أعلنت دول عربية وأجنبية اليوم الاثنين مبتدأ شهر رمضان، الذي يمثّل شهرا مقدّسا لدى المسلمين، لنزول القرآن فيه على الرسول العربي محمد (ص) ولحصول وقائع كبيرة مثل معارك بدر والأحزاب وفتح مكة وتبوك، وصولا للفتح العمري للقدس، حيث أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.
يصوم المسلمون رمضان في كل مكان، فهو أحد أركان الإسلام الخمسة، الذي فرض في السنة الثانية للهجرة، وهو يتجلى في طقوس جليلة، أهمها الإمساك عن الطعام من طلوع الفجر حتى غروب الشمس، وتتزايد فيه العبادات والصلوات وأشكال التعبّد والتهجد وأفعال الخير والتعاطف فيما بينهم.
يدخل العرب والمسلمون هذا الشهر الفضيل وهم في حالة من الابتلاء الشديد مع استمرار العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين، الذي جمع بين الإبادة الجماعية والحصار الانتقامي الذي أفضى إلى انتشار المجاعة في أرجاء القطاع، وتضاءلت، فوق ذلك، فرص حصول اتفاق على وقف إطلاق النار، بسبب تعنّت حكومة الإرهاب والتطرف الإسرائيلية وتواصل دعم الإدارة الأمريكية للحرب.
إلى كون فلسطين مركز الألم الذي فاض على المسلمين خلال أشهر العدوان القاسية على غزة، فإن المأساة تطاولت أيضا لتشمل بلدانا عربية بأكملها، وقد استشرف برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة هذه المأساة حيث تحدث عن إشعال النزاعات في السودان واليمن وسوريا وغزة «فتيل خطر الجوع» مؤكدا أن «السلام والأمن الغذائي مترابطان».
يؤشّر هذا التحذير إلى المفارقة الفظيعة لكون المسلمين، الذين يفترض بهم أن يصوموا في شهر رمضان، فتك بهم الجوع، وهو أمر يناقض المنطق التاريخي والإنساني، كما أنه يجمع، للأسف، بين حال غزة، التي تعاني من احتلال استيطاني عنصريّ يفتك بالفلسطينيين، وأحوال بلدان عربية تفتك بها النزاعات الداخلية التي نتجت عن انقضاض النظام العربي الرسميّ على ثورات الربيع العربي مما أدى، ليس لتفكك الثورات فحسب، بل لتفكك البلدان نفسها وهبوطها إلى مدارك وحشية من الحروب الأهلية، وانتشار أشكال التطرّف السياسية.
يشير الوضع الآنف، أيضا، إلى العطب الكبير الذي حاق بالمنظومة العربية، وجعلها تبدو وكأنها تعيش في عالمين متفارقين، الأول يفيض غنى والثاني يتضوّر جوعا.
غير أن هذه الصورة تتجاهل، بداية، ما يشبه التحالف الناشئ مؤخرا بين إسرائيل وبعض الأنظمة العربية، والعلاقة الوثيقة بين أشكال التدهور الاقتصادي والأهلي والسياسي في البلدان المنكوبة والتدخّلات العسكرية والمالية لبعض تلك الدول العربية في تلك البلدان.
بهذا المعنى، فإن هذه الصورة لعالمين متفارقين، تخفي أيضا الأدوار العالمية التي ساهمت في تشكّل الشرق الأوسط على هذه الحالة شديدة الاضطراب، والتي انتهى فيها الحال بالبلدان التي صعدت فيها الانقلابات العسكرية بالانكفاء المذل أمام إسرائيل، أو بالقرارات السياسية الكارثية، وهو ما آل كلّه في صالح إسرائيل بشكل يفسّر هذا الابتلاء الكبير الذي يعيشه المسلمون.