ماكرون والسيسي وعبدالله الثاني… معاتبة للاحتلال

حجم الخط
0

المقال الذي نشره القادة الثلاثة ماكرون والسيسي وعبد الله الثاني، ممكن أن نسميَهُ رسالة عتاب قاسية نوعاً ما إلى أصحاب القرار في دولة الاحتلال، وليست رسالة بحجم جرائم الحرب المرتكبة، وهي تشبه التحذير لصديق قديم وقع بينهم وبينه سوء تفاهم، وبمعنى آخر، لقد زودتها فأحرجتنا، يعني أخذت فرصة ووقتاً كافيين لتنفيذ مهمتك، ولكنك تكاد تورطنا معك، فما تفعله لم يعد مقبولاً، وهو أكثر من قدرتنا على التجاهل والامتصاص، يعني قتل وجرح أكثر من مئة وعشرين ألف إنسان معظمهم من المدنيين والأطفال، لم يعد مقبولاً!
جاء في المقال ما معناه أن احتلال رفح التي لجأ إليها أكثر من مليون إنسان سوف يسبب المزيد من الضحايا والمعاناة، أي أنه ليس جريمة حرب أخرى يمارسها الاحتلال استمراراً وتوسيعاً لحرب الإبادة!
عبد الفتاح السيسي الذي يشترك في هذا المقال له مساهمته في بداية الحرب في تشجيع نتنياهو على ما ارتكبه، فقد تطوع واقترح عليه أن ينقل «الفلستينيين» إلى النقب وليس إلى سيناء، ومن ثم أن يقضي على من سماهم «الجماعات المسلحة»، اقتراحه هذا يعني الموافقة المبدئية على إخراج مئات آلاف الناس من بيوتهم إلى خيام، إلى معسكرات تركيز، تحيط بها جدران من الأسلاك الشائكة، وكان تصريحه هذا قد أتى بعد إعلان قادة الاحتلال المدنيين والعسكريين أنه لا يوجد أبرياء في قطاع غزة، ولن يدخل ماء ولا وقود أو غذاء، أي أن النوايا بارتكاب جرائم حرب كانت معلنة. موقف السلطات المصرية من انخفاض أعداد الشاحنات المحملة بالمساعدات التي دخلت إلى قطاع غزة، والتي تقلصت في بعض الأيام إلى بضع شاحنات، وفي بعض الأيام إلى الصفر، إضافة إلى السماح لشركة مقربة من النظام بالسمسرة وجباية الإتاوة على كل شاحنة وقلة المواد، رفعت الأسعار بصورة خيالية داخل القطاع لجمهور محاصر وتعيش أغلبيته تحت خط الفقر، إضافة إلى أن تأخير المواد الغذائية يؤدي إلى إفسادها، والقصف العشوائي على نقاط توزيع المواد الغذائية الذي يشكل جريمة حرب مضاعفة.

التركيز على الجانب الإنساني في المطالبة بوقف إطلاق النار، اعتراف خجول بحق الاحتلال بما يقوم به، ويتجاوز الرفض الحازم للاحتلال بصفته أساس البلاء والكوارث للشعبين

رغم كل ما حدث، لم يلمح لا الملك عبد الله ولا السيسي إلى أن حرب الإبادة قد تؤثر سلباً على اتفاقات كامب ديفيد ووادي عربة، لم يتحدثا ومعهما ماكرون عن ضرورة معاقبة مجرمي الحرب، حسب الشريعة الدولية، إلى أن دخلت جنوب افريقيا على الخط، وفضحت النظام الدولي بقيادة أمريكا المتواطئ مع حرب الإبادة. التلكؤ العربي في موقف صريح وحازم مثّله رئيس أكبر دولة عربية، وقد تعامل الإعلام المصري الرسمي مع حرب الإبادة ككارثة طبيعية «يجب أن لا تحدث» و»غير مقبولة»، في لغة أقرب إلى العتاب منها إلى الموقف الرافض الذي يفترض أن يكون حازما ويعكس المشاعر الحقيقية للشعب المصري، وليس لبعض صحافيي البلاط الذين يرددون أسطوانة مشروخة» اللي عايز يحارب إسرائيل يروح يحارب، أهو البحر مفتوح»، في تبرير للموقف المنخفض جدا للنظام، فلا أحد يطالب مصر أو غيرها بالحرب. ما يجري في رفح حالياً هو جريمة حرب كبيرة، وحتى من دون حملة عسكرية واسعة ولا غارات، إذا افترضنا أنه لا يوجد جوع في الجنوب، فالأمراض تهدد مئات آلاف النازحين الذين يعيشون في اكتظاظ هائل، وفي ظروف صحية خطيرة، فالمجاري مفتوحة في الشوارع والطُرق، فالمضخات لا تعمل بصورة منتظمة، بسبب عدم توفر الوقود بصورة منتظمة إضافة إلى القصف والخدمات الطبية شبه مشلولة. الحديث عن حل الدولتين كما جاء في المقال، هو هروب إلى الأمام وتنصل من مسؤولية ما يجري على أرض الواقع من مذابح على مدار الساعة، هذا يعني التشمير لعبور النهر قبل وصوله بستة آلاف وخمسمئة كيلومتر. الضغط الذي مارسه الشعب الأردني في عمان أمام سفارة إسرائيل، له أثرٌ كبير، ويرى فيه إسرائيليون كثيرون أنه بات يهدد ما أنجزه أسلاف نتنياهو من اتفاقات سلام، نعم هذا الضغط يُؤخذ بالحسبان أمريكياً ودولياً وإسرائيلياً، ويمنح دفعة لمعارضي نتنياهو، وكذلك يمنح شعوراً لدى المحاصرين في قطاع غزة، بأن الأمة فيها خيرٌ.
التركيز على الجانب الإنساني في المطالبة بوقف إطلاق النار، هو اعتراف خجول بحق الاحتلال بما يقوم به، ويتجاوز الرفض الحازم للاحتلال بصفته أساس البلاء والكوارث للشعبين، وحتى لشعوب المنطقة، فالاعتراض هو على الظروف الإنسانية وليس على الفعل ذاته، وعلى أصوله وتداعياته، وهذا يعني أن ما قام به نتنياهو مشروع، لولا أن هناك مبالغة في التنفيذ تؤدي إلى معاناة إنسانية، وهذا إقرار يسجل لصالح نتنياهو بعزل ما حدث في السابع من أكتوبر عن ما سبقه من حملات عسكرية وحصار طويل منذ سبعة عشر عاما ونكبة مستمرة منذ سبعة عقود. وصف القادة الثلاثة الخسائر البشرية بأنها «لا تطاق مؤكدين على الحاجة الملحة لوقف إطلاق نار في القطاع، وأن اجتياح رفح يهدد بتصعيد إقليمي». الخسائر البشرية التي لا تطاق بتقدير اليونيسيف هي أكثر من ثلاثة عشر ألف طفل قتلوا، إضافة إلى آلاف المشوهين وآلاف الأيتام والمشردين. فعلا لا يطاق، يعني يا إسرائيل «زودتيها حَبتين»! والأمر بات غير قابل لغض الطرف عنه، خصوصا أن الإعلام لم يبق محصوراً في القنوات الرسمية العربية، ولا بإعلاميين مثل أحمد موسى، ولا بشيوخ السلاطين، ولا بفضائية «العربية»، ورغم قتل هذا العدد الهائل من الصحافيين غير المسبوق في تاريخ هذه المهنة، ورغم حجب فضائيات ومواقع كثيرة في مصر وغيرها من دول عربية، فإن ناشطي وسائل التواصل المؤثرين فضحوكم، وأحرجونا، وما يحدث في فلسطين بات حديث شعوب بعيدة جداً، فما بالكم بالشعوب العربية التي تسمع الانفجارات وترى دخان الانفجارات بالعين المجردة! هكذا فإن الزعماء الثلاثة تجنبوا أو لم يريدوا وصف مقتل ثلاثة عشر طفل فلسطيني بأنها جرائم حرب! استرضاء لمن؟ وخشية من إغضاب من؟ نتنياهو ـ أم ماكرون أم بايدن أم سوناك!
قنوات التطبيل والتضليل التابعة للأنظمة تعتبر أن دعوة الجماهير إلى الضغط على حكوماتها، دعوة لزعزعة استقرار البلد، وهذا غير صحيح، بل هو تحريض دموي على المتظاهرين وعلى حق المواطن العربي، فلا أحد من المتظاهرين في عمان ولا في القاهرة أو الرباط أو في مكة يريد زعزعة النظام في بلده، لكنه يريد ممارسة حقه في رفض المحرقة مثل السويدي والنرويجي والأيسلندي والبريطاني، ومثل مواطني تشيلي وكولومبيا وجنوب افريقيا وفنزويلا، أن يمارس حقه المشروع كإنسان وليس فقط كمواطن عربي.
في الخلاصة، فإن مقال الثلاثي المشترك ماكرون السيسي وعبد الله، هو أقرب إلى العتاب منه إلى موقف أكثر جدية يليق بهذه الدول الثلاث، ولا يرتقي إلى جلال الحدث وخطورته على شعوب المنطقة على المدى القريب والبعيد.
كاتب فلسطيني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية