في الساعات الأولى من يوم أمس الأحد وإثر خروج آلاف الأردنيين للتظاهر في ضاحية الرابية قرب السفارة الإسرائيلية في عمان تضامنا مع قطاع غزة، فضّت قوات الأمن الفعاليات معتقلة مئات الناشطين والناشطات من المشاركين، كما اعتقلت مجموعة من النشطاء من منازلهم.
كانت المسيرات، قبل الحدث الأخير، قد تواصلت لليلة السابعة على التوالي، وبدأت الحملة الأمنية قبل يوم مع اعتقال اثنين من قياديي القطاع الشبابي في «جبهة العمل الإسلامي» أحدهما في مكان عام والثاني في موقع عمله بعمّان، وكان بين معتقلي اليوم التالي ناشط نقابي، وباحث في شؤون القدس، وناشطات نساء.
أشار أحد الكتاب الأردنيين، من جهة، إلى ضرورة استمرار الفعاليات كونها تعبّر أصلا عن موقف السلطات الأردنية من الإبادة الجارية في غزة، مع الحاجة إلى منع ركوبها من قبل اتجاهات سياسية، لخدمة أهداف ومصالح خاصة طامحين لشغر مجلس نيابي، أو حتى لأناس يرغبون في مزيد من الإعجابات على وسائل التواصل الاجتماعي، فيما أشار آخر إلى غياب الأحزاب الوطنية عن التأثير في الشارع، مما يفسح المجال لتسميم الهتافات وحرفها عن «أهدافها الوطنية».
أحد الأمثلة التي تمت الإشارة إليها هو استبدال اسم الملك في أغنية «يا بيرقنا العالي عبد الله الثاني» باسم أبو عبيدة، الناطق الصحافي باسم حركة «حماس» وهو ما حول المظاهرات، حسب كاتب آخر «منصات لتجريح الدولة وتخوينها» وعليه فقد طالب أيضا بالتدقيق في «الأطراف المشاركة التي تتقدم الصفوف».
أحد الآراء توجّه صراحة إلى اتهام «الإخوان المسلمين» ومن صنعوا «ما يسمى بالربيع العربي» منجرين، «وراء مشروع أمريكي مدعوم من دول إقليمية لصياغة إنتاج ديمقراطيات إخوانية»!
معلوم طبعا أن الأردن يعاني صعوبات سياسية واقتصادية واجتماعية كبرى نتيجة وجوده بين قوتين جغرافيتين عربيتين تحوّلتا إلى ما يشبه «الثقب الأسود» الجاذب للفوضى والعدم، العراق وسوريا، إضافة إلى إسرائيل الضاغطة بشكل هائل على الداخل الأردني، عبر إجرامها الوحشي في القطاع حاليا، وكذلك عبر خططها لتهويد القدس وابتلاع الضفة الغربية بعد غزة،
يشير استهداف حزبيين ونقابيين وناشطين وناشطات، بداية، إلى مخاوف من قبل الأجهزة الأمنية من تسييس المظاهرات، كما تشير الآراء الصحافية، وما يرد من تعليقات على وسائل التواصل، إلى مخاوف أخرى من تحوّل الكره الشعبي لإسرائيل، والتعاطف مع الفلسطينيين، إلى انتقاد الدولة الأردنية، وتحميلها مسؤولية ما في ما يجري في فلسطين، مما يفتح المجال لإمكانية تأجيج أوار الخلافات ضمن الشارع الأردني ويهدد الوضعية الأمنية (الهشّة) في الأردن.
آخذين في حسابنا القلق (الصحيح أو المبالغ فيه) على أمن الأردن، فمن الضروري القول إن ازدياد المظاهرات، بعد هدوئها لعدة أسابيع، سببه، على الأغلب، الإحباط الشعبي الذي تسببت به مواقف إسرائيل الرافضة لهدنة في رمضان، واستمرار الإبادة الجماعية ضد أهالي غزة، والدعم الأمريكي المتواصل لإسرائيل.
تهافت الكلام «الأمني» عن «مشروع أمريكي لديمقراطيات إخوانية» لا يستحق النقاش، فاشتداد ساعد الديمقراطية هو في صالح أي دولة رشيدة، والتركيز لا يجب أن يكون على «ارتفاع سقف» الشعارات بل على سلميتها وحقها في التعبير، أما قمع المظاهرات فهو التهديد الحقيقي لأي بلد.