طرابلس-«القدس العربي»: احتضنت الجارة القريبة لليبيا، تونس الاجتماع التشاوري الأول لرؤساء الجزائر وتونس وليبيا، تحقيقاً للرغبة التي جرى التعبير عنها بداية آذار/ مارس الماضي في وضع حد لغياب اتحاد المغرب العربي بسبب تجميد هياكله، فيما ستحضر المسألة الليبية وقضية القوى الأجنبية المنتشرة في البلاد في دائرة النقاش.
وأكدت الرئاسة الجزائرية، الإثنين، أنه بدعوة من رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد، توجه رئيس الجمهورية، عبدالمجيد تبون، إلى تونس للمشاركة في الاجتماع التشاوري الأول، الذي يجمع قادة كل من الجزائر وتونس وليبيا.
وذكر البيان الصادر عن الرئاسة التونسية أن اللقاء يستهدف تقوية العلاقات بين الدول الثلاث المشاركة، فيما لم يجر دعوة المغرب أو موريتانيا لهذا الاجتماع.
ويمثل ليبيا، رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي في قمة الترويكا المغاربية، ومن المتوقع أن تكون المسألة الليبية أحد المواضيع الأساسية في هذا الاجتماع في تونس، خاصة بعد استقالة المبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا، عبدالله باتيلي، حيث وحسب محللين من المنتظر أن تضاعف الجزائر وتونس جهودهما لدعم عودة الحياة الطبيعية في ليبيا.
وتدعم الجزائر وتونس الحل الليبي الليبي دون تدخل مباشر وذلك على عكس عدد من القوى الأجنبية التي تدعم واحداً أو أكثر من الأطراف المتحاربة المتعددة في ليبيا ولها مصالح خاصة هناك.
ومن المؤكد أن قمة تونس ستحاول إحراز تقدم في الملف الليبي، خاصة أن المنفي يقول إنه من الشخصيات التوافقية التي يمكن أن تتجه شرقاً أو غرباً، كما ظهر في درنة، خلال صلاة العيد يوم 10 نيسان/ أبريل.
وفي تصريح صحافي توقع العقيد السابق التونسي والخبير الأمني، علي زرمديني، إن القمة الثلاثية ستركز على الملف الأمني، محذراً من اندلاع حرب جديدة في ليبيا، خاصة في غرب البلاد، المنطقة المتاخمة لتونس.
وتابع العقيد التونسي أنه لا داعي للحديث عن نهاية الإرهاب، وضرب مثالاً بتنظيم داعش الذي يقع تنظيمه المركزي في العراق وسورية وله فروع في الخارج تعمل بشكل متماسك. وأوضح أن إفريقيا وآسيا تمثلان المنطقة التي يركز عليها داعش، وتم الإبلاغ عن تحركات كبيرة في منطقة الساحل الإفريقي وليبيا.
وأكد علي زرمديني وجود علاقة بين الجريمة المنظمة، خاصة التهريب والاتجار بالبشر، والإرهاب، ودعا إلى اليقظة، مضيفاً أن أجهزة أمن الدولة على علم بحساسية الوضع الراهن.
وتساءل الناشط التونسي مصطفى عبدالكبير في منشور له عبر حسابه الرسمي بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك عن سبب توجيه دعوة لعقد قمة ثلاثية الآن بالذات، وهل قيس سعيد بمفرده دعا لها أم إن ذلك جاء برغبة جزائرية أيضاً؟
وهو عتقد من خلال كل المؤشرات أن الملفات المطروحة سوف تتعلق بملفات الهجرة ومخاطر الإرهاب والقضية الليبية، فهذه القمة فرصة للرئيس التونسي حتى يضمن تعاون ليبيا والجزائر من أجل حماية الحدود ومنع التدفقات الكبيرة للمهاجرين القادمين من بعيد، وإطلاعهم على الوضع العام والمخاطر المستقبلية لهذا الملف.
ويلفت أيضاً عبدالكبير إلى محاولة تعطل المسار السياسي في ليبيا وعزم عدة أطراف على التقاتل بدعم من أطراف خارجية هدفها دخول ليبيا في فوضى واحتراب طويل الأمد يجعل منها دولة غير مستقرة، ويسهل بذلك تواصل نهب الثروات وانتعاش تجارة السلاح والمخدرات والبشر وهذا سيمتد لهيبه إلى دول الجوار، وفق قوله.
وكان القادة الثلاثة اتفقوا في آذار/ مارس خلال قمة الغاز بالجزائر، على إجراء هذه الاجتماعات كل ثلاثة أشهر، إذ يهدف هذا الاجتماع إلى بحث الأوضاع الراهنة في المنطقة وسبل تعزيز الجهود المشتركة لمواجهة التحديات الاقتصادية والأمنية. وأكد الرئيس الجزائري أن هذا التكتل لا يستهدف أية جهة وأن الباب مفتوح أمام جميع دول المنطقة.
ومهد تبون لشكل جديد من التعاون مع تونس وليبيا وموريتانيا، في فبراير 2024، عندما أوفد وزير خارجيته أحمد عطاف إلى المنطقة المغاربية في جولة شملت تونس وطرابلس ونواكشوط. وسلم خلال الزيارة رسائل خطية من تبون لنظرائه المغاربيين، تناولت مقترحات تخص تنسيق المواقف وفق ما أعلن عنه، لكن من دون الخوض في تفاصيل أكثر.
ويثير عقد اللقاء بين الرؤساء الثلاثة كل ثلاثة أشهر أسئلة المراقبين فيما يتعلق بدواعي القمة المستحدثة بين الدول الثلاث والملفات ذات الأولوية في مباحثاتها المنتظرة قريباً، وهل هي محاولة عمليّة لصياغة جديدة للاتحاد المغاربي أم رغبة محايدة في تعميق التكامل؟
في المقابل، نقلت وسائل إعلام عن مصدر ليبي بأن الاجتماع التشاوري هو اجتماع أمني خالص، وليس مُوجهاً ضد أي دولة مغاربية أخرى، لأن ليبيا لا يمكنها في الوقت الحالي اتخاذ أي موقف ضد أي دولة كانت نتيجة وضعها الحالي، خاصة في ظل استقالة المبعوث الأممي عبد الله باتيلي، وانتظار تعيين مبعوث جديد”.
ويضيف المصدر أن “الظروف الحالية التي تمر بها ليبيا، مع غموض مستقبل الحوار السياسي الليبي، لا يسمح لها بالخروج بأي موقف أو خطوة معادية تجاه أي دولة كانت”، مسجلاً أن “أي اجتماعات مستقبلية مع المسؤولين في كل من ليبيا وتونس والجزائر، ستنصب فقط على معالجة الإشكالات والتحديات الأمنية المشتركة على الحدود، وليس شيئاً آخر”.
يشار إلى أن المجلس الرئاسي الليبي كان قد عبر عن موقفه من المبادرة الجزائرية بتأسيس كيان مغاربي ثلاثي يضم تونس وليبيا فقط، إذ أجرى رئيسه محمد المنفي مباشرة بعد الإعلان هذه المبادرة لقاء مع المكلف بتسيير أعمال وزارة الخارجية والتعاون الدولي في حكومة الوحدة الوطنية برئاسة أحمد الدبيبة، استعرضا خلاله تطور الوضع السياسي والمستجدات المتعلقة بدور الاتحاد الإفريقي والعمل على تفعيل دور الاتحاد المغاربي، في رفض واضح للمقترح الجزائري الذي يقصي الرباط ونواكشوط.
وكان عبد الهادي الحويج، وزير الخارجية والتعاون الدولي في الحكومة الليبية المكلفة من طرف البرلمان برئاسة أسامة حماد، أكد في تصريح صحافي رفض الحكومة الليبية في الشرق تأسيس أي كيان سياسي جديد يُقصي إحدى الدول المُكونة للفضاء المغاربي، مؤكداً تمسك ليبيا بالاتحاد المغاربي في صيغته الخماسية، ورفضها الانخراط في أي مبادرة لتقسيم الفضاء المغاربي.