خطاب نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس، أول أمس، قد يشير إلى انعطافة في موقف الولايات المتحدة من الحرب في قطاع غزة. هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها التعبير عن المقاربة الأمريكية في واشنطن بشكل حاد وواضح جداً. دعت هاريس للتوصل إلى وقف لإطلاق نار فوري في القطاع. وقالت إن الهدنة لمدة ستة أسابيع ستمكن من إطلاق سراح المخطوفين الإسرائيليين. ولكن في الوقت نفسه، أكدت معاناة سكان القطاع المتزايدة.
حسب أقوالها، فإن الفلسطينيين هناك يعانون من “كارثة إنسانية”، وعلى إسرائيل زيادة جهود مساعدتها “دون أي مبررات”. وقالت أيضاً إن هناك صفقة حقيقية على الطاولة، ودعت حماس للموافقة عليها.
التصريح الطويل والمفصل لنائبة الرئيس يعكس أمرين في مواقف الإدارة: الأول أن الرئيس الأمريكي ورجاله يزيدون الضغط على الطرفين على أمل التوصل إلى صفقة تشمل وقف إطلاق النار وإطلاق سراح المخطوفين قبل شهر رمضان. الثاني وجود حالة تآكل خصوصاً بعد خمسة أشهر على بداية الحرب وصبر أمريكا على إسرائيل. تجد واشنطن صعوبة في تشخيص استراتيجية لإسرائيل بخصوص الحرب، إضافة إلى جهود بقاء نتنياهو، والغضب من استجابة الحكومة الإسرائيلية البطيئة (في بعض الحالات جهاز الأمن) للصعوبات الإنسانية المتفاقمة في القطاع؛ والقلق من تداعيات التورط المستمر في غزة على الوضع الإقليمي ومكانة بايدن قبل الانتخابات الأمريكية.
الحادثة الأساسية في هذا الشأن هي الكارثة التي حدثت في غزة الخميس، حيث قتل أكثر من 100 فلسطيني في أعمال الفوضى التي حدثت عند وصول شاحنة مواد غذائية. بعض القتلى تم سحقهم وقتلوا بسبب تدافع الجمهور الذي حاول سلب الشاحنة. وحسب الجيش الإسرائيلي، تم إطلاق النار على عدد قليل منهم من قبل جنود الجيش الإسرائيلي الذي شعروا بالخطر على حياتهم. لم يكن هذا إسهام إسرائيل الوحيد في الكارثة؛ فقد تم إدخال الشاحنات إلى القطاع من الجنوب، وتوجه بعضها نحو الشمال بهدف إحضار التموين لنحو 300 ألف شخص علقوا في منطقة الشمال ولم يذهبوا إلى الجنوب عند اجتياح الجيش الإسرائيلي للقطاع في تشرين الأول الماضي.
ضباط في الجيش الإسرائيلي نسقوا وصول الشاحنات مع عدد من رجال الأعمال الفلسطينيين، الذين بدورهم قاموا بنقل الشاحنات لبضع ليال. هذه العملية لم يتم تنسيقها مع حماس، ولم تكن هناك حماية للقافلة من قبل رجال حراسة مسلحين. عندما اندلعت الفوضى، هرب السائقون مع المس ببعض المدنيين الذين حاولوا نهب البضائع. هذه طريقة مليئة بالعيوب، تم تبنيها بسبب عدم وجود خيار آخر. وتوقع الجيش الإسرائيلي أنها كارثة قد تتكرر إذا استمرت طريقة العمل الحالية.
الحادثة أثارت صدمة كبيرة في العالم. ولكن إسرائيل استقبلتها باللامبالاة. الجهة الرسمية الوحيدة التي كلفت نفسها عناء التطرق للحادثة هو المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي، دانييل هاغاري، الذي عرض على وسائل الإعلام نتائج التحقيق العسكري الأولية في الأمر. ولأنه لا يمكن لأي عمل جيد أن يمر بدون عقاب، فقد حظي هاغاري على الفور بمقال تصفية مليء بالأخطاء في القناة 14، ربما كيلا يدخل الجنرالات لرؤوسهم عدداً أكبر من اللازم للأفكار حول إدارة سياسة إعلام مستقلة.
الحبل الذي أعطي للعمليات العسكرية الإسرائيلية يقصر، على الأقل في شهر رمضان. في أعقاب الحادثة، أنزلت الولايات المتحدة إرساليات مساعدة أولية للقطاع، وتنوي إنزال أخرى بنفس الطريقة. منذ ذلك الحين، وإسرائيل تسمح بإدخال مساعدات أكبر للفلسطينيين. الأمم المتحدة طلبت وحصلت من إسرائيل على مصادقة لإدخال معدات اتصال وتوجيه إلى القطاع (هواتف محمولة وأجهزة جي.بي.اس) للتمكين من اتصال أفضل مع القوافل التي تنقلها المنظمات الدولية. مساء الجمعة، استأنف الاتحاد الأوروبي تقديم المساعدات المالية للأونروا، التي توقفت بعد أن كشفت إسرائيل معلومات استخبارية عن مشاركة موظفين في مذبحة غلاف غزة.
من سارعت إلى قراءة الصورة وترجمتها لأغراضها الخاصة هي حماس: يبدو أنها تتصلب مرة أخرى في مواقفها بشأن المفاوضات حول صفقة المخطوفين لشعورها بأن الوقت يعمل في صالحها، وأن تهديد إسرائيل باحتلال رفح غير حقيقي، وبالتأكيد غير فوري. بقيت عدة خلافات جوهرية في المفاوضات، أهمها يتعلق بطلب حماس الحصول على ضمانات وقف الحرب بعد الانتهاء من إطلاق سراح المخطوفين في الدفعتين. وثمة خلاف آخر حول طلبها السماح للمدنيين بالعودة إلى شمال القطاع (في هذه الأثناء، الجيش الإسرائيلي يمنع الوصول إلى الشمال بواسطة الممر الذي يحتله والموجود في جنوب غزة). السؤال هو: هل سيكون الضغط الذي سيمارسه الأمريكيون والوسطاء المصريون والقطريون ثقيلاً وناجعاً للتوصل إلى اتفاق بين الطرفين؟
الحادثة في غزة تزيد تخوفات الغرب من تفشي الفوضى على صيغة الصومال. في جزء من المحادثات يسمع الأمريكيون من المستوى السياسي الإسرائيلي بأن بقاء حماس في السلطة هو احتمالية أسوأ من الفوضى في القطاع. وعلى أي حال، بدون صفقة هناك خطر استمرار القتال الذي ستكون نتيجته موت المدنيين (“عدد كبير من المدنيين الأبرياء قتلوا”، قالت هاريس)، وتفاقم الأزمة الإنسانية.
ربما تثور عاصفة أخرى هنا بسبب شهر رمضان؛ فالصور التي تأتي من غزة ربما تؤجج النفوس في الدول العربية فتنطلق موجة جديدة من المظاهرات وأعمال الشغب المناوئة لإسرائيل، التي ستتسبب أيضاً بخطر داخلي على استقرار الأنظمة. يمكن الافتراض أن الوزير بني غانتس قد سمع بكل هذه الأمور في المحادثات التي أجراها مع جهات رفيعة في الإدارة الأمريكية. مشكوك فيه إذا كان رجال بايدن يعلقون آمالاً على النجاح في تمرير رسالة من خلال غانتس لنتنياهو، حيث ينشغل الأخير بشكل كبير في تظاهره بالإهانة بادعائه أن الأمريكيين قد تجاوزوا البروتوكولات بتوجيه دعوة لغانتس بدون موافقته.
عاموس هرئيل
هآرتس 5/3/2024