أن تتكلم عن المرأة يعني أن تغور أبعد داخل المجتمع، وتبصر حياة الناس على حقيقتها، وكلما صار الكلام أعمق صارت الدراسة أكثر شمولا ودقّة.
في التقاليد التي نشأنا عليها تُعامل المرأة على أنها سنبلة رقيقة نشأت من أجل أن تُقطف ذات يوم، وينبغي أن لا نرفع عنها العين، كي لا تتعرّض للخطر، ولا يختلف وصف الأقدمين للنساء كثيرا. قالوا إنما هنّ لحمٌ على وَضَم، والوَضم هو كلّ ما يوضع عليه اللّحم من خشبٍ وحصير أو نحو ذلك، يوقّى به من الأرض، وكذلك حال المرأة، فلا بدّ من حراستها طوال الوقت، وإلى نهاية عمرها. قالت العرب: «لا تأمن امرأةً حتّى تموت». المرأة سنبلة لا يجوز بأيّ حال أن تكون لغير مالكها، الأبُ ووليّ الأمر والزوج، فإن تعدّى عليها أحد سالت الدماء، لأنّ في الأمر سرقة وانتهاكا لحُرمة الأرض والمال، وهذان الاثنان من معانيهما ما يُعرف لدينا بالعَرض، وهو مَتاع الدنيا وحطامها، والمرأة أحد هذه الأمتعة. ولهذا السبب يوضع دائما ستار يحجب المواضع التي تتحرّك فيها المرأة في البيت، وفي الخارج عليها أن تحتجب من هامة رأسها إلى الكعبين، فإذا ظهر منها ظِفرٌ كان عقابها النار الخالدة في الآخرة، وإلى أبد الآبدين.
بسبب كثرة مكوث المرأة في البيت وانقطاعها للإنجاب وإعداد الطعام أصبحنا لا نراها تقوم بغير هذين العملين، كما أن تجاور المطبخ مع غرفة نوم الزوجيّة في بيوتنا جعل إنجاب الأطفال وإعداد الطعام، كأنما هو فِعل واحد. تطبخ المرأة في النهار وتُرضع أطفالها، وتمتّع الزوج في الليل، ولأنها ارتضت هذا المصير قالوا عنها: «المرأة بنصف عقل» أو «بعقل دجاجة خوتة أي مجنونة» ولهذا صلة بالسّنبلة واللّحم والوَضَم، فالدّجاجة الخوتة لا نفع منها غير لحمها، وهي مهيّأة للذّبح طوال الوقت. نقرأ في الآية الخامسة من (سورة المائدة): «اليوم أُحِلَّ لَكُمُ الطيبات وَطَعَامُ الذين أُوتُواْ الكتاب حِلّٞ لَّكُمۡ وَطَعَامُكُمۡ حِلّٞ لَّهُمۡۖ والمحصنات مِنَ المؤمنات وَالمحصنات مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ الكتاب مِن قبلكم». إن صورة المائدة المفروش عليها الطّعام لا يمكن أن تفارق بنت حوّاء، وكذلك قصّة التّفّاحة في الجنّة وإغوائها لسيّد الأنبياء، وكأن الآصرة بين الاثنين، الرجل والمرأة، قوامها قطبان لا ثالث لهما، الجنس والطعام. يستقلب الأخير في بدن الإنسان في عملية التمثيل الغذائي في صور عديدة، تنتهي في شكلٍ مذكورٍ في الآية 43 من (سورة النساء) وتكون المرأة ملاصقة لهذا الشكل في أذهان المؤمنين والمؤمنات. إن ثالوث المرأة والرجل والطعام فيه حجّة قويّة، ليس هناك مجال لدحضها أو القفز فوقها وإتمام الجدل. ومن الملاحظ أن آلية صنع الطعام تُناط كاملة بالمرأة، عدا عمليّة ذبح الذبيحة، سواء كانت دجاجة أو خروفا أو غزالة، فهي تتم من قبل الرجل فقط، ويتعيّن عليه أن يكون مطهّرا ولم يمسّ شيئا يعود إلى دين آخر أو مدنسا به، ويقوم في أثناء الذبح بقراءة ديباجة لاهوتيّة معيّنة، وبهذا يتحقق الاتصال مع الإله الذي منح الإنسان الحيوان والزاد. وهنا تأكيد على امتياز الرجل المطهّر، مقابل المرأة المدنّسة، وبهذا العمل يؤكد الرجال في المجتمع الذكوري ترفّعهم على النساء وعلى دناستهنّ ودونيّتهنّ. في الريف العراقي يعتقد الناس أن المرأة إذا جلست في مكان نقلت إليه شيئاً من حرارتها، فلا يجوز للرجل الجلوس في المكان نفسه حتى يبرد، وتزول عنه النجاسة. الدناسة في المجتمع عندما تتصّل باللاهوت تُعدّ خطرا يهدّد الجميع، ولذا يتعيّن مراقبة مصدر الدناسة هذا، وعقابها إن أخطأت، وحصرها لكيلا تخطئ، أي لا تُقدم على سلوكيات تُفسد روح الذكر عن طريق الإغراء الجنسي، لاسيّما أن العلاقة بين الذكر والأنثى انحصرت في فعل الجماع بهدف إنجاب الذريّة، مع نكران المتعة الجنسيّة المستقلّة التي ميّزت تطور وعي الإنسان عن غيره من الحيوانات.
كانت أوروبا الزراعيّة تُلزم النساء لبس الأقفال عند غياب الرجال، وفي حالة الخيانة يجب على أفراد المجتمع إزالة هذا القلق عن طريق القتل أو الحجر، وتنوعت حدّة هذا الفصم في مختلف الحضارات، فكان البابليّون قاسين جدا في عقاب المرأة، ومخفّفا عند الحضارة المصريّة القديمة، وكان تشدّد العلاقة بين الرجل والمرأة في الجزيرة العربيّة أقلّ قبل ظهور الإسلام.
تشبّه الروائيّة والشاعرة الروسيّة أوكسانا زابوجكو ما يجري بين الرجل والمرأة «بعلاقة كيميائية، ولكي يحدث التفاعل المنشود، عليك معرفة الجرعات الصحيحة». لكن التفاعل الكيميائي يأتينا عادة بعنصر جديد يختلف عن العنصرين الأوليّين، وله فائدة أعظم منهما في حالة منفصلة، وإلا ما حدث التفاعل الكيميائي من الأصل. وفي بلداننا تقضي هذه المعادلة على المرأة أن تلازم البيت على الدوام، وإذا ذهبت إلى العمل، فإن الرجل يُثلم من حقوقها قدر ما يستطيع، وتختلّ المعادلة الكيميائيّة نتيجة لذلك، ويكون الناتج مركّبا غريبا، ربما كان ضرره أكثر من نفعه، وغالبا ما يعمد أحد الطرفين إلى كسر البوتقة التي يجري فيها التفاعل الكيميائي عن طريق الطلاق، أو أنّ المعمل يستمرّ في إنتاجه مركّبات سامّة، لأن يدا خبيثة غيّرت في كميّة الموادّ الداخلة في صنعها. لنتأمّل المعادلة التالية، والطريقة التي تتمّ فيها الموازنة بين الجانبَين:
2H2 + O2 = 2H2O
تندمج ذرّتان من الهيدروجين مع ذرّة أوكسجين للحصول على جزيئتين من الماء. لو جرى أيّ تغيّير في أقطاب هذه المعادلة كان الناتج مركّبا لا يشبه الماء الذي خلقنا منه كلّ شيء حيّ، ويكون حال المجتمع أقرب إلى الموات في كلّ مجالات العيش. إن قدر المرأة عندنا يقف على أُثفية واحدة، فهو معرّض للخطر دائما لأن الجميع يتقوّى عليها ويعنّفها بكلّ وسيلة؛ بالشّتم والإهانة والضّرب، وبالقتل كذلك إن استوجب الأمر، ولهذا السبب نجد المعادلة التي تجمع الزوجين واهية جدا في المجتمع العربي على وجه الخصوص، وارتفعت بالنتيجة حالات الطلاق إلى أرقام تثير الهلع. الأنوثة تكون آسرة إذا قُدّمَتْ لنا بطريقة مناسبة، وإذا صحّت نظرتنا إلى المرأة كان الأفق الذي يسير إليه الجميع واقعا في جهة الأمام، لا الوراء.
كاتب عراقي