المؤرخ عدنان منصر لـ«القدس العربي»: طوفان الأقصى كفاح مشروع ضد الاحتلال … و«صراع الشعبويات» عطِّل تجريم التطبيع في تونس

حسن سلمان
حجم الخط
0

تونس – «القدس العربي» : قال المؤرخ التونسي د. عدنان منصر إن الموقف الرسمي التونسي من العدوان على غزة يتسم بـ”الشعبوية”، كما اعتبر أن البرلمان لن يقوم بالمصادقة على مشروع قانون تجريم التطبيع لأن “الرئيس قيس سعيد لا يرغب بذلك”.
وفسّر، في حوار خاص مع “القدس العربي”، الموقف التونسي الذي يعتبره البعض متناقضاً حول العدوان على غزة، بقوله: “عندما نفهم السياق الذي يقع فيه إرسال هذه المؤشرات المتناقضة، فإن الأمر يصبح مفهوماً. فنحن تحت حكم شعبوي، والتناسق ليس أبداً غاية الشعبويين. والغاية هي المزايدة، وربح التأييد بناء على تلك المواقف المزايدة، وخاصة بناء على الغموض الذي يحيط بها”.
وأضاف: “الرأي العام يطرب لسماع شعارات مثل أننا لا نعترف بإسرائيل من الأصل لذلك لا نستعمل كلمة “تطبيع”. الرأي العام نفسه يطرب لأننا نزايد على مواقف الجامعة العربية لأن هذا الرأي العام يحتقر الجامعة العربية. والهدف دائماً هو مجاراة المزاج العام وأن تخرج الشعبوية رابحة في كل الحالات. في المقابل، هناك أشياء لا تقال أبداً، لأنها تنسف مقولة السيادة التي ترفع شعارها الشعبوية، مثل أن الذهاب في بعض المواقف يمكن أن يتسبب في ضغوطات غربية على تونس، خاصة وأن شركاءها الاقتصاديين الأساسيين هم من المساندين لإسرائيل”.
وتابع منصر: “ما حصل في البرلمان حول “مشروع قانون تجريم التطبيع” ينبئنا بأشياء أخرى: الرئيس مستعد لإظهار برلمانه عاجزاً لمجرد أنه رافض للفكرة من الأساس. وقعت خروقات عديدة في هذا الموضوع ووقع إيقاف مناقشة المشروع بعد أن صوت البرلمان على فصلين من المشروع، واعتقادي أنه لن يعود للموضوع مطلقاً بسبب اعتراض الرئيس”.
واستدرك بالقول: “يجب أن نقول أيضاً إن مشروع القانون كان سيئاً، وإن نواب الرئيس أرادوا اكتساب مصداقية ما بالاستفادة من السياق العام، فقدموا مشروعاً مستعجلاً وشعبوياً، فسقطوا بالضربة القاضية في مواجهة شعبوية الرئيس نفسه. شعبويتان فاشلتان في مواجهة بعضهما البعض”.
وبعد خمسة أشهر من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، يختلف المراقبون في توصيف ما يحدث، هل هو “معركة غير متكافئة” بين المقاومة والاحتلال أم إنها حرب إبادة وتدمير ممنهج تخوضها إسرائيل ضد سكان القطاع؟
وعلق منصر على ذلك بقوله: “هناك إشكال في تعريف ما يجري، لأن اختيار المصطلحات والمفردات ليس في نهاية الأمر سوى تكييف لموقف سياسي مما يحصل. بالنسبة لي، عندما نتحدث عن حرب فهذا يفترض بالفعل أن يتعلق الأمر ببلدين متحاربين يضع كل منهما جيشه في مقابل الجيش العدو. تقديم الأمر بهده الصيغة مخالف للوقائع على الأرض طبعاً، لأن المغالطة هنا بالذات هي الهدف”.

حركة تحرر

وأضاف: “الأمر موضوعياً يتعلق بحركة تحرر، بمجهود تحرري يستعمل من ضمن ما يستعمل الكفاح المسلح، وهو كفاح مشروع بمقتضى القوانين الدولية نفسه. تقديم الأمر على أنه حرب بين جيشين ينزع هذه الشرعية الأخلاقية والسياسية، وهذا هو الهدف الأصلي من السردية الصهيونية والغربية إجمالاً التي حاولت التغطية على الجرائم الصهيونية خاصة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول”.
واستدرك منصر: “السردية الموضوعية تقول شيئاً آخر مختلفاً تماماً، وهو أن الأمر يتعلق بحركة تحرر وطني، وأنه هذه الحركة مخولة أخلاقياً باستعمال كل الوسائل للدفاع عن كيانها الوطني والثقافي والسياسي والبشري، في حين لا يملك الاحتلال أياً من الحقوق الأخلاقية التي يدعيها”.
وأضاف: “هناك إذاً في فلسطين حركة تحرر من استعمار يستعمل كل الوسائل، بما في ذلك الإبادة الجماعية وكل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية من أجل إعاقة تحرر الشعب الفلسطيني. هذا هام جداً لأنه يتعلق بسردية الصراع، وهذه السردية هي العمود الفقري للصراع”.
وحول تباين ردود فعل الأنظمة العربية إزاء عملية طوفان الأقصى، قال منصر: “لنتناول الأمر من زاوية موضوعية ومجردة. هل جرائم الإبادة التي تشنها الصهيونية على الشعب الفلسطيني هي أمر مستحدث أدى إليه هجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول؟ أم إنه تقليد قديم ملازم للمشروع الصهيوني منذ يومه الأول في فلسطين؟ في سنة 1948 مثلاً، لم يكن هناك سبعة أكتوبر، ولاحقاً أيضاً، لم يكن هناك سبعة أكتوبر. وطيلة ثمانين عاماً لم يكن هناك سبعة أكتوبر، ولكن الإبادة لم تتوقف يوماً”.
وأضاف: “تحميل المسؤولية للمقاومة هو رد فعل منكر للوقائع التاريخية وعلى الأرض، وهو يفسر بحالتين: عدم إدراك طبيعة الصراع في الحد الأدنى، ومساندة الاستعمار الوحشي الذي تقوده إسرائيل في الحد الأقصى. هناك حد وسط طبعاً، وهذا تمثله سلطة محمود عباس التي تعتقد أن مصلحتها إلى جانب إسرائيل وضمن أوسلو. هذه إذاً ردود فعل نابعة من قراءة المصلحة، ومن سيطرة الوهم الذي تمثله إسرائيل على الوعي العربي الرسمي بالخصوص”.
وتابع منصر: “لقد استغرقوا عقوداً طويلة من أجل ترسيخ هذه الرؤية، وهذا في الحقيقة أحد الأهداف من التطبيع. المسؤول عن التدمير هو إسرائيل، والمسؤول عن المجاعة هو أيضاً إسرائيل، وكذلك المسؤول عن الإبادة والتهجير”.
وأوضح أكثر: “عندما تقول إسرائيل إن حماس هي المسؤولة فهذا أمر متوقع، ولكنه خطاب لم يعد مقنعاً حتى للإسرائيليين فما بالك للغربيين. يأتي حينئذ دور الآخرين، وهم عرب ومسلمون، للتعبير عن نفس الفكرة، ولكن من زاوية أخرى، أي من زاوية الشفقة على الفلسطينيين”.

أصدقاء المقاومة

وأضاف: “هذان فاعلان موجودان باستمرار في كل صراع من أجل التحرر، ولم يخل منهمها بلد خاض معركة استقلاله عن الاستعمار. هناك الاستعمار، وهناك أبناء الاستعمار، وهناك المقاومة. أبناء الاستعمار هم أولئك الذين ربطوا مصالحهم بالاستعمار، واعتقدوا أنه لا يمكن إزالته. عندما يحتد الصراع يكون وقت تقديم خدماتهم قد حان، وهذا ما يحصل اليوم بالضبط”.
وحول وجود “دور” لموسكو وطهران في طوفان الأقصى، قال منصر: “ما الذي يدفع قوى تتدخل بنشاط في الصراع، بالأموال والأساطيل والذخائر والدعاية والفيتو للقول إنها تملك شرعية هذا التدخل، وأنه ليس من حق المقاومة في فلسطين أن يكون لها أصدقاء وحلفاء يدعمونها؟ هذا أمر على علاقة شديدة بالسردية التي تحدثنا عنها سابقاً. طبيعي أن يكون للمقاومة أصدقاء، بل هذا مطلوب لأنه ينطلق من واجب أخلاقي وسياسي وإنساني وهو مساعدة شعب على نيل حريته والتخلص من استعمار ظالم وإجرامي بشع”.
وأوضح بقوله: “ما يحصل من هجمات انطلاقاً من اليمن والعراق ولبنان وحتى سوريا أمر يحقق غايتين: الأمر يتعلق بصراع ذي بعد إقليمي ودولي، لأن المشروع الصهيوني لا يستهدف فلسطين فحسب. ويتعلق أيضاً باستهداف لأمة تحمل نفس الثقافة ونفس المصالح. فلسطين هي الجزء من الأمة الذي يستهدف بالحصار والقتل والتدمير والإبادة، لكنه تكثيف لكل الصراع ضد الظلم والهمجية التي تمثلهما اليوم إسرائيل”.
وأضاف: “فلسطين تكثيف لكل المبادئ الأخلاقية والإنسانية، وإسرائيل تكثيف لكل نقيض أقصى لتلك المبادئ.
هذا يجعلنا معنيين بالصراع، مثلما فهم الغرب أنه معني به أيضاً. أن تكون إيران إلى جانب المقاومة فهذا أمر يشرف إيران ويشرف المقاومة في الوقت نفسه، كما يشرف قيم الحق والعدل والإنسانية. كذلك الأمر بالنسبة للبنانيين والعراقيين واليمنيين”.
واستدرك بالقول: “أما أن تكون هناك تبعات جيوستراتيجية دولية لما يحدث، فهذا أمر طبيعي. هذا نتيجة للتكثيف الذي يحمله الصراع العربي الإسرائيلي لأنه في الوقت نفسه صراع ذو أبعاد دولية. فهناك قطب غربي يريد الاستفراد بالقرار والمصلحة والقوة، وهناك قوى تقاوم هذا المخطط. من مصلحة جميع المستهدفين بهذا المخطط أن يتحدوا إذاً لإفشاله، لأن وجودهم مرتبط بهزيمته”.
وأوضح منصر: “هذا منطق بسيط: ما الذي يعني أستراليا البعيدة آلاف الأميال عن فلسطين بأن تقف إلى جانب إسرائيل؟ المصلحة الإستراتيجية والارتباط بالغرب. هذا نفس ما يدفع روسيا وإيران والمقاومة لتنسيق أنشطتها: مقاومة الاستعمار الغربي والهيمنة الغربية”.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية