في عيد الأم، ومهما كان تاريخه، كلنا نهفو لحضن أمهاتنا، إن كن على قيد الحياة لتقبيل التراب، الذي يمشين عليه، ولنرتمي في أحضانهن. نحن لا نحتاج أمهاتنا فقط، عندما نكون صغارا، بل كلما كبر الإنسان يكبر شوقه لوالدته ويعظم تشبثه بها، فإن فطمنا في عامين أو أقل، وشبعنا من حليب أمهاتنا، فلا يمكن أن نشبع من وجودهن في حياتنا، ونصبح متيقنين بعد أن نتمرغ في العالم الفسيح، أنه لا مكان آمنا سوى مكان فيه أمهاتنا، ولا أحد يلامس شغفنا وضعفنا ويقوينا سوى أمهاتنا. فكل الأيام أعياد بوجودهن، وبغيابهن تتغير الألوان والعلاقات، وطعم الأكل والماء، ويتقلص سقف الأحلام والطموح.
بعد فقدان الأب نتقوى بأمهاتنا، لكن بعد وفاة الأمهات من سيقوينا، فقد تهاوت الجدران وهبطت الأسقف. نصبح يتامى، ولو بلغنا من العمر عتيا، والصور التي ملأت وسائل التواصل الاجتماعي لمدونين من مختلف الأعمار والمستويات العلمية والثقافية، لإخراج بريق الذكريات مع بريق الصور، الذي تلهبه الأمهات، ليس سوى تعبير عن الأم الكائن المتدفق حبا وحنانا وعطاء، فكيف يمكن لإنسان ألا يحب أمه» وكيف لأحدنا أن يقهرها ويشقيها ويرمي بها في دور العجزة أو يطردها من بيتها؟! كل تلك الوحشة التي غلفت أعماق بعض الأبناء؟ كل واحد ومن على مواقع التواصل الاجتماعي، يريد أن يمتلك كل بلاغة الكلمات، التي تعبر عن معنى وجود الأم في الحياة وبركان الأشواق والحنين لها كل لحظة، وتوثيق وتحيين لحظات جمعته مع والدته ومربيته وحافظة سره ومالكة قلبه وجوارحه ومن تحس به قبل أن يتكلم، هكذا تكبر عقدة الذنب تجاه الأمهات، كلما كبرنا، فلا يمكن رد ديونهن مهما فعلنا. ومع هذا نشاطر العالم الظالم – الذي يتفرج في المباشر – على قتل النساء الحوامل واغتصابهن، بل كيف يصبر أطفال وشباب غزة على فقدان أمهاتهم في حرب الإبادة البشعة هذه؟ وما مصير أمهات فقدن فلذات أكبادهن، وكيف تصارع الأمهات الفلسطينيات في غزة كل مآسي ووجع فقد الأحباب وجوع الأبناء؟! وكيف يواجهن المجاعة، ومن يفتكهن من بشاعة الاغتصاب على الملأ؟!
نعتذر منكن سيداتنا وأمهاتنا: «اعذرونا أيتها السيدات المحترمات المناضلات المرابطات في غزة والضفة، وفي كل شبر من أرض فلسطين المحتلة، اعذرونا فقد خذلناكم وتركناكم في مواجهة الجوع والنار! كنا نظنهم على العهد، كما علمونا وأنهم سيناصرون ويؤازرون ويدفعون ظلم المعتدي، لكنهم خذلونا، الله معكن سيداتي، فكل يوم يكتب لكن فيه النجاة تسارعن للبحث تحت الأنقاض عن فلذات أكبادكن أو تستقبلون جثامين من استشهد بنيران المحتل، ومن استشهد جوعا.
عذرا أيتها الفاضلات، فلم يعد الوطن العربي كومة حطب قوية، فقد استفرد بها الأعداء عودا عودا. الله معكن يا من أنجبن الأبطال، وأعطين دروسا في الكرامة والتشبث بالأرض والحق والصبر والإيمان». هكذا دون عبد العزيز الصافي، على صفحته على فيسبوك، وختم تدوينته: «إن مع العسر يسرا وفرج الله قريب، فأنتن الربيع، وبكن ستخضر الأرض من جديد وتزهر حرة وكرامة وياسمينا وزعترا وزيتونا.»
محمد باسو: الفن الهادف يوصل السجن
مع كل الجدل ودعوات لمنع ومقاضاة بعض الأعمال الدرامية الرمضانية في بلدان المغرب والمشرق، إلا أن الفن الذي يقدم رسالة ويثني عليه الجمهور العريض، لا يمر مرور الكرام أيضا، وقد يوصل صاحبه إلى ما وصل إليه «سنمار»، أما القضاء والغرامة المالية، وأما السجن، وهذا ما يتعرض له الفنان «محمد باسو» في المغرب من خلال سلسلة «سي كالة» كفن مواز على قناته على «اليوتيوب» والذي استطاع أن يتصدر قائمة المشاهدات المليونية. وقد أشاد بعمله الجمهور العريض، وأهل الفن كالممثل محمد الشوبي، كما جاء على صفحة «ميد راديو»، وعبر الشوبي عن إعجابه بمحتوى السلسلة، وكذا طريقة معالجة باسو لقضايا اجتماعية في قالب كوميدي وساخر.
ونشر على حسابه الرسمي على فيسبوك تدوينة يتوجه فيها برسالة إلى «باسو» الكوميديا السوداء في أبهى حللها. طريقة الانتقال من موضوع لآخر مثالية وواعرة».
وتابع: «السخرية كتابيا حاجة جد نادرة،». ووصفه بالكوميدي العظيم. وأضاف: « نظن أنه لا نقاش كونه هو الأفضل في الساحة وليس هناك منافس له. يناضل ويدافع ويوصل الصوت بطريقته، من خلال الفن».
ويختم إشادته بعبارة: «برافو برافو «باسو» الله يعطيك الصحة».
وهناك من ربط ما يقدمه، ومن مثله بمعاناة وحرمان وتهميش، مثل ما ذهب إليه محرز عبد الجليل من خلال تدوينته على صفحته قائلا: «الفن يخرج من رحم المعاناة. الثنائي المنفصل «باسو» و»طاليس» قاسمهما المشترك هو الانتماء للهامش بعيدا عن المركز، وللمغرب غير النافع بعيدا عن المغرب النافع، ووسيلتهم الأساسية في الإعلان الصارخ عن الوجود وإثارة الانتباه لهذا الوجود المهمش هو الفن في شقه الفكاهي». ويتابع: «هذه الفكاهة كان لا بد أن تكون سوداء وواعية برسالتها الفنية الإنسانية النبيلة ومعطرة بجرعة قوية من الجرأة الأدبية. فهل كان ولا بد من وجود المعاناة كشرط لوجود فن ملتزم وراق»؟
وفي نهاية المنشور يقول «باسو وطالس وجهان لعملة واحدة، والمغرب الشرقي جزء من هذا الوطن، والمطلوب عدالة مجالية واجتماعية والتوزيع العادل للثروة من أجل تنمية بشرية وإنسانية مستدامة».
بينما هناك من شبه سلسلة «سي الكالة» بـ»تسونامي»، كما جاء في صفحة «مغربية نيوز» فهناك من وجد أن العتب على من يتابع «باسو» وأمثاله حيث جاء في تدوينة حمزة الحزين «للأسف الي يضحك علينا بكلمتين ننفخ فيه ونتوجه بطلا، لأننا ضعاف ونعلق فشلنا على الممثلين، نصفي حساباتنا مع الإذاعة».
وحول اختلاف المواقع والآراء لا يسعنا القول سوى و»للناس في ما يعشقون مذاهب».
كاتبة من الجزائر