مع بدء حلول شهر رمضان المبارك انتشرت التكيات الخيرية بين خيام النازحين في مختلف مناطق قطاع غزة، ويعمل القائمون على هذه التكيات على إعداد الطعام وتوزيعه قبل الإفطار على المواطنين الذين يتضورون جوعاً ويفتقدون لإمكانية إعداد الطعام داخل الخيام البدائية التي يقيمون فيها في ظروف صعبة، مع تراجع إدخال المساعدات وعدم توفر غاز الطهي إلى جانب صعوبة الأوضاع المادية أن توقف العمل بفعل الحرب المستمرة.
ويأتي شهر رمضان هذا العام كضيف ثقيل على قطاع غزة بالرغم من أنه شهر البركة والخير، حيث يتعرض المواطنون لحرب إسرائيلية مدمرة شتتتهم ودفعتهم لترك منازلهم قسراً تحت نيران القصف الجوي والمدفعي على مساكنهم، الأمر الذي دفعهم للهرب وإنشاء خيام من القماش جنوب قطاع غزة، وازداد اليأس لا سيما وسط النازحين من فشل جهود التفاوض للوصول إلى حلول تقضي بالســــماح لعودتهم إلى ديارهم قبل شهر رمضان.
وتقوم فكرة التكية على تقديم جهات خيرية ومتبرعين أفرادا أو مؤسسات لدعم مالي لأشخاص، يقومون بدورهم بإنشاء تكية شعبية لتحضير الطعام وتقديمه للفقراء والمحتاجين، ويحرص القائمون عليها على التنويع في وجبات الطعام يومياً، في ظل الإقبال الواسع عليها من قبل المواطنين، وتعد مؤسسة «وورد سينتر كيتشن» الدولية، من أكبر المؤسسات التي أنشأت عدة تكايا في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، حيث تقدم من خلالها وجبات من الطعام المختلف لأكثر من 12 ألف عائلة يومياً، عدا عن توفير طرود غذائية تحتوي غالبيتها على الأواني البلاستيكية المخصصة لسكب الطعام، حفاظاً على سلامة النازحين من نقل الأمراض بينهم.
وتصنف العديد من المنظمات الدولية قطاع غزة بالمنطقة الأسوأ بسبب المجاعة الكبيرة التي يتعرض لها السكان ومنهم المحاصرون شمال القطاع والذين يتعرضون لمجاعة حقيقية أدت إلى فقدان العديد منهم حياتهم، ووفق تقرير صادر عن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، تقول فيه المديرة الإقليمية للبرنامج في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كورين فلايشر، يعيش قطاع غزة أسوأ أزمة غذائية في تاريخه الحديث، حيث حولت الصراعات الطويلة والأزمات الاقتصادية شعيرة الصيام في هذا الشهر إلى واقع يومي صعب لملايين الناس، وتوضح أنه وبعد مرور 6 أشهر على أزمة غزة، أصبح سكان القطاع المحاصر بالكامل في حاجة ماسة إلى المساعدات الغذائية، إذ يوجد أكثر من نصف مليون شخص في مستويات كارثية من الجوع، فيما يزداد خطر تصاعد المجاعة يوماً تلو الآخر.
في منطقة مواصي رفح القريبة من الحدود الفلسطينية مع مصر، التي تضم أكثر من 300 ألف نازح يعيشون في ظروف هي الأسوأ على الإطلاق، شرعت العديد من المؤسسات الخيرية المحلية والدولية بالعمل على التمويل وإنشاء العديد من التكيات داخل المنطقة لسد جوع النازحين الذين تقطعت بهم السبل ولم يجدوا مخرجاً من الواقع الصعب الذي يواجهونه، هذه المنطقة ليست الوحيدة التي تنتشر بها التكيات، بل أن كافة مناطق جنوب القطاع وبعض مناطق الشمال، فيها تكيات لإعداد الطعام وتوزيعيه على المحتاجين. المواطن خالد أبو كويك دشن برفقة مجموعة من الأشخاص من أهالي المخيم الذي نزح إليه في منطقة مواصي رفح تكية بدعم من أهل الخير، حيث يعمل يومياً على إعداد الطعام للنازحين في المخيم الذي يأوي الفارين من الجوع والقتل.
يقول أبو كويك لـ«القدس العربي» إن التكية الخيرية تعتبر بمثابة نافذة أمل لآلاف الذين يجدون صعوبة في توفير لقمة عيشهم يومياً بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة، عدا عن الارتفاع الجنوني في أسعار المواد الغذائية في الأسواق والمحال التجارية، لذلك جاءت فكرة إنشاء التكية. ويوضح أن التكية انطلقت في العمل مع بداية شهر رمضان، وهناك وعود من المتبرعين من أهل الخير على الاستمرار في العمل حتى بعد انتهاء الشهر الفضيل، نظراً لحاجة الناس الماسة للحصول على الطعام مع صعوبة توفيره، حيث يبدأ الفريق بتحضير الطعام يومياً من قبل العصر حتى قبيل موعد أذان المغرب بساعات قليلة، ليتم توزيعه على النساء والأطفال الذين يصطفون بطوابير طويلة.
ولفت إلى أن العمل في التكية يواجه صعوبات كبيرة، «لكننا نحاول تحدي الصعوبات وتجاوزها أملاً في رسم البسمة على وجوه الصائمين الذين يتضورون جوعاً، ومن أبرز الصعوبات اعتماد التكية على الحطب في طهي الطعام لعدم توفر الغاز، إلى جانب عدم توفر الخضروات الأساسية الخاصة بإعداد بالوجبات وارتفاع أسعار العديد من السلع الغذائية، وهذا الارتفاع يحد من إمكانية زيادة كمية الوجبات وتغطية التوزيع لأعداد كبيرة».
ورصدت «القدس العربي» أعدادا كبيرة من الأطفال والنساء والشبان مع قرب موعد الإفطار يتنقلون بين الخيام بحثاً عن التكيات التي تصنع الطعام، حيث يحاول هؤلاء جمع أكبر قدر من الوجبات من أجل سد رمق جوع أطفالهم، خاصة وأن العاملين في التكيات يقدمون وجبات تكون في الأغلب قليلة، لتغطية أكبر عدد من المحتاجين.
النازح أبو معاذ يجول برفقة أحد أبنائه بين الخيام لجمع الطعام وتحضير وجبة الفطور لعائلته التي تنتظر عودته وما رزق من طعام.
يقول أبو معاذ لـ«القدس العربي»: «لم أتوقع في يوم من الأيام أن يصل الحال لأن أبحث عن الطعام بهذه الطريقة لسد جوع أفراد عائلتي، لكن هذا ليس عيباً في ظل الواقع الصعب الذي يتعرض له مئات الآلاف من النازحين الذين تقطعت بهم السبل ووصلوا لهذا الحال الذي لم يتوقعه أحد، حيث توقف العمل ومصدر الدخل، عدا عن الغلاء الفاحش في الأسعار».
ويرى أن التكيات حافظت بشكل كبير على منع وصول المواطنين إلى مستويات خطيرة من الجوع، بعد أن ساعد انتشارها الواسع في جميع مناطق قطاع غزة على إيصال الطعام للعائلات يومياً، فهناك عائلات لم تعد قادرة على الحصول على رغيف واحد من الخبز، فكيف لها أن توفر وجبة طعام سعرها مضاعف عما كانت في الأيام الطبيعية؟