لو كنت مسؤولا في الحكومة الأردنية ـ لا سمح الله ـ لشعرت بالقلق وأنا أستمع لرأس الدولة شخصيا يوجه، مرة تلو الأخرى، أعضاء مجلس الوزراء لزيارة بعضهم بعضا والعمل في الميدان على تلمس المشكلات والتحديات وإيجاد الحلول دون تباطؤ.
نعم سأشعر بالقلق الفوري لأن الملاحظات المنهجية المرجعية في هذا السياق تعني بأن عين الرقابة الدستورية الأساسية لا تزال تلاحظ بأن الوزراء ليسوا تماما بعد في العمل الميداني.
ولو كنت معنيا بيروقراطيا وسياسيا ودستوريا بأي حكومة لتحسست رأسي وأنا أستمع للتوجيه المرجعي مرة تلو الأخرى في اتجاه نزول الوزير للميدان والتحدث للمواطنين مباشرة وتلمس مشكلاتهم والعمل على معالجتها في إطار جماعي ومؤسسي وتوافقي.
من غير المقبول الاستمرار في مطالبة الوزراء بالعمل الميداني عاما فعاما بدون «استجابات منهجية» سريعة ومن كل المؤسسات العميقة وتلك التي على السطح.
من غير المعقول الاستمرار في المقابل باختيار وزراء على أساس المحاصصة بدلا من الاختصاص والمهنية ثم التحدث عن معيار العمل الميداني المطلوب.
بعض الوزراء صعدوا للوظيفة بمحض الصدفة. بعضهم الآخر خدمتهم المناطقية والعشائرية وغالبيتهم لا بل جميعهم ينفقون وقت الدولة والحكومة ولساعات متراكمة في سلسلة مجاملات اجتماعية وتشريعية لا تنتهي.
تكرار مرجعي لهذا التوجيه وفي الاجتماعات له دلالة مباشرة سياسية وينطوي على رسالة ولو كنت رئيسا للوزراء ـ لا سمح الله أيضا ـ لاعتقدت لوهلة بأن التكرار معناه أن هناك نقصا يرصده صاحب القرار وان نقصا مستمرا في التواجد خلافا لأنه يعكس الإحساس العام والانطباع بأن بقاء الوزير في مكتبه وتحت قبة البرلمان في الواقع لا يعالج مشكلة لا للوطن ولا للمواطن.
أفهم كمراقب وكمواطن من التكرار أن هناك ملاحظة لا تزال الأطر المرجعية تحتفظ بها وفكرتها أن الوزراء ليسوا في الميدان فعلا… لو كانوا في الميدان لما احتاج الأمر للتكرار العلني خصوصا في تلك الاجتماعات التشاورية المعنية بالملف الاقتصادي البيروقراطي والاجتماعات المعنية بملف العلاقة والشراكة بين القطاعين العام والخاص.
من غير المعقول الاستمرار باختيار وزراء على أساس المحاصصة بدلا من الاختصاص والمهنية ثم التحدث عن معيار العمل الميداني المطلوب
سمعنا كمواطنين الملك يكرر في اجتماع نظمته الحكومة بمناسبة استعراض إنجازاتها وإنتاجيتها في مسار تحديث الرؤية الاقتصادية على الوزراء الموجودين وعلى مسامعهم بأن عليهم التواجد في الميدان وزيارة بعضهم بعضا والتنسيق في إطار العمل المؤسسي الجماعي، وبأن عليهم تلمس احتياجات القطاع الخاص والعمل معه في إطار الشراكة.
هل تعني تلك الإشارات الملكية المرجعية ملاحظة ينبغي لرئيس الحكومة ان يقف عندها ويتأملها؟ الإجابة طبعا ودوما بـ «نعم» لكن من أجل رفع مستوى الإنتاجية على الحكومة مأسسة وبرمجة منهجية خاصة بالعمل الميداني تخرج الوزير من مكتبه إلى العمل الميداني المباشر.
الاستنتاج العام أن مهمة ووظيفة الوزير في الأردن خلافا لما يعتقده كثيرون لم تعد تشريفا بقدر ما هي في إطار التكليف المر والمعقد والصعب. لا بل تلك الوظيفة لم تعد ممتعة فلا أحد يمكنه توقع أن يقضي أي وزير، خصوصا في قطاع الخدمات وليس رسم السياسات، الفترة الكافية المناسبة لإنجاز عمله في الميدان لأن الوزير بصراحة وبكل بساطة وكما يشتكي أعضاء في مجلس الوزراء لا يجد الوقت الكافي للنوم ولا ممارسة الرياضة ولا لمجالسة أفراد عائلته، ولا حتى يجد الوقت الكافي لقضاء الوقت المناسب لقراءة الملفات واتخاذ القرارات في مكتبه أحيانا.
إذا كان أي وزير لا يجد ما يكفيه من وقت في وزارته ومكتبه فكيف سيجد الوقت الملائم للعمل في الميدان؟
حتى لا نغرق كمواطنين بمعادلة استيراد الوزراء من الصين على الحكومة وفي الاستجابة للملاحظة المرجعية الاندفاع وفورا نحو منهجية مؤسسية تملأ الفراغات.
يحدثني أحدهم ويشير الى أن نحو ثلاثة أيام من خمسة أيام عمل رسمي يستنفدها ويستهلكها مجلسا الأعيان والنواب بالنسبة للوزراء.
والوزير الذي يغيب عن أي اجتماع يلاحقه النواب ويجلدونه بل يتهمونه علما بأن جزءا من خطط تطوير العمل الهيكلي في السلطة التشريعية كان يقتضي منذ سنوات بأن لا ضرورة لحضور لا رئيس الوزراء ولا أعضاء مجلس الوزراء كاملا اجتماعات مجلس النواب جميعها.
ويكفي أن تحضر مجلس الوزارة في الاجتماعات الدستورية الرئيسية مع الأعيان والنواب فيما يحضر عند مناقشة أي بند محدد الوزير المختص أو يقيم وزير الشؤون البرلمانية مكتبه في مبنى السلطة التشريعية لمتابعة التفاصيل بما فيها تلك المختصة بمتابعات خدماتية للنواب والأعيان ومتطلبات واحتياجات مناطقهم ودوائرهم.
يمكن للوزير المختص حضور اللجنة المختصة سواء في مجلس الأعيان أو مجلس النواب. ولا حاجة لاكتظاظ قاعات المجلس بأعضاء الحكومة كلهم واستهلاك ساعات من أوقات الدوام الرسمي دون فائدة حيث يجلس الوزراء في أغلبهم وهم خارج نطاق البحث والنقاش والأصل أن يتم توفير هدر هذا الوقت.
لابد من تنظيم العلاقة بين السلطتين على أساس يعالج المهدور من وقت الوزراء. الوزير في الأردن «وظيفة سيئة جدا».
إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»