حجم العناية الروسية والحراسة المشددة للحسن سيغضب الكثير من القادة العسكريين والأمنيين أما رؤية موكبه بشكل يومي فسيزيد من أعدائه وسيفتح باب الصراع معه بطرق وأشكال مختلفة.
أفادت صفحات موالية لنظام الأسد على مواقع التواصل الاجتماعي بتعيين اللواء سهيل الحسن الملقب بـ«النمر» قائدًا للقوات الخاصة في جيش النظام، والحسن الذي قاد ما كان يعرف سابقًا بـ«قوات النمر» والتي أصبحت فيما بعد «الفرقة 25- قوات خاصة» رجل روسيا الأبرز داخل مؤسسة الجيش والقوات المسلحة السورية.
وحسب مواقع موالية، فقد أصدرت وزارة الدفاع جدول تعيينات وتنقلات لعدد من الضباط شمل تعيين اللواء نضال دليلة قائدًا للفرقة الثالثة، واللواء حسين تليجة رئيسا لأركان القوات البحرية، واللواء محمد نيوف رئيس أركان للفيلق الثالث، واللواء آدم فياض قائدًا للفرقة 18 دبابات (عين في منصب نائب قائد الفرقة في آذار/مارس 2023) المنتشرة بريف حمص الشرقي، بالإضافة لتعيين اللواء سهيل فجر حسن قائدًا للفرقة 15 «قوات خاصة» المنتشرة في محافظة السويداء، وهي أولى قوات النخبة التي زج بها النظام في قمع انتفاضة 2011 في درعا وتشكل مع «الحرس الجمهوري» ما يسمى بقوات النخبة في قوات النظام المسلحة، و«القوات الخاصة» أو ما يعرف بالوحدات الخاصة، تأسست على يد اللواء علي حيدر باسم «قوات الصاعقة» والتي أصبحت وحدات خاصة بعد دخولها لبنان منتصف ثمانينيات القرن الماضي، واستمر حيدر في قيادتها لأكثر من 26 عامًا، وتعتبر «القوات الخاصة» صاحبة الفضل الكبير في حسم الصراع بين الرئيس حافظ الأسد وشقيقه رفعت بعد تدخلها وانتشارها في دمشق وتطويق مراكز القيادة لسرايا الدفاع الموالية لشقيق الرئيس.
وتحظى «القوات الخاصة» برعاية وتسليح خاص من روسيا، كما تخضع لتدريبات دورية من قبل القوات الروسية، كان آخرها نهاية 2023 حيث نفذت حينها إنزالا جويا عبر طائرات «إي ل 76» التابعة للقوات الروسية في سوريا، بحسب ما صرحت به وزارة الدفاع الروسية.
ويأتي تعيين الحسن بمنصب قائد «القوات الخاصة» بعد أكثر من عام من ترفيعه من رتبة عميد إلى لواء، فقد صدر مطلع 2023 قرار ترفيعه ضمن لائحة الترفيعات التي تصدرها القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة والتي يعتبر بشار الأسد قائدًا عامًا لها، وكان آخر ترفيع للحسن قبلها مطلع 2017 حين تمت ترقيته من عقيد إلى عميد، وأوكلت له بالتزامن مع الترقية الجديدة مهمة قيادة «الفرقة 25- قوات خاصة» بدعم روسي، ليظهر بعدها سهيل الحسن في آذار/مارس 2018 بحماية روسية مشددة وخاصة، خلال الحملة العسكرية لقوات النظام وحلفائها الروس والإيرانيين على الغوطة الشرقية بريف دمشق.
يشار إلى أن «الفرقة 25 -قوات خاصة» انتقلت لمسماها الجديد بديلاً عن مسمى «قوات النمر» نهاية شهر آب/أغسطس من العام 2019 وحسب بيان صادر عن سهيل الحسن فإن التسمية الجديدة هي استجابة لتوجيهات قائد الجيش بشار الأسد، وكانت نواة «الفرقة 25» عبارة عن سرية «مكافحة الإرهاب» في إدارة المخابرات الجوية، أسسها الحسن منتصف 2013 وحافظت على تبعيتها إلى المخابرات الجوية، وضمت في صفوفها عناصر موالين للأسد من الشبيحة وقوات الدفاع الوطني وكتائب البعث، ومع دخول القوات الروسية بشكل فعلي الحرب في سوريا منتصف 2015 تلقت قوات النمر بقيادة الحسن دعمًا خاصًا من القوات الروسية، وزاد هذا الدعم مع نهاية العام ذاته لقوات سهيل الحسن التي بنيت على شكل أفواج تحظى بألقاب شعبية تشير إلى القوة والبأس تارة، وإلى مؤسسيها تارة لتبلغ نحو 20 فوجا كان أبرزها «الطراميح» و«الشواهين» و«الهواشم» و«الهادي» و«الكنعان» و«الطه» و«الحيدر» و«الحوارث» و«المبارك» و«اليعرب» و«الظريف» و«البحر» و«السحاب» و«الدرويش».
وتم تكريمه من قبل القوات الروسية ثلاث مرات عام 2016 ثم في 2017 و2018 كما حضر اللواء الحسن مع رئيس النظام بشار الأسد اجتماعًا في قاعدة حميميم الروسية في سوريا مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نهاية 2017 والذي خاطب سهيل الحسن حينها قائلاً حسب ما بثته قناة روسيا اليوم «زملاؤك في القوات الروسية أخبروني أنك ورجالك تحاربون بشجاعة وحزم وبطريقة موجهة للنتائج، وأرجوا أن يسمح لنا هذا التعاون بتحقيق مزيد من النجاح للمضي قدمًا». وأثار الشريط المصور الكثير من اللغط بسبب جلوس الحسن قبالة الأسد وليس إلى جانبه وجانب وزير الدفاع السوري.
أخذت «قوات النمر» أو «الفرقة 25- قوات خاصة» بعدها دورًا فاعلاً في كافة المعارك التي شنتها قوات النظام وبدعم روسي للسيطرة على مناطق واسعة في الشمال السوري، وشكلت رأس حربة متقدما ومدعوما بسلاح الجو الروسي بمهمة السيطرة على الأرض باتباع استراتيجية الأرض المحروقة التي تقع في صلب العقيدة العسكرية الروسية، وحظيت الفرقة باهتمام ورعاية من القيادة الروسية كتلك التي يحظى بها «الفيلق الخامس- اقتحام» الذي أعلنت روسيا عن تشكيله في سوريا في تشرين الثاني/نوفمبر من العام 2016.
وتبلغ قوات الفرقة ما يقارب 26 ألف مقاتل (حسب ما قال الحسن على منصة «فسيبوك» قبل أيام) وهم منتشرون في مناطق متعددة من سوريا وخاصة في ريف حماة الشمالي وريف إدلب، والغوطة الشرقية ودير الزور. ومن أبرز ضباطها العميد يونس محمد قائد غرفة العمليات العسكرية والعميد ماهر شقوف قائد سرايا القناصين، والعقيد يوسف خيرات والعقيد دريد عوض، وتعتمد الفرقة على معسكرات تدريبية أكبرها مدرسة المجنزرات بريف حماة الشرقي.
وفي التغييرات على مستوى القادة، حل اللواء صالح العبد الله محل الحسن في قيادة «الفرقة 25» وهو المقرب من القوات الروسية وشغل سابقًا منصب قائد عمليات قوات «النمر» ونائبه. وافترق العبد الله عن قوات النمر بسبب تعيينه قائدا للفرقة «30 ـ حرس جمهوري» التي تنتشر في ريف حلب الغربي، وشغل منصب قائد اللجنة الأمنية والعسكرية في حلب قبل تسليمه قيادة «الفرقة 25».
الجدير بالذكر، أن اللواء عبد الله مدرج على قائمة العقوبات الصادرة عن الاتحاد الأوروبي منذ منتصف عام 2022 بسبب دعم القوات الروسية في حربها مع أوكرانيا من خلال تجنيد عناصر من قوات «الفرقة 16» للمشاركة مع القوات الروسية في عملياتها العسكرية في أوكرانيا، و «الفرقة 16» تشكيل عسكري أسسه عبد الله بدعم روسي في 2020 ليتبع بشكل مباشر لقاعدة حميميم العسكرية الروسية، ومقره الرئيسي في منطقة تل جراد بريف مصياف جنوب غرب مدينة حماة.
أوساط جيش النظام السوري اعتبرت تعيين اللواء سهيل الحسن ترقية كبيرة، أما أوساط المعارضة السورية فاختلفت الرأي، بعضها نظر إلى تعيينه على رأس «القوات الخاصة» بمثابة انتصار روسي في التوازنات داخل جيش النظام. وفي السياق قال عبد الناصر العايد، الخبير العسكري والاستراتيجي في حديث لـ «القدس العربي» إن التعيين «جاء على حساب الجانب الإيراني وسيضمن سيطرة الروس على كامل القوات الخاصة وقوات المهام الخاصة والميليشيات التي نشأت في السنوات الأخيرة» مشيرا إلى أنه «يعزز مكانة سهيل الحسن بمواجهة عائلة الأسد التي حاولت تحجيمه في الفترة الماضية والحد من شعبيته المتنامية وقوته العسكرية التي رعتها روسيا».
وعن المهمة الموكلة لـ «النمر» رأى مساعد الباحث المتخصص بالشؤون العسكرية في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية محسن المصطفى أن الحسن «ضابط لديه الإمكانيات اللازمة لإعادة بناء القوات الخاصة، نتيجة تجربته السابقة في مكافحة الإرهاب عندما كان في المخابرات الجوية ولاحقا تجربته في تحويل ميليشيا النمر إلى الفرقة 25 يفترض أنه الشخص المناسب لإعادة بناء أفواج القوات الخاصة من جديد خصوصاً أنها تعرضت لخسائر كبيرة خلال العمليات العسكرية واستنزفت بشكل كبير». ونوه المصطفى إلى الفرقة 25 تستمر بتنفيذ القفز المظلي وهو تدريب أساسي للقوات الخاصة بسبب طبيعة عملها.
وحول مهمة الحسن في إعادة بناء «القوات الخاصة» فإنه يحتاج إلى دعم روسي كبير، فهناك عدة عوامل تعيق مهمته، حيث فقدت القوات المذكورة بريقها مع رحيل قائدها اللواء علي حيدر عام 1994 وركز حافظ الأسد على بناء «الفرقة الرابعة» مع الوقت إضافة إلى «الحرس الجمهوري» وأصبحت «الفرقة الرابعة» قوة النخبة الفعلية عوضا عن «القوات الخاصة».
وتحتاج «القوات الخاصة» إلى استقطاب كثير من المتطوعين العسكريين وليس المدنيين كما كان الحال في «الفرقة 25» وهذا بدوره يحتاج إلى وقت طويل كما يتعين أن تقوم روسيا بإنفاق أموال كثيرة تستقطب متطوعين جدد.
وفي حال اعتمد الحسن على جلب عدد كبير من الموالين له من العسكريين والمدنيين من «الفرقة 25» فإنه سيضعف بنية الفرقة وهذا ما لا تفضله موسكو بطبيعة الحال.
كل تلك العوامل ستكشف حجم التحديات التي سيواجهها «النمر» في مقر قيادته من حي تشرين في دمشق، كما أن حجم العناية الروسية بالرجل الذي اعتمدته والحراسة المشددة والتنقل بالطائرة المروحية التي خصصتها قيادة القوات الروسية في حميميم له سيغضب الكثير من القادة العسكريين والأمنيين الذين كانوا يهللون لانتصارات سهيل الحسن بعيدا عن قلب دمشق، أما رؤية موكبه بشكل يومي وتحركه وسط العاصمة فسيزيد من أعدائه بشكل طبيعي الأمر الذي سيفتح باب الصراع معه بطرق وأشكال مختلفة.