بينما كان إسماعيل هنية في تركيا، أجرى مكالمة هاتفية مع رئيس المخابرات المصرية عباس كامل. أعرب عن تقديره لجهود الوساطة التي تقوم بها القاهرة منذ ثمانية أيام، وأوضح له بأن حماس تفحص “بروح إيجابية” اقتراحات اتفاق لوقف النار وتحرير المخطوفين. مشكوك أن يكون الجنرال كامل صدقه. فهو لا يزال يتذكر كيف أنه زار قطاع غزة قبل ثلاث سنوات والتقى السنوار وكيف وعدوه بالحفاظ على الهدوء.
يعرف المصريون بأنه لا بديل أمامهم؛ فالقاهرة تجثم تحت العبء الاقتصادي الجسيم بسبب الحروب من حولها. واكتشف رئيس الوزراء المصري مصطفى المدبولي، هذا الأسبوع بأن بلاد النيل تستضيف في أراضيها تسعة ملايين لاجئ. الكلفة السنوية – 10 مليارات دولار. قسم كبير منهم من دول إفريقيا. في السودان، مثلاً، حرب مضرجة بالدماء مع عشرات آلاف القتلى ومئات آلاف اللاجئين. الغزيون أيضاً جاؤوا بجموعهم – مائة ألف نسمة.
وتضاف إلى هذا ضربة اقتصادية في قناة السويس، بعد تخريب الحوثيين لمسار الملاحة في البحر الأحمر ما أدى إلى هبوط عشرات في المئة في مداخيل رسوم العبور في القناة. وحتى بدون هذا، الوضع الاقتصادي المصري ليس لامعاً: حسب التقديرات، نحو 60 في المئة من 106 مليون مواطن مصري يعيشون دون خط الفقر أو قريب منه. والآن، مع إمكانية موجة لاجئين إضافية من قطاع غزة، تبذل القاهرة كل ما في وسعها لتحقيق صفقة مخطوفين ومنع اجتياح رفح.
لا يضنون في الوسائل
لا يملك السيسي ترف قطر. فالإمارة قد تسمح لنفسها بإرسال هنية لإقامة طويلة في تركيا. كما أنها غير معنية بفشل إضافي في المفاوضات يسجل على اسمها وانتقادات تتعرض لها لاحقاً – عن حق أو عن غير حق – من سياسيين في الولايات المتحدة وإسرائيل.
المشاكل الاقتصادية لا تقلقها مثلما تقلقها العلاقات مع واشنطن، التي يمكن لإسرائيل أن تخربها. فمنذ زمن بعيد وإسرائيل تكن ضغينة لقطر. ويسهل نسيان أن قيادتها استجابت بسرور لتيار السيولة النقدية التي تعزز الردع المصطنع في غزة. ولهذا تبتعد قطر وتقترب مصر.
المصريون لا يضنون بالوسائل، ويسربون رسائل متفائلة في كل صوب تحرج حماس وتورطها مع الغزيين، الذين يستجدون أي وقف للنار. وأمس، استدعوا إسرائيل وحماس للقاهرة مرة أخرى.
حسب المنشورات العربية، سجل رجال السيسي نجاحاً في ساحة عودة الفلسطينيين إلى شمال القطاع، وهي مسألة قدمت فيها إسرائيل تنازلات. لمنهم لا يزالون ينتظرون بشائر طيبة حول شرط حماس لوقف نار دائم.
يواصلون المفاوضات
علينا أن نعترف: الوضع غير مشجع. على حد قول أحد الناطقين غير الرسميين لحماس، ليس هناك ما يمكن الوصول فيه إلى صفقة حالياً، والضغط الدولي على إسرائيل يتزايد. وبزعمه، سيضطر الجيش الإسرائيلي للخروج من القطاع، فلماذا نوقع على صفقة مع احتمال انسحاب إسرائيل بنفسها؟ كان لمسؤول حماس أسامة حمدان جواب أكثر تعقيداً حين أشار أنهم يتعاطون سلبياً مع الاقتراح الأخير – لكنهم يواصلون المفاوضات.
من الصعب الآن معرفة ما إذا كانت الأطراف في الطريق إلى الانفجار أم إلى صفقة جديدة، لكن يمكن القول إنه إذا لم تقبل حماس الاقتراح الحالي فستعرض نفسها لخطر النزاع مع القاهرة. فلمصر سيطرة على معبر رفح، وكانت شريكاً في السنوات الأخيرة في مشاريع عقارات في القطاع، فهي إذاً لاعب مهم في الإعمار المستقبلي وليس مجدياً التورط معها.
بالقدر ذاته، ثمة خطر مشابه حيال إسرائيل. فقد أوضحت مصادر رسمية في القاهرة بأن اجتياح رفح لن يؤثر على العلاقات مع إسرائيل، لكن من غير المؤكد أن يفوا بوعودهم. في هذا التهديد المزدوج قدرة على تقريب الطرفين لحل وسط في اللحظة الأخيرة.
لكن مثلما قبل 7 أكتوبر، يبدو أن المنطق ليس هو ما سيملي واقعنا، بل الوهم. فقد استندت حماس إلى مساعدة محتملة من الخارج في حينه أيضاً (إيران وحزب الله) واليوم أيضاً (الضغط الدولي). يبدو أنها فرضية تقوم على أساس جولات القتال السابقة.
معظم الإسرائيليين لن يوافقوا على استمرار وجود منظمة الإرهاب الإجرامية في غزة، وعلى أقل من نصر مطلق – حتى لو استغرق هذا سنوات. وقف نار مؤقت وتحرير مخربين لعينين من أجل تحرير إخواننا وأخواتنا، هو كل ما يمكن انتزاعه من الجمهور. رئيس الوزراء نتنياهو يعرف هذا جيداً، وليس له تفويض لإنهاء الحرب.
شاحر كلايمن
إسرائيل اليوم 3/5/2024