بيروت- “القدس العربي”:
بقيت الجبهة الجنوبية مشتعلة في عطلة عيد الفصح، ولم تشهد أي تهدئة، لا بل إن الضربات طالت في حادثة غامضة السبت دورية تابعة لقوات “اليونيفيل” في جنوب لبنان قرب النقطة B37 على الخط الأزرق، ما أدى لإصابة ثلاثة ضباط أحدهم أسترالي والآخران من تشيلي والنرويج، ومترجم مدني لبناني، إصابة أحدهم حرجة.
كما طال القصف أحد السواتر في مركز الجيش اللبناني في عيتا الشعب من دون تسجيل إصابات. وفي وقت فتحت “اليونفيل” تحقيقاً في مصدر القذيفة، وشددت على “وجوب ضمان سلامة وأمان موظفي الأمم المتحدة بموجب القانون الإنساني الدولي”، نفى المتحدث باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي استهداف أي سيارة تابعة لـ”اليونيفيل” في رميش.
وقد استنكر رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي التعرض الخطير لقوات “اليونيفيل”، وأجرى اتصالاً بالقائد العام للقوات الدولية الجنرال أرولدو لازارو، معبّراً عن تضامنه وإدانته لهذا الحادث الخطير، فيما باشرت وزارة الخارجية تحضير شكوى عاجلة إلى مجلس الأمن الدولي، واستنكرت بأشد العبارات “هذا الاعتداء المخالف للقانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني، لا سيما لجهة استهداف حماة السلام من موظفي الأمم المتحدة، بعد مسلسل استهداف الصحافيين، والمسعفين، والأطفال، والنساء، والمدنيين”.
وعلى وقع اشتداد المواجهات في جنوب لبنان، حذّر وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه من أن “أي مواجهة بين حزب الله وإسرائيل ستجعل كل الأطراف خاسرة”، فيما تحاول الولايات المتحدة التوصل إلى “حل دبلوماسي لتجنيب جنوب لبنان أي صراع طويل” بحسب ما أكدت وزارة الدفاع الأمريكية، التي قالت إن “أمريكا لا تُريد أن يتوسّع الصراع ولا أي صراع إقليمي”.
وكان الطيران الحربي الإسرائيلي في عطلة الفصح، قد استهدف بلدة الطيبة وأحياءها لجهة العويضة بسلسلة غارات، ما أدى إلى تدمير 3 منازل من دون تسجيل إصابات بشرية. وشن غارتين متتاليتين على الناقورة مستهدفاً المنازل السكنية، كما أغار على بلدة حانين في قضاء بنت جبيل وعلى أطراف شيحين والجبين.
وطال القصف المعادي أطراف بلدات مارون الراس ويارون وبليدا والناقورة وطيرحرفا ومحيط حمامص والخيام والضهيرة، وأطلقت دبابة إسرائيلية قذيفة استهدفت منزلاً في بلدة يارين.
في المقابل، أعلن حزب الله عن استهداف تحركات لجنود العدو وآلياته العسكرية داخل موقع المالكية ومحيطه، وفي موقع الراهب ومستعمرة “أدميت” وعن قصف ثكنة راميم بصاروخ بركان، وقاعدة خربة ماعر بالأسلحة الصاروخية، وكذلك موقعي الرادار ورويسات العلم في مزارع شبعا. كما نفّذ هجوماً بمسيرات انقضاضية على على مقر قيادة اللواء الغربي في “يعرا” معلناً إصابة الأهداف بدقة.
وقد تناقل ناشطون على مواقع التواصل، مقطع فيديو لأمين عام حزب الله، حسن نصرالله وهو يتكلم بتأثر وبصوت مخنوق في ليلة القدر عن شهداء الحزب الذين يسقطون في جنوب لبنان خلال المواجهات مع إسرائيل، مستذكراً رغبة الذين نالوا الشهادة بعدما كانوا يطمحون إليها، وقد تفاعل الجمهور مع نصرالله وبكى العديد منهم.
وفي انتظار كلمة أمين عام حزب الله في “يوم القدس” الجمعة المقبل، فإن البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، رفع الصوت في رسالة الفصح، وتطرّق إلى الوضع في الجنوب وإلى تعطيل الاستحقاق الرئاسي والنزوح السوري، قائلا: “هذا الجنوب هو اليوم قلب لبنان، لأنه في أقصى المعاناة وأقساها، فنحيي الجنوبيين الصامدين في بلداتهم وقراهم تحت دوي القصف، نحيي كل الذين فقدوا أحباء لهم، والذين دُمَرت بيوتهم، والذين تشردوا لاجئين إلى مناطق أخرى”.
وأكد “وجوب ألا يتحول جنوبنا من أرض وشعب إلى ورقة يستبيحها البعض على مذبح قضايا الآخرين وفي قواميس حروب الآخرين. فجنوب لبنان بل كل أرض لبنان هي لكل اللبنانيين الذين يقررون سوياً ومعاً مستقبل وطنهم وسلامه وأمنه ومتى يحارب، ولأجل من يحارب. فندعو اللبنانيين إلى كلمة سواء تعلن وقف الحرب فوراً ومن دون إبطاء، والالتزام بالقرارات الدولية ذات الصلة، لا سيما القرار 1701، وتحييد الجنوب عن آلة القتل الاسرائيلية وإعلاء مفاهيم السلام والقيامة على سواها من المفاهيم المغلوطة”.
وفي موضوع الانتخابات الرئاسية، حمّل الراعي رئيس مجلس النواب نبيه بري، مسؤولية عدم انتخاب رئيس بقوله: “هذا المجلس النيابي بشخص رئيسه وأعضائه يحرم عمداً ومن دون مبرر قانوني، دولة لبنان من رئيس، مخالفاً الدستور في مقدمته التي تعلن أن لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية، وفي طريقة انتخابه بالمادة 49، وفي واجب انتخابه قبل نهاية عهد الرئيس الحاكم بالمادتين 73 و74، وفي فقدان المجلس صلاحيته الاشتراعية ليكون فقط هيئة ناخبة بالمادة 75. فلا يوجد بكل أسف أي سلطة تعيد المجلس النيابي إلى الانتظام وفقاً للدستور. وبالنتيجة مؤسسات الدولة متفككة والشعب يعاني ويفقد الثقة بجميع حكامه. ونسأل: أين الميثاق، وأين العنصر المسيحي الأساسي في تكوين الميثاق الوطني؟”.
وأضاف: “من المشاكل الأساسية ذات المخاطر، النزوح السوري الذي يتكاثر يوماً بعد يوم بشكل مخيف، فكيف يمكن أن تكون أرض واحدة لشعبين؟ فأرض لبنان هي للبنانيين، وأرض سوريا للسوريين. ويكلمنا المجتمع الأوروبي بالدمج، فيما هو يقفل حدوده بوجههم. أي عنصر إيجابي للدمج؟ لا الروح، ولا الثقافة ولا التاريخ، ولا الحضارة، ولا العادات، ولا السياسة، ولا التربية، ولا الحاجة. نحن نقول لإخواننا السوريين: لا تستهويكم أرض لبنان، بهوائها وجمالها وطبيعتها وإمكانيات العمل فيه، فتضحوا بوطنكم سوريا بتاريخها، وتقاليدها وحضارتها. فلا تتركوها للعابثين بها”.
وقد امتنع رئيس مجلس النواب نبيه بري عن الرد على البطريرك الراعي، وأوضحت مصادر عين التينة “أن الرئيس بري لن يسمح بأن تتحوّل الأزمة الرئاسية إلى شيعية مسيحية”.
وقال بري لمناسبة عيد الفصح “بين زمنين التاريخ يعيد نفسه “فلسطين” ودرب الآلام هو هو… لا ينتهي…معبّد بالأحزان والأوجاع والخطايا وبدماء الشهداء وبعيون إلى السماء والصوت والصدى من بين ركام المعمدانية في غزة “أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون، وإذا اقتسموا ثيابه اقترعوا عليها”.
وأضاف: “لان الفصح يمثل يوم الفداء وكل عناوين الأمل والقيامة والرجاء مدعوون للتأمل والاقتداء بكل المعاني التي تمثلها هذه المناسبة المجيدة وسواها من المناسبات السماوية المباركة التي تلاقت وتكاملت هذا العام لتؤكد بما لا يدع مجالاً للعازفين على وتر التفرقة الطائفية والمذهبية بأن الأديان كانت لأجل كرامة الانسان. مدعوون في الفصح كما في ليالي القدر المباركة إلى التأمل والتعلم من غفران السيد المسيح بالابتعاد عن الخطيئة وعن التشكيك”. وختم بري: “للصامدين والمقاومين في القرى والبلدات الحدودية اللبنانية مع فلسطين المحتلة… لبيت المقدس… وبيت لحم… وكنيسة القيامة لغزة ووجهها المدمّى، لأبنائها السائرين على درب الجلجلة، هناك في كل تلك الأمكنة يسطع الحق والحقيقة.. “فلنعرف الحق فالحق يحررنا”.
غير أن المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، تولى بنفسه الرد على البطريرك الراعي، معتبراً أن “الميثاق شراكة وعقيدة وطنية، والبلد بقلب أقدس حرب إلا لمن لا يهمّه لبنان، وكما يخوض الرئيس نبيه بري المعركة السيادية على الجبهة الجنوبية، يخوض معركة الشراكة الوطنية بالمجلس النيابي بأكبر مقاييس وطنية ودستورية، ومعركة القرار والشراكة الوطنية ليست أقل من الملحمة السيادية التي يخوضها الثنائي المقاوم على الجبهة الجنوبية، والجنوب وأهل الجنوب أبطال الحروب وأسياد مصالحها الوطنية، وبلا الجنوب وأهل الجنوب لا يبقى للبنان وجود”.
وقال: “الحرب حرب مصالح لبنان الوطنية لأننا قوم لا نعمل بالارتزاق ولا نتلقى الأوامر من أحد، وما تقوم به المقاومة وأهل الجنوب دفاع استراتيجي حتى لا يشرب نتنياهو الشاي في قصر بعبدا”، وختم: “للتاريخ أقول بحق: لبنان هبة المقاومة، لولا المقاومة لم يبق من لبنان إلا مستوطنات تجترها أنياب الصهيونية”.
من ناحيته، اعتبر رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد أن “حرباً نفسية تمارس على شعبنا وعلى شعوب المنطقة مفادها أن العدو يتنمر على كل شيء ومدعوم من كل القوى ويستطيع أن يحقق ما يريد والدليل على ذلك هو عدد الشهداء وارتفاع معدلاتهم”، ورأى “أن المسألة تُقيّم بالنتائج والعدو يريد أن يستخدم هذا الألم والوجع الذي يصيبنا من أجل أن يثَبط عزائمنا ومن أجل أن يشير إلى أننا لم نعد قادرين على الصمود والمواجهة، ونحن نقول سنرى النصر بأعيننا وسيكون على المستوى الراهن التكتيكي وعلى المستوى الإستراتيجي البعيد الأمد. نحن في هذه المواجهة كان هدفنا أن نسقط أهداف العدوان”، سائلاً “الآن أين هي أهداف العدو؟ كل ما يستطيع أن يسجله هذا العدو أنه قتل ودمر لكنه لا يستطيع أن يقول إنه حقق الأهداف التي خرج من أجلها”.