المحامي اوريئيل لين
إن علماء إسرائيل ومهندسيها وخبراءها في الجيش حققوا انتصاراً ذا أهمية ومطلقاً. فقد أثبتوا بأن إسرائيل تصمد حتى في وجه هجوم صاروخي موجه إليها من إيران.
منذ الهجوم الإيراني الجوي على إسرائيل الذي يمكن فهم جذوره العاطفية، وإسرائيل ملزمة بالرد على الهجوم الإيراني.
هذه الأجواء ومظاهرها الكثيرة، بما في ذلك في وسائل الإعلام، تذكرني بقصة بربارة توخمان “مسيرة العبث” التي تصف فيها كيف تنجرف أمم كاملة، بغباء يصعب وصفه، إلى صراعات زائدة تكلفها أثماناً دموية باهظة على حساب الجمهور ولم تنتج لها أي منفعة. مثلاً، التدخل الأمريكي الذي لم يكن له داعٍ في فيتنام الجنوبية وكلف هذه الدولة ما لا يقل عن 64 ألف ضحية لاقوا حتفهم بعيداً عن وطنهم. بالطبع، لا مجال للمقايسة. يدور الحديث في إسرائيل عن دفاع ذاتي وعن دولتنا نفسها. كان في الولايات المتحدة فهم غبي لمنظومات الحكم الذكية. لكن الجذور ليست مختلفة: جنون جماهيري تغذيه الزعامة وجمهور عديم التفكر يعود ليغذي الزعامة. وإذا أردنا أمثلة أقرب فيجدر نقرأ كتاب عاموس عسئيل “مسيرة العبث اليهودي”.
عندما تقرر تصفية زاهدي تحركت الدوامة. فهل نشأ ردع أو إضعاف في الجانب الإيراني؟ لا ولا. ضباط أصغر منه سيسرهم احتلال مكانه، بحماسة متزايدة وبنزعة ثأر معززة. الحقيقة أننا رضينا نتيجة هذه التصفية المباشرة والشخصية، لأننا علمنا بأن إيران “ملزمة بالرد”. وبعد أن ردت إيران، لتحافظ على عزتها حيال الجمهور الإيراني وحيال بلدان أخرى في العالم أيضاً، قال كثيرون إننا “ملزمون” نحن أيضاً بالرد. وعندها قالت لنا إيران إننا إذا رددنا على ردها، فهي ملزمة بالرد ثانية وبحدة أكبر. بالطبع، دينامية تصعيد لا يمكن التحكم بها.
فهل توقع أولئك الذين أقروا تصفية الجنرال الإيراني، المنسوبة لإسرائيل، التطور الحالي؟ هل قدروا أين يؤدي بنا هذا؟ إذا كان الجواب نعم، سأقول إنهم يراهنون على مصير الدولة؛ وإذا كان الجواب لا فواضح أن هذه قيادة قصيرة النظر والفهم.
لكن التوقيت أخطر. فنحن منذ سبعة أشهر في وضع قتالي في قطاع غزة. 133 مخطوفاً يذوون أسفل الأرض. عشرات الآلاف من سكان الشمال ليسوا في بيوتهم. أهذا التوقيت الصائب لجبهة ثالثة مع إيران؟
يخيل لي أن أولئك الذين يعتقدون بأنه كان مكان لتصفية شخصية للجنرال الإيراني، سيوافقون على أن التوقيت كان بائساً، سواء على حساب المخطوفين أم على حساب الجهود الحربية التي نبذلها اليوم في قطاع غزة، أم على حساب المخلين من شمال الدولة.
يجب السير بحكمة في كل فعل عسكري أو سياسي تقوم به الدولة من خلال وكلائها المختارين. يجب الحساب جيداً لنتائج الأعمال وثمنها، وعدم العمل حسب مشاعر “ملزمون بالرد” لأجل رفع قامة القيادة العسكرية والسياسية العليا التي فشلت في 7 أكتوبر، بل بحكم تفكر تحييدي يقرر ماذا سيكون الربح والخسارة للأمة في نظرة شاملة في نهاية الأمر.
نحن اليوم دولة غير كاملة. وليس الوقت لجبهة ثالثة مع إيران بكل نتائجها، حين يكون واضحاً بأننا لسنا قادرين على الصمود في وجه هجوم إيراني دون أن تكون لنا شراكة عملياتية مع الولايات المتحدة ودول حليفة أخرى. لسنا أحراراً لنفعل كل ما نريد كي نلبي عزة القادة أو عزة السياسيين أو تلبية احتياجات الجمهور العاطفية. هذا هو الخط المغلوط الذي ثبت في التاريخ العالمي واليهودي؛ فبسببه تورطت أمم كاملة ودفعت أثماناً كبيرة تلقى على ظهر الجمهور.
معاريف21/4/2024