فشل العالم والإنسانية في الاختبار أمام الوحشية الإسرائيلية المستمرة في غزة، التي كانت توصف بأنها أكبر سجن في العالم. فقد تحولت غزة خلال الأشهر السبعة الماضية إلى أكبر مقبرة في العالم. لكن هذه المقبرة ستكون حتما نهاية للصهاينة الغربيين في الوقت نفسه، لأن مقاومة غزة أثبتت للعالم كله كم هي فارغة وزائفة تلك القيم الغربية التي تُفرض على العالم تحت مسمى المعايير العالمية.
اضطر جوزيب بوريل، مسؤول السياسة الخارجية لدى الاتحاد الأوروبي، ونائب رئيس المفوضية الأوروبية، قبل فترة وجيزة، إلى وصف غزة بأنها «أكبر مقبرة لعشرات الآلاف من الأشخاص، وهي أيضا مقبرة للعديد من أهم مبادئ القانون الإنساني». يبدو أن بوريل، وهو المعروف بعنصريته، قد تغير أيضا في مواجهة مجازر إسرائيل. بوريل، السياسي الإسباني وعضو الحزب الاشتراكي، أدلى في 19 يناير/كانون الثاني 2021 بتصريحات مفادها أن «أوروبا هي حديقة وأغلب بقية العالم هو أدغال»، وهو ما أثار استياء كبيرا في ذلك الوقت.
أبرياء غزة دمروا في سبعة أشهر عالم القيم الذي بناه الغربيون على مدار أربعة قرون.. وفضحت مقاومة غزة الوجه الصهيوني كاملا للفهم الغربي للحرية
لكننا رأينا في غزة أن البربرية والوحشية الحقيقية تكمن في الغرب نفسه، فالدول الغربية الداعمة للمجازر والإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل بدأت تمارس سياسة فصل عنصري عالمية ضد الداعمين لغزة، ما رفع حملات التشويه والتهجّم إلى أعلى مستوى. وهذا الوضع كشف عن عجز العالم الإسلامي وعن الوجه الاستعماري والوحشي والإبادي للغرب.
غزة اليوم تمارس دورا مميزا وفاصلا بالنسبة إلى الضمير العالمي، لأن الفظائع التي يتعرض لها شعب غزة أصبحت تُسقط قناع الديمقراطية الليبرالية الغربية، وتكشف الوجه البربري الذي يخفيه، ما يظهر مدى اهتزاز وتزعزع قيم مثل حقوق الإنسان وحرية التعبير وسيادة القانون. مقاومة غزة أظهرت كيف أن السياسيين الغربيين الذين يتظاهرون بالليبرالية والديمقراطية وأنصارهم في الشرق، لديهم في الواقع عقلية صهيونية بربرية. أبرياء غزة دمروا في سبعة أشهر عالم القيم الذي بناه الغربيون على مدار أربعة قرون. وفضحت مقاومة غزة الوجه الصهيوني كاملا للفهم الغربي للحرية. يمكننا القول في هذا السياق أن العالم الغربي يعيش انهيارا أيديولوجيا كبيرا. وشعوب الغرب لا تستطيع أن تتقبل حقيقة أن السياسيين الذين يديرون بلدانها هم مجرد دمى تتحكم فيها العقلية الصهيونية المجرمة. كما أن الشراكة في الجريمة بين إسرائيل والغرب تحولت اليوم إلى دمار متبادل. بات الغرب يضرب بجميع قيمه عرض الحائط من أجل إسرائيل، وكل مذبحة ترتكبها إسرائيل في غزة تزيد من الغضب المناهض للصهيونية في الغرب. ولا شك في أن محاولات الدول الغربية لقمع أي صوت أو احتجاج أو دعم لصالح فلسطين، بطرق وحشية صهيونية، ترتد عليها مثل البوميرانغ، وهذا يلحق ضررا أكبر بها. بدأت الشعوب الغربية ترى عن كثب الحقائق الموثقة في كتاب عضو الكونغرس الأمريكي بول فيندلي عام 1985 بعنوان «من يجرؤ على الكلام؟»، وكتاب عالمي السياسة جون ميرشايمر وستيفن والت، الصادر عام 2007 بعنوان «اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأمريكية». بمعنى آخر، هم يختبرون شخصيا حقيقة أن السياسيين الغربيين هم مجرد دمى وأنصار وأدوات أيديولوجية للنظام الصهيوني. ولذلك، لن تقتصر المقاومة في غزة والضمير العالمي الداعم لها على هدم أسطورة إسرائيل فحسب، بل إنها ستهز في الوقت نفسه أسس النظام العالمي القائم على الغرب.
كاتب تركي