإيراني على طاولة المباحثات، لا سيما أنها المسؤولة عن تهريب المخدرات بالتعاون مع أذرعها في لبنان وسوريا والعراق، كما أن النظام السوري لا يريد ولا يملك القدرة على ضبط حدود بلاده.
وحول النتائج المتوقعة من هذا الاجتماع، وهل سوف يؤدي إلى نتائج حقيقية يلتزم بها النظام السوري، قال الأكاديمي الأردني المختص في العلوم السياسية، نبيل العتوم، لـ “القدس العربي”، إنه لا جدوى من الاجتماع، لكنه “مهم بالنسبة إلى وجود الدول الأربع، الأردن وسوريا ولبنان والعراق”.
واستدرك المتحدث بالقول: “لو كنت أرسم القرار في العالم العربي، لكنت اقترحت أن يكون هناك طرف خامس. إيران يجب أن تكون موجودة في هذا الاجتماع لأنها المعنية في نهاية المطاف بعملية تهريب المخدرات بالتنسيق والتعاون مع ميليشياتها الموجودة في العراق ولبنان”.
وفي تقدير العتوم ، فإن “الأردن يدرك تماماً أن الاجتماعات السابقة، والتنسيق مع الجانب السوري في 23 يونيو، من العام 2023، أي بما عرف باجتماع عمان، قدم الجانب السوري ضمانات إلى الجانب الأردني فيما يتعلق التعاون بتهريب المخدرات، وسبقه اجتماع الأردن الذي رعته العاصمة العراقية بغداد بحضور أجهزة حوار أمنية أردنية وعراقية إيرانية، لكنه لم يسفر عن أية نتائج حقيقة خاصة أن نظام الأسد، وإيران وميليشياتها يحاولون الاستفادة من هذا الاقتصاد الأسود، لتحقيق عدد من الأهداف، أهمها تمويل النظام السوري وميليشيات إيران وهذا يخفف على إيران ودعمها لأذرعها المنتشرة الموجودة عبر الحريق الإقليمي الإيراني الذي تعود على تجارة المخدرات وغسيل الأموال، وغيرها”.
الهدف الثاني، هو مساعي إيران إلى اتخاذ هذا الملف كورقة ضغط على الجانب الأردني، ومن خلفه دول مجلس التعاون الخليجي، لا سيما المملكة العربية السعودية ومحاولة الضغط عليها من خلال المحاولات المتكررة لتهريب المخدرات، والأمور لم تقف عند ذلك، بل تهريب الأسلحة التي أخذت صوراً وأشكالاً عديدة بوسائل وطرق مبتكرة للقذائف والعتاد وأكثر من 3000 نوع ذخيرة إلى الأراضي الأردنية، وهذا معناها استنزاف الأردن على حساب الكثير من القضايا.
وجزم المتحدث أن أي حوار ينبغي أن لا يختصر على الدول الأربعة، بل ينبغي أن تكون إيران حاضرة وبقوة، لأنها مسؤولة بشكل مباشر عن عمليات التهريب، وأضاف: “الجانب الآخر أن حدودنا في الأردن تبلغ 375 كيلومتراً مع سوريا، هي حدود إقليمية وهي ليست مع الجانب السوري، إنما هي حدود مع إيران خاصة أن الحرس الثوري الإيراني موجود هناك، وهنالك ميليشيات فاطميون التابع لأفغانستان وزينبيون لباكستان، وهؤلاء يديرهم الحرس الثوري الإيراني، وبالتالي كان من الأولى أن يكون الجانب الإيراني طرفاً في التفاوض، خاصة أن تعامل الأردن كانت تندرج ضمن إطارين الأول أن النظام السوري لا يستطيع كبح هذه الميليشيات، وهذه وجهة نظر فيها شيء من الصحة، أو أن النظام السوري لا يريد ذلك”.
وعبّر العتوم عن اعتقاده أن ماهر الأسد الذي يقود الفرقة الرابعة، وهو أشد ارتباطاً بالنظام الإيراني والحرس الثوري الإيراني، “هو من المستفيدين بشكل كبير من خلال هذه التجارة ومحاولة خلط الأوراق من خلال بقاء هذه الدول مشغولة في عمليات تهريب المخدرات والسلاح”.
وحول النتائج من اجتماع عمان، قال: “لا أعول كثيراً على هذا الاجتماع، دون ضمانات حقيقية تقدم إلى الأردن بما يتعلق بوقف عمليات تهريب المخدرات، كما أنه لا يوجد هناك ضامن لا للنظام السوري ولا للنظام الإيراني، بوقف عمليات ومحاولة استغلال ذلك، وقياساً على المرات السابقة حيث كان هناك حوار مع إيران والنظام السوري، ولم تؤت نتائج حقيقة، هذه السياسيات لا تستطيع التنازل بأي حال من الأحوال عن هذه التجارة المربحة للنظام السوري وإيران الميليشيات المرتبطة بهما”. الجانب الثالث، أن حالة الفراغ جنوب سوريا وانسحاب وإعادة انتشار القوات الروسية نتيجة انشغالها بالأزمة الروسية، شجع إيران والنظام السوري على الاستمرار في ذلك، لا سيما أن إيران تحاول استغلال ما يجري في سوريا، كأحد أوراقها التفاوضية انسجاماً مع نظرية تخادم الملفات، فإيران تبحث عن تحويل التهديدات إلى فرص ومحاولة استغلال ما يجري في المنطقة لرفع العقوبات عن الجانب الإيراني وابتزاز الدول الغربية، فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني، ومحاولة تحقيق تقدم والوصول تسوية تكون على مزاج النظام الإيراني.
اجتماع.. واجتماع
وفي صيف 2023، قال وزير الخارجية أيمن الصفدي إنه اتفق مع نظيره السوري على تشكيل لجنة مشتركة لمكافحة تهريب المخدرات.
الناشط الميداني ريان معروف، المتحدث باسم شبكة أخبار “السويداء 24” المعنية بنقل أخبار المنطقة الجنوبية من سوريا، استبعد في حديث مع “القدس العربي” أن ينتهي الاجتماع بنتائج إيجابية.
وقال: “كان من مخرجات اجتماع عمان 2023، تشكيل لجنة مشتركة بين الدول، تضم ضباط ارتباط لمكافحة تهريب المخدرات، وهو يشبه إلى حد كبير نتائج الاجتماع الأخير يوم أمس، والفارق هو توسيع الاجتماع وانضمام لبنان والعراق”.
وأضاف: “أعتقد أنها محاولة جديدة ضمن إطار السياسية الأردنية للتعامل بطريقة دبلوماسية مع هذا الملف ومحاولة وضع الأجهزة الأمنية العراقية واللبنانية والسورية كشريك في مكافحة المخدرات، هذه التجربة عمرها سنة كاملة ولم ينتج عنها أي جديد والأردن نفسه قال إنه شكل لجنة مشتركة مع النظام السوري لتقديم المعلومات حول عمليات التهريب لكن دون جدوى”.
واعتبر المتحدث باسم شبكة “تجمع احرار حوران” في درعا جنوب سوريا، أيمن أبو نقطة، أن “الأمر سوف يسير اتجاه الأسوأ، لأن النظام غير جاد بالتعاون مع الأردن، وهو متورط بتسهيل تهريب المخدرات”.
وقال: “ممكن أن يتعالج هذا الملف عن طريق اتفاق دولي لإنشاء منطقة عازلة، والعمل على إخراج قوات النظام والميليشيات الإيرانية من المنطقة الجنوبية بشكل كامل. كما اعتبر المتحدث أن أبناء المنطقة لديهم القدرة على حكمها وبالتالي سوف تتوقف عمليات التهريب، مدللاً على ذلك بأن “أيام سيطرة الجيش الحر في المنطقة الجنوبية، لم يكن هناك أي عملية تهريب مخدرات”.