الأمن الإسرائيلي متوجساً من “لاهاي”: ما مصير علاقاتنا مع الولايات المتحدة؟

حجم الخط
0

 عاموس هرئيل

الجيش الإسرائيلي يغرق الإسرائيليين بصور وبيانات للمتحدثين من الميدان في قطاع غزة، ولكن التطورات الأهم تُشاهَد اليوم بعيداً عن ساحة القتال. تقلصت الحرب في القطاع إلى قتال في معركتين لوائيتين: الكبرى في مستشفى الشفاء، والصغرى التي بدأت في مستشفى الأمل في خان يونس. ولكن وجه المعركة ستمليه الآن أحداث أخرى على رأسها شبكة العلاقات الصعبة بين الإدارة الأمريكية وحكومة إسرائيل. أمس، تحولت هذه إلى قطيعة مكشوفة بعد أن امتنعت الولايات المتحدة عن استخدام الفيتو من أجل إسرائيل. وأعلن رئيس الحكومة، نتنياهو، عن ذلك بصورة غير مسبوقة بنيته إلغاء سفر بعثة سياسية إلى واشنطن.

تركز الإدارة الأمريكية انتقادها للحرب في ثلاثة بنود رئيسية. أولاً، الصعوبات في تزويد المساعدات الإنسانية لسكان القطاع. ثانياً، حجم مبالغ فيه من قتل المدنيين. ثالثاً، تهديدات مستمرة من نتنياهو باحتلال رفح. نائبة الرئيس الأمريكي كمالا هاريس وصفت أول أمس القيام بعملية إسرائيلية محتملة في رفح بـ “الخطأ الشديد”، وقالت إنها لا تستبعد “نتائج” إزاء إسرائيل. هذه أمور نضجت خلال شهرين وأظهر الرئيس الأمريكي الصبر الكبير لدعمه للحرب بعد هجوم 7 أكتوبر، ولكننا الآن وصلنا إلى نقطة الغليان.

الأزمة الجديدة تتركز حول قرار مجلس الأمن الذي اتخذ أمس والذي دعا لوقف إطلاق النار في شهر رمضان وإطلاق سراح فوري للمخطوفين من أيدي حماس. لم تكن صيغة القرار مرضية لإسرائيل لأنها لم تربط العمليتين ببعضهما بشكل قاطع. توقع نتنياهو أن تستخدم الولايات المتحدة الفيتو، وعندما تبين في الظهيرة نية الأمريكيين للمرة الأولى الامتناع عن التصويت وليس المعارضة، نشر مكتب رئيس الحكومة تهديداً استثنائياً: الوزير رون ديرمر ورئيس هيئة الأمن القومي تساحي هنغبي، لن يسافرا إلى واشنطن. رتب نتنياهو شخصياً خروج البعثة في محادثة هاتفية في الأسبوع الماضي مع الرئيس جو بايدن، بهدف علني، وهو تسوية الاختلافات في الرأي حول العملية في رفح. كان يمكن أن تكون هذه الزيارة الإسرائيلية الثانية الهامة لواشنطن هذا الأسبوع. هناك وزير الدفاع غالنت الذي يناقش مع مستضيفيه طلبات إسرائيل المستعجلة للحصول على مساعدات أمنية إضافية.

ليس مفاجئاً أن تهديد إسرائيل لم يغير موقف الرئيس. يبدو أن بايدن سيتدبر أمره أيضاً بدون هذه الزيارة. السؤال هو: كيف ستتدبر إسرائيل أمرها. تشعر قيادة جهاز الأمن بقلق كبير من تفاقم سوء العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل وتدهور مكانة إسرائيل الدولية. الخوف الذي يشارك فيه كل من يتولون المناصب الرسمية، هو من أننا في بداية إجراءات ستستمر سنوات، وسيكون من الصعب وقفها. وربما تعرّض إسرائيل للمقاطعة وتقديم ضباط للمحاكمة لـ “لاهاي”، وبرود العلاقات مع دول صديقة. نجح نتنياهو في إغضاب الإدارة الأمريكية وحكومات صديقة أخرى في الغرب خلال 15 شهراً من حياة حكومة اليمين المتطرفة التي شكلها في نهاية 2022. استياء الغرب ازداد مع ازدياد تعقد الحرب في غزة ورفض نتنياهو مناقشة التسوية السياسية لليوم التالي للحرب.

في المحادثات مع نظرائهم الإسرائيليين، اشتكت شخصيات أمريكية رفيعة من أنهم لا يعرفون ما يريده رئيس الحكومة، لكن الحقيقة أن رغبة نتنياهو واضحة جداً؛ ففي وضعه الحالي، البقاء السياسي قيمة عليا الآن، وإذا كان استمرار الحرب حتى من خلال الادعاءات المتزايدة ضد إسرائيل على خرق قوانين الحرب الدولية هو ما سيضمن بقاءه في الحكم، فهو مستعد لذلك. كل الوسائل مباحة، وضمنها تأخير آخر لعقد صفقة التبادل. هذا السلوك يثير الشكوك لدى معظم أعضاء مجلس الحرب تجاه خطوات نتنياهو فيما يتعلق بالعلاقات مع الولايات المتحدة، وفيما يتعلق بالعملية المخطط لها في رفح وبخصوص المفاوضات حول الصفقة.

ثمة بعثة مهنية إسرائيلية ما زالت في الدوحة عاصمة قطر من أجل المحادثات، ورؤساء أجهزة الأمن يتنقلون بين إسرائيل وقطر حسب التطورات. الآن، بعد أن أعطت إسرائيل رداً مبدئياً إيجابياً على اقتراح حل الوسط الأمريكي الأخير المتعلق بعدد السجناء الفلسطينيين الذين سيفرج عنهم مقابل النبضة الأولى التي سيتم فيها إطلاق سراح 40 مخطوفاً إسرائيلياً، فقد ردت حماس مساء أمس بالسلب. قالت حماس إنه مطلوب تنازلات أخرى من إسرائيل بخصوص وتيرة انسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع. من المرجح أنه قرار اتخذه رئيس حماس في القطاع يحيى السنوار.

قدمت حماس خلال السنين آلية اتخاذ القرارات الجماعية، التي تدمج قيادة الداخل (غزة والضفة) وقيادة الخارج وقادة السجناء في إسرائيل. ولكن منذ المذبحة، وللسنوار الكلمة الأخيرة، إذا لم يكن الوحيد، بسبب سيطرته على ورقة المساومة الوحيدة لدى حماس، وهي الـ 134 مخطوفاً. تعتقد إسرائيل أن تحقيق انعطافة سيستغرق وقتاً، ليس بسبب نتنياهو، بل لأن صفقة فيها تحرير مئات السجناء الفلسطينيين ربما تعرض استقرار الائتلاف للخطر. يعرف السنوار أنه تسبب للفلسطينيين في القطاع بكارثة فظيعة، نكبة 2، وللتغطية على ذلك، يحتاج إلى عرض إنجاز بارز في هذه الصفقة.

لم يرد رؤساء الأحزاب اليمينية المتطرفة في الائتلاف بعد على تطورات المفاوضات في الدوحة. ربما يعتقدون أنه لم يتم بعد إحراز أي تقدم جدي. في المقابل، بدأ الجيش الإسرائيلي والقيادة الأمنية، بدءاً بغالنت فما تحته، التوجه نحو دعم لبلورة صفقة تبادل أخرى، هذا يتعلق بالتزام أخلاقي يبرز على خلفية التخلي عن المدنيين في الغلاف يوم المذبحة والوقت الكبير الذي مر. وثمة اعتبار آخر يتعلق بالتقدير أن وقفاً لإطلاق النار لستة أسابيع لن يؤدي بالضرورة إلى إنهاء الحرب كما يتطلع الأمريكيون (جهات رفيعة في جهاز الأمن ستدعم استمرار القتال في القطاع إذا لم يتم إحراز أي اتفاق على نبضة ثانية لإطلاق سراح جميع المخطوفين).

هذه مواقف لا يُعبّر عنها بشكل علني. ربما هذا هو أحد أسباب النضال المتعثر لهيئة تحرير المخطوفين التي عانت أيضاً من تلاعب سياسي متعمد من مؤيدي نتنياهو. ظهر جو من الاستياء في الاعتصام الأسبوعي السبت في ميدان المخطوفين قرب متحف تل أبيب. بدأت المظاهرة كاحتفال حداد حاشد، وكان محفوراً على وجوه أبناء العائلات قلق ويأس في ظل غياب البشرى من قطر. يصعب التحرر من الانطباع أن نضالهم ما زال مؤدباً ولطيفاً، ولا ينجح في تحويل التعاطف العام الواضح إلى مصدر للضغط على الحكومة.

يستمر نتنياهو الآن في حملته الشاملة للتعرف على قوات الجيش الإسرائيلي. حتى إنه وصل أول أمس إلى الشرطة العسكرية ليقرأ وثيقة “استر” مع جنود كتيبة المعابر على خط التماس، بمرافقة رئيس قسم القوة البشرية في الجيش الإسرائيلي، الجنرال ينيف عاشور. وعد نتنياهو بتصفية السنوار كما تمت تصفية هامان الشرير، وكرر وعده باحتلال رفح في الطريق إلى الانتصار على الشر المطلق. لن يحدث هذا قريباً، دون صلة بالبعثة إلى واشنطن. الاستعدادات لرفح تحتاج لوقت طويل، وحتى الآن لم يُتخذ قرار نهائي. بشكل ما وفي صيغة الخطاب التي نشرت في وسائل الإعلام، لم يتم ذكر ضائقة المخطوفين وضرورة إطلاق سراحهم حتى ولا بكلمة واحدة.

في القطاع نفسه، لم تنته بعد العملية في مستشفى الشفاء. يستغل الجيش الإسرائيلي و”الشاباك” هناك مفاجأة عملية ناجحة. افترضت حماس و”الجهاد الإسلامي” لسبب ما أن إسرائيل لن تعود إلى شمال القطاع، وأنه يمكن إقامة قيادات عسكرية بشكل آمن في منطقة المستشفى. التقدم السريع للفرقة 162 أدى إلى حصار المنشأة حيث مئات المخربين المسلحين، إلى جانب المرضى والطواقم الطبية. خلافاً للعملية السابقة في تشرين الثاني جرى في هذه المرة إطلاق نار متبادل شديد في المستشفى إزاء رفض عدد من المحاصرين للاستسلام.

سمح الجيش الإسرائيلي بخروج المدنيين غير المشاركين من المستشفى واعتقل مئات المشبوهين الفلسطينيين الذين وافقوا على تسليم أنفسهم. بين المعتقلين حسب الجيش، هناك 500 ناشط معروف في المنظمتين. بعد خروج القوات الطبية، من المرجح أن يكون معظم المنشأة مدمرة بصورة تقتضي من إسرائيل تقديم تفسير للمجتمع الدولي. في المقابل، نشرت قناة “الجزيرة” أول أمس شهادات عن عمليات قتل واغتصاب نفذها الجنود ضد نساء من القطاع في المستشفى. وتبين أنها قصة مختلقة. وحتى إن القناة التي تستخدم في الحرب كأداة دعاية من قبل حماس، اضطرت للتراجع عندما اعترفت الشاهدة الأولى بأنها اختلقت هذه الأمور لرفع الروح القتالية في أوساط الفلسطينيين.

 هآرتس 26/3/2024

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية