القاهرة ـ «القدس العربي»: السؤال الذي فرض نفسه طيلة الساعات الماضية بشأن أسباب إطلاق اسم الرئيس السيسي على مدينة ما زالت في رحم الغيب لم تر النور بعد، رغم أن اقتراحات من قبل بعض مؤيديه طالبوا في السابق بإطلاق اسمه على العاصمة الإدارية اعترافا بأنه صاحب فكرة إقامتها، غير أن النائب مصطفى بكري المتحدث باسم اتحاد القبائل العربية، كشف عن أن فكرة إطلاق اسم الرئيس السيسي على المدينة الجديدة، جاء مبادرة شعبية، قائلا: «كل خطوات الرئيس السيسي تلقى دعما كبيرا من الشعب المصري؛ علشان كدا جاءت فكرة مدينة السيسي المهمة جدا، أبناء سيناء واتحاد القبائل رأوا أنه لازم يتم اقتطاع مساحة كبيرة من منطقة العجرة، ويسموها باسم مدينة الرئيس السيسي». وأوضح أن إطلاق اسم الرئيس على المدينة الجديدة جاء بادرة لرد الجميل، لاسيما في ظل رفض الرئيس المبادرات الرسمية لإطلاق اسمه على أي مدينة جديدة، متابعا: «الرئيس رفض عروضا كثيرة رسمية تعرض عليه تعال نطلق على العاصمة الإدارية مدينة السيسي يرفض، العلمين يرفض، ولكن المدينة الجديدة مبادرة شعبية ردا للجميل، ولم يؤخذ رأيه فيها». وأشار بكري إلى أن تأسيس الاتحاد جاء كخطوة لجمع شمل القبائل العربية، قائلا إنه «جرت محاولات سابقة لتوحيد القبائل العربية؛ لكن الشيخ إبراهيم العرجاني ضمن مجموعة محدودة سعت إلى توحيد القبائل العربية وتعزيز وحدتها». وأشار إلى أن الأيديولوجية التي تحكم عمل الاتحاد هي «الأيديولوجية الوطنية، التي تدعو إلى الانتماء للوطن ودعم مؤسسات الدولة، ومواجهة حروب الجيل الرابع من الشائعات والأكاذيب والفتن». ونفى بكري أن يكون الاتحاد بديلا عن الأحزاب السياسية أو القوى السياسية على الساحة، قائلا: “نحن إطار تنظيمي يمد يده للتعاون مع الجميع، بناء على قاعدة مواجهات التحديات وحماية كيان الدولة، والدفاع عن الثوابت الوطنية والمشروع الوطني للرئيس السيسي والجمهورية الجديدة”.
وما زال الاحتفاء بالصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة محل تقدير متزايد، وقبل نهاية الشهر السابع من عمر الحرب أكد الدكتور عمار علي حسن على موقع “نبض”، أن المقاومة استطاعت كسر الصورة النمطية التي رسمتها إسرائيل حول نفسها عسكريّا بأنها دولة لا تقهر وأعاد “طوفان الأقصى” تشكيل صورة إسرائيل، فبات العالم يعي جيدا أنها تمارس “الاحتلال التقليدي” الذي استمر قرونا في الحقب الاستعمارية، وكانت البشرية تظن أنها فارقت هذا الدرب وأشار إلى أن إسرائيل صورت نفسها لمحيطها العربي على أنها وحش كاسر، لا يمكن مواجهته، في الوقت الذي كانت ترسم لنفسها صورة مختلفة في الغرب، على أنها حمل وديع وسط “قطعان من الذئاب الجائعة”، معولة على الصورة النمطية للعربي في ذهن الغرب، التي لا تعدو أن تكون إنشاء محرفا ومزيفا لإحن القرون الوسطى حسبما ذهب إدوارد سعيد في كتابه “الاستشراق”. ورغم أن بعض الباحثين والمفكرين العرب، انتبهوا إلى لعبة المبالغة في القدرات لتركيع الخصوم، مثلما فعل عبد الوهاب المسيري، فإن الأغلبية من العرب ظلوا على حالهم القديمة، مستسلمين للدعايات الإسرائيلية في الغالب الأعم، بل كان من بينهم من يغذي هذا الشعور، سواء عن قصد، أو عن جهالة، أو لامبالاة، وأحيانا للتنصل من تبعات المواجهة.
وفي إطار مكافحة الغلاء في محافظات الدلتا وتبديد شحنات الغضب الموجهة ضدهم، نظم بعض أصحاب المحلات مبادرة جديدة في محافظة الشرقية لخفض أسعار البيض، تزامنا مع قرب شم النسيم، ورفع الضرر عن المواطنين، خاصة بعد تراجع أسعار الأعلاف، وجرى توفير بيض بلدي بسعر الكرتونة 80 جنيها (بيض البشائر)، بينما سجل سعر كرتونة البيض السوبر 135 جنيها، وتوفير بعض السلع بأسعار مخفضة عن السوق.. ومن أخبار النوادي الرياضية يشهد نادي الزمالك حالة من الغضب تجاه قيادته رغم النتائج الجيدة التي يحرزها الفريق الأول لكرة القدم، إذ انتابت بعض أعضاء النادي حالة من الغضب إثر وجود عربة كشري “أبوطارق” في أحد ممرات النادي. وعبّر البعض عن انتقاده للأمر باعتباره لا يليق بمكانة القلعة البيضاء، خاصة أنها مجرد عربة، وليست مطعما لخدمة الأعضاء، مطالبين بافتتاح محل بدل العربة أو رفعها.
تقتله جرائمه
يبذل نتنياهو جهودا مضاعفة واتصالات مع أمريكا وبعض الدول لاحتواء أزمة احتمال إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال له ولوزير الدفاع ولرئيس الأركان بسبب الحرب المستمرة في قطاع غزة. في الوقت الذي أكدت تقارير اهتم بها محمد علي محمد في “الوفد” صادرة من مسؤولين في الخارجية الأمريكية، أن حكومة الكيان الصهيوني انتهكت تعهداتها والقانون الدولي خلال حرب غزة. وتقارير الخارجية الأمريكية التي تمثل إدانة واضحة للكيان الصهيوني من قبل أمريكا الحليف الرئيسي له والذي يدعمه بالأموال والسلاح والحماية والغطاء السياسيين، لا تعبر عن الموقف الرسمي للإدارة الأمريكية، فهناك تناقض في بعض مواقف الخارجية الأمريكية، التي تتعارض مع مصالح الكيان الصهيوني نتيجة الضغوط التي تتعرض لها الإدارة الأمريكية في فترة الانتخابات، وهي تريد إظهار صورة مختلفة، وليس بالضرورة أن تعبر الخارجية الأمريكية عن البيت الأبيض، أو عن الموقف الرسمي. ومع وصول الأمر إلى اعتراف الخارجية الأمريكية باختراق الكيان الصهيوني للمعايير الدولية والقانون الدولي، باستخدام الأسلحة الأمريكية.. فماذا ستقول باقي الدول والمحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية؟ وتحاول الخارجية الأمريكية من خلال هذه التقارير أن تنفس الغضب الشعبي المتزايد، خاصة مظاهرات الطلبة الحاشدة التي بدأت بالفعل في الجامعات الأمريكية، وكذلك تحاول أن تحذر الكيان مما ينتظره في المحاكم الدولية، وأيضا الهروب من مسؤوليتها عما يحدث في غزة. وتقل قيمة تقارير الخارجية الأمريكية أمام إصرار واستمرار البيت الأبيض على تزويد الكيان بالأموال والسلاح، لمساعدته على حرب الإبادة في غزة، وقوله إن الكيان هو من اخترق معايير القانون الدولي، ولكن بموجب القانون الدولي أن من يزود المجرم بالسلاح ويستمر في تزويده مع علمه أن هذا يخالف معايير القانون الدولي، يتحمل المسؤولية بالمشاركة.
مفاوضات للنزهة
تتحمل الإدارة الأمريكية مسؤولية المشاركة في جرائم الكيان على المستوى العسكري والسياسي وتمويلها لحرب الإبادة في غزة. ومن الواضح حسب محمد علي محمد، أن الضغوط بدأت بالفعل على المحكمة الجنائية الدولية من جانب الإدارة الأمريكية، بعدم إصدار مذكرة اعتقال بحق نتنياهو ووزير الدفاع ورئيس الأركان، بمحاولة إثارة القلق من تبعات إصدار هذه المذكرة في التأثير على موقف الكيان من المفاوضات بشأن التهدئة ووقف إطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى، مع توضيح أن هناك تقدما حتى إن كان نسبيا في هذه المفاوضات، وأن أي قرار من جانب الجنائية الدولية سيضر بهذه المفاوضات، والحقيقة نجد أن نتنياهو يستخدم هذه المفاوضات في الوقت الحالي للمماطلة، ويرسل فرق المفاوضات للنزهة فقط، دون التفاوض الحقيقي وإتمامه، فهو يعلم أن أي عملية سياسية أو نجاح المفاوضات ووقف إطلاق النار في غزة، يعني أنه لم يحقق أهدافه منها، وهي تحرير الأسرى والقضاء على حماس نهائيا، وهو ما لم ولن يحدث حتى الآن. وكذلك تصريحه بأن أي اتفاق لن يلغي عملية اجتياح رفح التي يجهز لها، وأن صدور أي قرار من الجنائية الدولية سيؤثر على مفاوضات التوصل لاتفاق مع حماس، وفي الوقت نفسه لن يؤثر على اجتياح رفح والقضاء على ما تبقى من حركة حماس والبحث عما تبقى من الأسرى. فهل ينجح نتنياهو في منع إصدار مذكرة اعتقاله ووزير دفاعه ورئيس أركانه من الجنائية الدولية بسبب حربه على غزة والإبادة الجماعية؟
نفخر بهم
احتجاجات الشباب في كل أنحاء العالم فرضت على يوسف القعيد كما أخبرنا في “الأخبار” التوقف أمام الظاهرة: ما من عاصمة أوروبية، وما من مدينة أمريكية إلا وجدنا فيها المظاهرات للتنديد بالعدوان الإسرائيلي الغاشم على الفلسطينيين. لدرجة أن بعض احتجاجات الطلاب في أمريكا دعت الحكومة إلى وقف استثماراتها فورا مع إسرائيل. شهداء الفلسطينيين منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي يعدون بالآلاف والجرحى تجاوزوا أي أرقام تخطر على البال. كل هذا والولايات المتحدة الأمريكية التي تصف نفسها بقلعة الحريات في الدنيا، تلتزم الصمت التام، بل تقدم للعدو الإسرائيلي الأسلحة التي يطلبها دون مناقشة. لكن لكل حربٍ جديدها. فالشباب في الولايات المتحدة الأمريكية التي تُعد رأس حربة ضد الفلسطينيين، وصلت مظاهراتهم واحتجاجاتهم بصورة لم يسبق لها مثيل. لدرجة أن الجمهوريين والديمقراطيين، الذين لم يتوافقوا حول أمرٍ من الأمور من قبل، وصلوا إلى حالة من التوافق التام أمام قمع الاحتجاجات واغتيال حريات التعبير. وهو ما لم يحدث من قبل منذ نشأة الولايات المتحدة الأمريكية حتى الآن. أما بطولات الشعب الفلسطيني المرتبط بأرضه فقد تفوقت على الأرقام والإحصاءات وحتى الخيال الإنساني. وفي مواجهة كل هذه التداعيات فإن الإرهابي نتنياهو مُصِر على الاستمرار في حربه الرهيبة، التي لم تحدث من قبل في التاريخ الإنساني، أن تتم محاولة إبادة شعب تحت سمع وبصر الدنيا كلها. ولو تأملت الداخل الإسرائيلي نفسه وموقفه مما يجري لفلسطين على يد العدو الإسرائيلي ستكتشف أن الحزبين الكبيرين، وما أندر اتفاقهما حول القضايا الداخلية والخارجية، قد اتفقا وتوافقا على رفض ما يقوم به نتنياهو في فلسطين المحتلة ما يدفعه إلى الاستمرار بشكلٍ مُطلق ولم يحدث من قبل في حربه ضد الشعب الفلسطيني الأعزل. لدرجة أن آخر التقارير الآتية من هناك تقول إن الأبطال الفلسطينيين يستولون على أسلحة جيش الدفاع الإسرائيلي ويقومون بإصلاحها وجعلها قادرة مرة أخرى على العمل واستخدامها ضد العدو.
في وسعنا النهوض
من المسلمات الواضحة والمؤكدة في عالم اليوم والأمس وغدا، في دنيا البشر من وجهة نظر محمد بركات في “الأخبار”، أن الفارق بين الشعوب والدول المتربعة على القمة الاقتصادية والعسكرية، وتلك الراقدة في القاع تعاني الفقر والعوز، أو حتى الدول النامية الساعية لتحسين حالها، هو الفارق بين من سلكوا طريق العلم والعمل الجاد، والأخذ بأسباب التقدم، ومن سقطوا في غياهب النوم وأحضان الكسل والإهمال والتراخي وعدم الجدية. وإذا ما أدركنا ذلك ووعينا حقيقته، فلا بد أن نقول بوضوح ونعترف بصراحة، بأن قيمة العمل ما زالت غائبة نسبيا عن البعض منا، وذلك للأسف واضح وجلي من خلال القصور الظاهر عن حجم إنتاجنا، وأيضا في قدر الجودة في هذا المنتج، حيث إن من المؤكد أن حجم إنتاجنا كما وكيفا ما زال أقل مما يجب أن يكون عليه، وأن جودة هذا المنتج أيضا أقل مما يجب أن تكون، مقارنة بكم وجودة مثيله من إنتاج الدول المتقدمة. وهذا شيء يدعو للأسف والألم في الوقت ذاته، والمصارحة تقتضي منا القول، إن المتأمل لواقع الحال في مجال العمل والإنتاج لدينا، لا بد أن يصاب بخيبة أمل وغصة مؤلمة، إذا ما قارن ذلك بحجم ومستوى جودة العمل والإنتاج في الدول المتقدمة، بل في غيرها من الدول البازغة والصاعدة على طريق التقدم، التي كانت حتى يوم قريب تساوينا أو تقاربنا في مستوى العمل والإنتاج، ولكن الآن أصبح هناك فارق بيننا وبينهم، فهم الأكثر إنتاجا والأفضل جودة. ولا بد أن نقول بوضوح، إنه أصبح ضروريا وواجبا أن نعمل بإصرار وجدية على تغيير وتعديل هذه الصورة بالقضاء نهائيا على المفاهيم والسلوكيات المعوقة للإنتاج والعمل الجاد والصادق، وأن نرسخ مكانها الإيمان بقيمة العمل باعتبارها قيمة مقدسة تعلو فوق كل القيم الأخرى، لأنها يمكن أن تعلو بالوطن إلى مستوى أكثر تقدما وتطورا، وهو ما نأمله ونسعى إليه. ونحن بالفعل نستطيع ذلك ونستحقه أيضا إذا ما أخذنا بالعلم والعمل الجاد طريقا ومنهجا بكل الإصرار والصدق والأمانة، وهو ما يجب أن يكون.
الواقع يكذبه
نقلت وكالة الإعلام العربي عن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ما يجعلك وفقا لسليمان جودة في “الوفد” تستحضر العبارة التي تقول: أسمع كلامك أصدقك.. أشوف أمورك أستعجب. فالرئيس الإيراني يقول إنه لا نية لدى بلاده لإنتاج أو امتلاك قنبلة نووية، وإن ذلك راجع إلى أن المرشد علي خامنئي مرشد الثورة الإيرانية، أفتى بأن إنتاج أو امتلاك هذه القنبلة حرام. هذا طبعا كلام غريب، وسبب غرابته، أنك لا تعرف ما علاقة القنبلة النووية بالحلال والحرام، فالحلال والحرام كما نفهمهما يتصلان بأمور العبادات والمعاملات بين الناس.. أما شؤون القنابل فهؤ قضية أخرى لها أبعادها السياسية والاقتصادية، حتى لو كانت قنابل من النوع الذي ضربت به أمريكا مدينتؤ هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين في الحرب العالمية الثانية فسوّت بهما الأرض. ثم إننا حتى لو افترضنا أن قضية القنبلة النووية داخلة ضمن الحلال والحرام، فإن ما صدر عن إيران نفسها بهذا شأن قبل تصريح رئيسها بأيام يجعل التناقض عنوانا للموضوع.. ففي أعقاب الهجوم الذي قادته إيران على إسرائيل في 13 أبريل/نيسان، صدر عن طهران ما يفيد بأنها ستراجع عقيدتها وسياستها النووية إذا تعرضت منشآتها لهجمات إسرائيلية كبيرة. ولا معنى لهذا الكلام المنشور سوى أن الحلال والحرام لدى الحكومة الإيرانية مسألة نسبية، وأن ما تقول عنه إنه حرام اليوم، يمكن جدا أن يكون حلالا في الغد، وأن العكس يمكن أن يكون صحيحا بالدرجة نفسها. والحقيقة أن ما قاله الرئيس الإيراني، وما يقوله سواه من المسؤولين الإيرانيين في قضية القنبلة النووية وفي غيرها، يمكن أن نفهمه في إطار مبدأ «التقية» الشهير لديهم هناك.. فهذا مبدأ يقبل بأن يكون للإنسان ظاهر وباطن، وبأن الإنسان يستطيع، بل يجب أن يُبدي للناس غير ما يعتقد بالفعل، إذا رأى أن في ذلك ضرورة تفرضه. ولو أنت راجعت مسلك السياسة الإيرانية في المنطقة والإقليم، فسوف تجد أن هذا المبدأ من بين مبادئها المعتمدة في التعامل مع الدول الجارة وغير الجارة، وأنه حاكم في الكثير من السياسات. لو قال الرئيس الإيراني إنهم لا يفكرون في إنتاج أو امتلاك القنبلة النووية، لأنها ضد كل ما هو إنساني مثلا، لكنا قد صدقناه أكثر.
جرس إنذار
لعلها الجريمة الأولى من عينة تلك الجرائم الغريبة، التي ظهرت على سطح المشهد الاجتماعي في مصر خلال العقدين الأخيرين، وتكشف وفق ما يقول الدكتور أحمد عبد العاطي في “الأهرام” جانبا مهما من جوانب التطور المرعب للجريمة في العصر الحديث، الذي تفقد فيه الإنسانية مع كل طلعة شمس جزءا أصيلا من روحها، وربما وجودها على هذا الكوكب التعيس. ولعلها أيضا واحدة من تلك الجرائم، التي يتعين أن تقف أمامها مراكزنا البحثية والفكرية بكثير من التأمل، ويتعرض لها الباحثون في علوم النفس والاجتماع، بما يلزم من دراسات معمقة، لفهم طبيعة تلك التغيرات المفاجئة للنفس البشرية، في عصور ما بعد الحداثة، التي لعبت فيها التكنولوجيا الحديثة أدوارا كبرى، في هدم العديد من السرديات الراسخة التي قامت عليها الحضارة الإنسانية، وإسقاط ثوابت الثقافة والهوية والتاريخ، لكثير من شعوب العالم، وعلى رأسها شعوب منطقتنا العربية المحاصرة بالكوارث والأزمات. على هذا النحو، يبدو حادث طفل شبرا، الذي تم قتله على يد مراهق في الخامسة عشرة من عمره، وبتحريض مباشر من مراهق آخر في العمر نفسه، والتمثيل بجثمانه بدم بارد، بل انتزاع أحشائه أمام كاميرا الهاتف المحمول، من أجل الحصول على المال، بعد بيع أعضاء الضحية لمافيا تجارة الأعضاء، أو فقط لمجرد تحقيق الربح، عبر بث وقائع الجريمة على الهواء مباشرة، عبر مواقع الشبكة المظلمة للإنترنت، التي تحفل بالكثير من عينة تلك المواقع المرعبة، التي تتجاوز في محتواها، ما استقر في الوجدان الإنساني على مرّ العصور، من دين أو رحمة أو حتى أخلاق.
فلنفق الآن
مضى الدكتور أحمد عبد العاطي مسلطا الاهتمام على الوافد الجديد في عالم الجرائم الذي لم يكن في ذهن علماء الاجتماع أن يقع على أرض المحروسة التي ظل أهلها ينظرون لمثل تلك الجرائم باعتبارها من بنات أفكار صناع سينما الرعب: يبدو المشهد في حقيقته أقرب ما يكون إلى واحد من تلك المشاهد الدامية، التي تحفل بها أفلام الرعب الهوليوودية، لكنه على بشاعته ينكأ جرحا غائرا، ولعله يمثل جرس إنذار لنا جميعا، عندما تركنا في لهاثنا المحموم على لقمة العيش تارة، أو سعي بعضنا الدؤوب للتعلق بأهداب ما يسمى الصعود الطبقي تارة أخرى، جيلا بكامله يضيع، بعدما قدمناه، دون أن نشعر، فريسة سهلة لما تبثه تلك الشبكة الجهنمية من أفكار، وما تحرض عليه من مسلكيات، وما تدعو إليه من انفلات أخلاقي، تحت مسمى الحرية والخصوصية والاعتمادية، وغيرها من المسميات البراقة، بينما في الحقيقة هي السم الزعاف، الذي لا نجاة منه، إلا لقلة ممن رحم ربك. والتفاصيل في هذا الحادث المروع كثيرة ومرعبة، والشهادات التي نشرتها “الأهرام” لجيران الضحية، والتي لا يتسع المجال لعرضها من جديد صادمة، لكن الحادث على بشاعته، يمثل في حقيقة الأمر، جرس إنذار مبكرا للأسرة المصرية، يتعين أن تتعامل معه بالجدية والحزم المطلوبين، ولا بديل في ذلك عن تواصل حقيقي وفهم واقعي لأبنائنا، وفتح قنوات دائمة للحوار معهم، قبل أن نفيق على حادث جديد، ويومها لن ينفع الندم، أو البكاء على اللبن المسكوب.
أيقونة لا تنسى
من لا يعرف الحب لن يستطيع أن يكتب حقا عن المسيح عليه السلام، فهو كما أخبرنا الدكتور ناجح إبراهيم في “الوطن” من أعظم رموز وناشري المحبة في الكون كله، ليس في زمانه فحسب، ولكن في كل الأزمان، فهو صاحب الكلمة الرائعة الأثيرة والأنشودة الإنسانية السامية “الله محبة” فمن لا يعرف المحبة لا يصل إلى الله سبحانه ولا يعرفه حق معرفته، ومن لا يعرف الله حقا لن تلامس المحبة شغاف قلبه. فالله هو المحبوب الأعظم الذي تنبثق منه كل المحبة، فمحبة الأم والأب هي محبة إجلال وتقدير، ومحبة الزوجة هي محبة شهوة ورغبة مع السكن والمودة، ومحبة الولد هي محبة رحمة وشفقة وتوجيه وإرشاد، ومحبة الصالحين هي محبة اجتماع على الصلاح والرغبة في الإصلاح، أما محبة الصديق والشقيق فهي محبة مودة وإخوة. وكل هذه المحاب لا تتعارض ولا تتناقض مع محبة الله، بل تتكامل معها وتتناغم مع سيمفونيتها، فلن تحب الله حقا حتى تحب هؤلاء جميعا، ولن تحب هؤلاء حقا إلا إذا أحببت الله من كل ذرة في قلبك، فالله سبحانه هو باعث المحبة في القلوب وهو ناشرها وموزعها سبحانه بعلمه وحكمته ورحمته أيضا. وعلي قدر محبتك لله تحب خلقه جميعا، وعلى قدر محبتك لله يتسع قلبك لكل الناس، الطائع والعاصي، القريب والبعيد، والمحسن والمسيء، الذي أعطاك والذي منعك، فالمؤمن لا يكره العاصي ولكن يكره معصيته، ولا يكره الظالم ولكن يكره ظلمه، ولا يكره الفاسق ولكن يكره فسقه، ولا يكره الملحد ولكن يكره إلحاده. وقد قال النبي “لن تدخلوا الجنة حتى تحابوا” وعدد بعض الأسباب التي توجب وتولد وتشحن الحب بين النفوس وعلى رأسها إفشاء السلام بين الناس وأرى أن معناها أكبر بكثير من مجرد أن يقول الرجل للآخرين “السلام عليكم”، ولكنها تعني نشر الأمان والطمأنينة والسكينة بين الناس، أنني أطمأن لكم وتطمأنوا لي، وأسكن إليكم وتسكنوا إلي، وآمنكم وتآمنوني وأحمل لكم الخير كما تحملونه لي. لقد بذل المسيح عليه السلام الحب حتى لمن بذل له السيف فقال” من أخذ السيف بالسيف هلك”، أي من قابل السيف بالسيف ضاع وأضاع، سبحان الله، إنه يسير علي مذهب ابن آدم الأول “لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ”، إنه يريد أن يقدم الوردة في مقابل الشوكة، والبسمة مكان الطعنة.
اتحدوا الآن
خلال القرن الماضي، تطلع العمال، بل سعوا لتغيير العالم. الآن، كل ما يرجونه الحفاظ على وظائفهم. الطبقة العاملة التي كانت ملح الأرض السياسي منشغلة بالبحث عن لقمة العيش. نسيت شعارات ماركس وكلماته الثورية في «المانيفستو» الشيوعي (1848): «فلترتعد الطبقات السائدة خوفا من ثورة شيوعية، فليس أمام البروليتاريا ما تخسره إلا أغلالها، وأمامهم عالم يكسبونه. يذكرنا عبد الله عبد السلام في “المصري اليوم” بالهتاف الشهير: “يا عمال العالم، في جميع البلدان، اتحدوا”. جاء احتفال العالم بعيد العمال قبل أيام باهتا، أهم ما فيه، كانت الذكريات عن الاستعراضات العمالية التي تطوف الشوارع وكلمات الزعماء الرنانة والإعلان عن مكاسب جديدة لتحسين أحوال العمال. احتفالات السنوات القليلة الماضية بدت كما لو كانت مجرد طقوس تقلصت إلى وقفات مقيدة في بعض الدول ورفع يافطات وفيض من «النوستالجيا» عبر الشبكة العنكبوتية. لكن لسان حال الكثيرين يقول: «لا داعي للاحتفالات.. المهم أن نجد عملا». كيف وصلنا لهذا الوضع؟ أواخر القرن 19، اندلع صراع عنيف بين العمال وأصحاب المصانع خلال الثورة الصناعية الثانية، التي شهدت استبدال العمال بالآلات. أصبح العمال قوة صاعدة سرعان ما شكلت نقاباتها ثم قامت دول اشتراكية تعبر عنهم وتعتبرهم الطليعة الجماهيرية. لكن الرأسمالية التي قال ماركس إنها تحمل بين ثناياها بذور فنائها، أثبتت قدرتها على التكيف وتصحيح أخطائها، واستوعبت القلاقل العمالية، واستثمرت في الأبحاث العلمية حتى وصلنا للثورة الصناعية الرابعة التي أحدثت اختراقات تكنولوجية هائلة في الذكاء الصناعي وإنترنت الأشياء وتكنولوجيا النانو والطباعة ثلاثية الأبعاد، والأتمتة التي تعني كل شيء يعمل ذاتيا دون تدخل بشري. هذه التطورات قد تقضي على الوظائف في قطاعات بأكملها. الروبوتات تحل محل الأشخاص على خطوط الإنتاج. 300 مليون وظيفة في الغرب، لن يكون للبشر فيها مكان. الشاحنات ذاتية القيادة ستقضي على 3 ملايين وظيفة في أمريكا. الذكاء الاصطناعي لا يستهدف فقط إحلال الروبوت محل البشر، بل محاكاتهم في التعلم والتكيف واتخاذ القرارات. ربع وظائف العالم ستتغير طبيعتها خلال 5 سنوات. الوظائف الإدارية البسيطة وخدمة العملاء وتوصيل الخدمات، ستتكفل بها الروبوتات. المفارقة أن الذكاء الاصطناعي يتطور بينما غالبية البشر لا يطورون أنفسهم بالكيفية والسرعة، والضحية عمال بسطاء كان يُطلق عليهم أصحاب الياقات الزرقاء.
عدو غير متوقع
إنها الداروينية الاجتماعية الجديدة، كما يطلق عليها عبد الله عبد السلام التي ترى أن الجماعات والأعراق تخضع لنظرية داروين في النباتات والحيوانات، وبمقتضاها يتلاشى العرق الضعيف، أو البشر الذين لا يستطيعون التكيف مع التطورات التكنولوجية المتلاحقة. هناك قلة تحاول الفوز في عصر الذكاء الاصطناعي قوامها المتعلمون القادرون على التكيف والتعلم، وهناك غالبية ستخرج من سوق العمل ما لم تتغير قواعد اللعبة الحالية. الخبراء يقولون إن أصحاب القدرات الإبداعية والاستثنائية سيصمدون، أما من يؤدون مهام متكررة كمعظم البشر، فسوف يلتهمهم الذكاء الاصطناعي. بعد أن فقد العمال قوتهم السياسية وتضاءل دور النقابات، لم يعد الأمر مسألة عدد ساعات العمل، أو تخفيف ظروفه، كما في الماضي. إنه أن تكون هناك طبقة العمال أو لا تكون. هناك من لا يتوقع بطالة ضخمة ويقولون إن البلدان التي تمتلك أكبر عدد من الروبوتات، لديها أدنى معدلات بطالة. لكن ذلك حدث قبل أن يأتي «الغول» الذي لا يرضى إلا بالاستحواذ الكامل على الوليمة، أي الذكاء الاصطناعي. لم تعد الإضرابات حلا لأنها ربما تكون أفضل هدية لأصحاب العمل، الذين سيعتمدون أكثر على الروبوت الذكي. وبالفعل هناك استثمارات بمليارات الدولارات في هذا المجال. التكيف مع الجديد وتعلم مهارات جديدة ومواجهة الذكاء الاصطناعي بالذكاء العاطفي، أفضل طريقة للتنافس مع روبوت لا قلب له ولا حس اجتماعي لديه.. هل يمكن أن يتعامل الروبوت مع المريض كما تتعامل الممرضة مثلا؟ الذكاء الاصطناعي لا يستهدف العمال فقط، بل الدول أيضا.. إنه يتطلب مهارات مختلفة جذريا عن مهارات اليوم، فما بالك بدول ما زالت تعيش على مهارات الأمس؟
الدور على الحكومة
في كلمته خلال الاحتفال بعيد العمال تعهد الرئيس السيسي بنهج اقتصادي واضح، يبدأ بتنمية صناعية ويتضمن توفير فرص عمل للباحثين عن عمل، وينتهي بمكافحة التضخم ووقف ارتفاع الأسعار.. وهذه أول مرة، حسب عبد القادر شهيب في “فيتو”، يتعهد فيها الرئيس في كلمة رسمية له بمكافحة التضخم والسيطرة على الغلاء، ولذلك يتوقع أن يترجم هذا التعهد الرئاسي في سياسات اقتصادية ومالية ونقدية تلتزم الحكومة بتطبيقها، وتتخذ القرارات الضرورية اللازمة لتنفيذ هذه السياسات. فالمفروض أن تكف الحكومة عن نهج رفع أسعار ما تقدمه من خدمات للناس، بدءا من رسوم استخراج رخص السيارات والقيادة، وحتى رسوم استخراج الرقم القومي وشهادات الميلاد والوفاة والزواج والطلاق وجوازات السفر. والمفروض أن يهتم البنك المركزي بانتهاج سياسات نقدية تكبح التضخم، ليس فقط من خلال آلية سعر الفائدة، وإنما من خلال السياسات التي تقلص الفجوة الدولارية، وبالتالي تحمي الجنيه من الهبوط الكبير الذي كان السبب الأول والأهم في انفلات التضخم واندلاع الغلاء. ويتعين أن تمتنع وزارة المالية عن انتهاج سياسة التوسع في الأعباء الضريبية على المواطنين، التي يترتب عليها انخفاض في الدخول الحقيقية للعاملين، وأن تتوقف هي ووزارة التموين عن الحديث عن تخفيض دعم السلع الغذائية، وفي مقدمتها الخبز، أو مجرد التلويح بذلك. أما الحكومة كلها فعليها واجب تتضامن فيه كل وزاراتها هو مواجهة الاحتكارات التي تسيطر على أسواقنا، وتتحكم في تحديد الأسعار وترفعها كما تشاء، وترفض تخفيضها عندما تنخفض أسعارها العالمية، أو عندما تنخفض مستلزمات إنتاجها المستوردة من الخارج. باختصار على الحكومة أن تصوغ من السياسات ما يكفل مكافحة التضخم بعد تعهد الرئيس في عيد العمال، وأن تلتزم بتنفيذ هذه السياسات حتى ينخفض معدل التضخم، كما تعهدت من قبل إلى رقم أحادي أي أقل من عشرة في المئة، وهو الآن أربعة وثلاثين في المئة.
في محطة مصر
بعض الملاحظات الجديرة بالتأمل رصدها كارم يحيى في “المشهد” عن أحد أهم معالم مصر، من واقع تجربة مسافر عبر محطة مصر للسكك الحديدية (باب الحديد) متجها من القاهرة إلى الإسكندرية، لوحة توقيتات الرحلات وأرصفتها لا تعمل. وفي ساعات الصباح الباكر تشاهد الركاب، بمن فيهم الأجانب وكبار السن، يهرعون جيئة وذهابا حيارى بين الأرصفة حاملين أمتعتهم. وكأنه لا يكفي عذاب التعطل المتكرر لحجز التذاكر إلكترونيا من موقع الهيئة القومية للسكك الحديدية. متحف السكك الحديدية نهاية رصيف 4 مغلق، من دون كتابة ما يحدد مواعيد العمل على واجهته أو على بابه، لا بالعربية ولا باللغات الأخرى. وكأن على الراكب مصريا أو أجنبيا بعد قطع هذه المسافة الطويلة أن يقنع بالاكتفاء بغنيمة التطلع لاسمي وزير النقل ورئيس الجمهورية بخط مبالغ بضخامته فوق لوحة رخام فاخرة.. يقر معتادو التنقل بالقطارات بتحسن انضباط مواعيد الرحلات، لكن أحدث أجيال القطارات وأغلاها سعرا بين القاهرة والإسكندرية (التالجو) تأخر في رحلة الذهاب (رحلة 2025) انطلاقا من الثامنة صباحا 20 دقيقة عند الوصول، وفي العودة (رحلة 2026) انطلاقا من الساعة السابعة إلا عشر دقائق، 80 دقيقة، وبلا تنبيه واعتذار.. فشل البوابات الإلكترونية للدخول والخروج من الأرصفة، حيث إنها دائمة الأعطال. وفوق هذا فمن العبث واللا إنسانية إجبار من يقوم بمرافقة ومساعدة سيدة أو رجل عجوز أو مريض أو طفل على دفع خمسين جنيها. لمحطة مصر للسكك الحديدية (باب الحديد) تاريخ يعود إلى نحو 170 عاما، وهي قيمة معمارية متميزة تفخر بمثلها الأمم. ولكن كأنه لم يكف العدوان على الطابع التاريخي لبهو المحطة الرئيسي بدعوى “التطوير”، ومعه الغلاء المبالغ فيه لأسعار التذاكر. وها نحن نعاين عواقب تطوير مظهري بلا رقابة على خطط أو إنفاق، ومن دون روح أو مضمون، ولا اهتمام بالإنسان. وكأننا في قبضة سياسة احتقار الناس والتاريخ والحضارة والذوق الجمالي، نفقد ما كان متاحا مضمونا مريحا لأجدادنا وللأقل قدرة على الإنفاق.