باريس- “القدس العربي”:
تحت عنوان: “تونس تزيد من قمع المهاجرين”، توقفت صحيفة “لوموند” الفرنسية عند ما شهدته عدة منظمات غير حكومية في تونس باعتقال قادتها وتفتيش مكاتبها.
كانت الساعة الثانية فجر يوم الجمعة 3 مايو/أيار الجاري عندما ظهر رجال إنفاذ القانون أمام مخيم المهاجرين الذي أقيم مقابل مقر المنظمة الدولية للهجرة. ويقول سيمون، وهو كاميروني منفي يبلغ من العمر 21 عاماً ويفضل استخدام اسم مستعار: “كنا جميعاً نياماً، وفجأة، اضطررنا إلى الفرار من الشرطة. لكن أولئك الذين لم ينجحوا تم القبض عليهم”، كما تنقل عنه “لوموند”.
وكان هناك المئات منهم، معظمهم من دول غرب أفريقيا، ينامون في الخارج أثناء انتظار المساعدة من المنظمة الدولية للهجرة للعودة الطوعية إلى بلادهم. يؤكد سيمون، الذي قدم طلبًا في شهر ديسمبر الماضي للعودة إلى الكاميرون: “نريد فقط العودة إلى ديارنا. نحن لا نفهم لماذا فعلوا ذلك. كنا هادئين، ولم نهاجم أحدا، ولم نرتكب أي خطأ”.
علاوة على ذلك، في نهاية الشارع، استقر عدة مئات من المنفيين في ممرات حديقة عامة في انتظار الحصول على الحماية الدولية. الرجال والنساء وحتى الأطفال معظمهم من السودان ودول شرق أفريقيا التي مزقتها الحرب، توضّح “لوموند”.
ونصب آخرون خيامهم على بعد بضع مئات من الأمتار، أمام مقر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. كما تم إجلاء العشرات من المنفيين المقيمين في مركز الشباب منذ إغلاق مخيم شوشة عام 2017. وفي المجمل، تم إصدار نحو 80 مذكرة اعتقال ضد أولئك الذين تم اعتقالهم خلال عطلة نهاية الأسبوع، وتم طرد عدة مئات منهم على الأقل إلى حدود البلاد، وفقًا للعديد من المنظمات غير الحكومية. ويأتي هذا الإخلاء المنسق وواسع النطاق في أعقاب عمليات مماثلة أخرى في منطقة صفاقس الأسبوع الماضي، تتابع “لوموند”.
ومضت “لوموند” موضّحة أن الرئيس التونسي قيس سعيد، أقرّ لأول مرة، يوم الإثنين الماضي، بعمليات الطرد الجماعي من قبل السلطات التونسية، موضحا أن “400 شخص” أعيدوا إلى “الحدود الشرقية”، في “تنسيق مستمر” مع الدول المجاورة.
وقالت سلسبيل الشلالي، مديرة مكتب هيومن رايتس ووتش في تونس: “إننا نشهد قمعًا شاملاً للمهاجرين السود، الذين ما زالوا يعانون من الانتهاكات الممنهجة لحقوقهم”. وشددت على أن عمليات الاعتقال والطرد التي تقوم بها السلطات التونسية تتم “دون أي تقييم لكل حالة على حدة لوضع المنفيين، خارج أي سيادة قانون أو إطار قانوني”، وذلك ببساطة لأن “هؤلاء الأشخاص تم تحديد هويتهم: سود ومن بلدان إفريقية”.
وأوضحت “لوموند” أنه منذ الخطاب الذي ألقاه الرئيس قيس سعيد في شهر فبراير عام 2023، والذي وصف خلاله “جحافل المهاجرين غير الشرعيين” بأنهم شركاء في مؤامرة تهدف إلى تعديل الهوية العربية الإسلامية للبلاد، أجرت السلطات التونسية تحولاً أمنياً في إدارة المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء.
فقد امتدّ القمع ضد هؤلاء المهاجرين الأفارقة إلى منظمات المجتمع المدني في الأيام الأخيرة – تؤكد “لوموند”- حيث ألقي القبض على سعدية مصباح، رئيسة جمعية “منامتي” لمكافحة التمييز العنصري، يوم الاثنين الماضي، على ذمة القانون المتعلق بمكافحة الإرهاب وقمع تبييض الأموال، وتم وضعها رهن الاحتجاز لدى الشرطة.
كما استقبلت منظمة Terre d’Asile Tunisie، الفرع التونسي لـ France Terre d’Asile، شرطيين في مكاتبها بتونس العاصمة وصفاقس. وتمت مقابلة مديرتها السابقة، شريفة الرياحي، ثم تم وضعها في حجز الشرطة على أساس نفس القانون المستخدم ضد السيدة مصباح، حسبما قال مصدر لصحيفة “لوموند”، شريطة عدم الكشف عن اسمه.
كما تم اعتقال رئيس ونائب رئيس المجلس التونسي للاجئين، بتهمة ”تكوين جمعيات إجرامية تهدف إلى مساعدة الأشخاص على الوصول إلى الأراضي التونسية”، بحسب بلاغ للنيابة العامة، فيما يقوم المركز بمساعدة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في تسجيل طالبي اللجوء، بموافقة السلطات في غياب قانون ينظم حق اللجوء في تونس، توضّح “لوموند”.
وفي خطابه مساء الاثنين، انتقد الرئيس التونسي قيس سعيد الجمعيات التي “تتلقى مبالغ مالية هائلة من الخارج”. وقال: “لا مكان للجمعيات التي يمكن أن تحل محل الدولة”، واصفا قيادات هذه الجمعيات بـ “الخونة” و”العملاء”.
وبينما ترفض السلطات التونسية استقبال المهاجرين، تواصل منعهم من الوصول إلى أوروبا بدعم مالي ولوجستي من الاتحاد الأوروبي، تقول “لوموند”، مشيرةً إلى أنه في الفترة بين الأول من يناير و15 أبريل، اعترض الحرس الوطني 21270 مهاجراً في البحر، مقارنة بـ 13903 خلال نفس الفترة من عام 2023، وفقا للأرقام الرسمية.