“أخيراً ماتت غزة، ليحيا السنوار”، هذا عنوان مقال الباحث والصحافي السعودي محمد الساعد المسموم، الذي نشر أمس في صحيفة “عكاظ” السعودية. وجه سهامه لقيادة حماس (الداخل والخارج)، التي تنتظر اللحظة التي سيتم فيها التوقيع على “اتفاق فصل القوات بين إسرائيل وحماس”، هكذا يأمل نتيجة مفاوضات تجري، على الأقل نظرياً، بين دول الوساطة وإسرائيل وحماس.
حسب أقواله، عندما يتم التوقيع على الاتفاق، سيخرج اسماعيل هنية وخالد مشعل وموسى أبو مرزوق من الخنادق ويعلنون النصر الإلهي، وسيتنافسون مع السنوار خوفاً من أن يسرق اللحظة التاريخية منهم، وسيخرج السنوار من مخبئه محمولاً على أكتاف المقربين منه، الذين سيحمونه من غضب سكان غزة الذين فقدوا أعزاءهم وبيوتهم وحياتهم الآمنة بسبب نزوة 7 تشرين الأول”.
“مؤيدو السنوار سيحملونه على الأكتاف بعد أن حمل 30 ألف جثة على أكتاف البائسين في غزة، وسيكون انتصاراً موهوماً. ولكن يجب التصديق بأن الهزيمة تعد انتصاراً حسب قاموس الإخوان المسلمين ومحور المقاومة. الإحباط فرح، والجثث التي تملأ الشوارع في غزة جسر للمشكلة الفلسطينية، والمساعدات حق حصري للمقاتلين، والحياة لهم والموت للآخرين”.
ليست هذه المرة الأولى التي يندفع فيها الساعد إلى مركز الخطاب في السعودية، ومنه إلى فضاء الإعلام العربي، من خلال مقالات حادة لا تحسب للزعماء والدول العربية الأخرى أي حساب. قبل سنة تقريباً، نشر مقالاً آخر صاخباً بعنوان “لماذا يكرهوننا”، هاجم فيه الزعماء العرب بسبب انتقادهم للسعودية. “الكثير من شعوب الشرق الأوسط تعيش على الكراهية والحسد ونكران الجميل… دول عربية مثل العراق وسوريا واليمن ومصر، لم تنجح في خلق حتى دولة قومية واحدة يمكنها بناء نفسها”.
لكن بعد فترة قصيرة من ذلك، قرر محرر الصحيفة جميل الزيابي حذف المقال من موقع الصحيفة. وبخصوص المقال حول حماس، الذي يشمل أيضاً الاستهزاء بحسن نصر الله، ما زال مرفوعاً على الموقع. الصحيفة التي تأسست في 1960 مقربة من البلاط الملكي، والزيابي يشغل المنصب منذ بضع سنوات، ولو قدر بأن مقال الساعد لن يروق للزعيم محمد بن سلمان لما كان هذا المقال سيرى النور.
الكراهية المتبادلة لسنوات بين القيادة السعودية والإخوان المسلمين بشكل عام، وحماس بشكل خاص، كراهية حقيقة واضحة. ومثلما الحال في مصر، السعودية تعرف حركة الإخوان المسلمين بأنها منظمة إرهابية، رغم أنها سمحت لحماس بالاحتفاظ بممثلية فيها. ولكن حماس الآن حشرت السعودية في زاوية تهدد مصالحها الحيوية. إذا كانت السعودية قبل الحرب في غزة انضمت للولايات المتحدة في الحملة لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل مقابل موافقة أمريكا وإسرائيل على السماح لها بتطوير برنامج نووي مستقل، وحلف دفاع مشترك بين واشنطن والرياض، فإنها الآن متعلقة بالحل الذي سيتم التوصل إليه في مسألة قطاع غزة.
من تصريحاتها الضعيفة حول الحاجة إلى “تحسين ظروف حياة الفلسطينيين”، اضطرت السعودية للوقوف إلى جانب مطالبة قوية للفلسطينيين ومبادرة الرئيس الأمريكي لإيجاد حل سياسي للقضية الفلسطينية على شكل حل الدولتين، أو على الأقل القيام بخطوات لا يمكن التراجع عنها ستؤدي إلى هذه النتيجة.
السعودية، التي أدركت أن المبادرة العربية التي صيغت في قرارات القمة العربية في بيروت في 2002 والتي لم تكن أكثر من ورقة إعلانية غير قابلة للتنفيذ، تبث الآن الحياة الجديدة في هذه الورقة عندما جمدت محادثات التطبيع مع الولايات المتحدة وإسرائيل، وأدانت ما تصفه بالمذبحة في غزة، وتطلب وقفاً فورياً لإطلاق النار، وأصبحت من الدول التي تقود الجهود العربية الدولية الهادفة إلى تنفيذ الحل السياسي. من التحرك السياسي الذي كان على وشك التوقيع مع “شروط فلسطينية” غامضة بات يستخدم التطبيع الآن كرافعة إقناع وضغط لتحقيق أهداف ملموسة على المستوى التكتيكي: وقف إطلاق النار، وزيادة المساعدات الإنسانية لغزة، ونقل السلطة المدنية في القطاع إلى السلطة الفلسطينية.
التطبيع مع السعودية سيكون أحد المواضيع التي سيناقشها الوزير بني غانتس مع مستضيفيه الأمريكيين، الذين يريدون أن يفهموا منه خطة إسرائيل لمواصلة القتال، وخصوصاً الطريقة التي ستدار فيها غزة، ليس “اليوم التالي”، في الفترة القريبة حتى لو استمرت الحرب. “التطبيع لم يمت بعد”، قال دبلوماسي غربي مطلع على المحادثات بين أمريكا وإسرائيل.
تدرك السعودية بأن دولة فلسطينية مستقلة لن تقام في الغد، ولا تتوقع أن تعلن إسرائيل عن جدول زمني للانسحاب من “المناطق”. ضغط الرياض موجه بالأساس لواشنطن، التي تطلب منها إلى جانب وقف دائم لإطلاق النار في غزة، صياغة قرار رئاسي يظهر التزام الولايات المتحدة بإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وربما أيضاً المبادرة لعقد مؤتمر دولي لمناقشة مستقبل الدولة الفلسطينية.
الإدارة الأمريكية، التي قامت في السابق بخطوة إعلانية مهمة عندما أعلنت قبل أسبوعين تقريباً بأن أي توسيع للمستوطنات في الضفة الغربية هو خرق للقانون الدولي، ما زالت تعتبر حل الدولتين حتى الآن هو “الحل النهائي” لإنهاء الصراع. ولكن هذه الصيغة ليست خطة عمل سياسية ولا تشبه الصياغة التفصيلية للحل كما قدمها دونالد ترامب عندما أعلن عن صفقة القرن.
واضح للسعودية، مثلما للفلسطينيين، بأنه حتى لو أصدر الرئيس الأمريكي بايدن قراراً رسمياً “غير قابل للرجوع عنه”، فسيكون عمره مثل عمر ولاية الرئيس بايدن. ولكن ربما يكون مرضياً للسعودية إذا نجحت الولايات المتحدة في منع استمرار الحرب وتثبيت وقف إطلاق النار، وقبل أي شيء آخر إقناع إسرائيل بالموافقة على دخول السلطة الفلسطينية إلى القطاع. وبالتنسيق مع مصر والإمارات والأردن، ربما تكون مستعدة لاحقاً لضخ أموال طائفة لإعمار القطاع شريطة ألا تكون حماس جزءاً من النظام الفلسطيني. بعد ذلك، سيكون بالإمكان استئناف المفاوضات حول التطبيع، وفي موازاة ذلك التوقيع على حلف دفاع بين السعودية وأمريكا والمصادقة على شروط تطوير البرنامج النووي السعودي. ولكن خطة العمل هذه مرتبطة بشكل كامل باستعداد إسرائيل بتبنيها، وبالافتراض بأن إسرائيل ما زالت تعتبر التطبيع مع السعودية ثمناً استراتيجياً مناسباً.
لكنه افتراض قد يتحطم أمام الاحتمالية الحقيقية، وهي أن تبني هذه العملية السياسية سيؤدي إلى إسقاط حكومة نتنياهو. التطبيع مع السعودية سيتوقف عندها عن أن يكون عاملاً مُسرعاً، والإدارة الأمريكية في حينه ستقرر إذا كانت ستدفع قدماً بطموحات السعودية التي تتساوق مع المصالح الأمريكية حتى بدون التطبيع.
تسفي برئيل
هآرتس 5/3/2024