صنعاء – «القدس العربي»: ساد، أمس الثلاثاء، هدوء نسبي في مدينة عدن جنوبي اليمن، عقب ليلة ساخنة من الاحتجاجات الشعبية الغاضبة شهدتها شوارع عدد من مديرياتها، جراء تفاقم أزمة انقطاع الكهرباء، وصولًا إلى 20-22 ساعة في اليوم في بعض مناطقها، وبخاصة الأحد والاثنين.
وتصاعدت أزمة الكهرباء بمدينة عدن، التي يسيطر عليها المجلس الانتقالي الجنوبي (الانفصالي)، جراء تزايد العجر في توليد الطاقة في المحطات العاملة، وبلغت الأزمة ذروتها مستهل الأسبوع الجاري.
وتتفاقم أزمة الكهرباء بالمدينة منذ سنوات، وتظهر بوضوح مع اقتراب فصل الصيف، جراء نفاد الوقود وتأخر وصول الكميات المشتراة، فيما اعتبر مراقبون هذه الأزمة نتيجة واقعية لما اسموه فسادًا حكوميًا في التعامل مع ميزانية شراء وقود المحطات الحكومية، بالإضافة إلى “الطاقة المشتراة”، فيما اعتبره آخرون نتيجة طبيعية لتزايد الأحمال مع محدودية الطاقة التوليدية للمحطات الحكومية الحالية في ظل ارتفاع عدد سكان المدينة خلال الثمان السنوات الماضية.
وبلغت ساعات الإطفاء ذروتها، الأحد حتى عصر الاثنين، إذ غرقت المدينة معظم ساعات يوم الأحد تحديدًا في ظلام دامس، ووصلت ساعات الإطفاء في بعض المناطق إلى 20-22 ساعة في اليوم، و12 ساعة في مناطق أخرى، مع ارتفاع درجات الحرارة، الأمر الذي فاقم من معاناة السكان في المدينة الساحلية، التي تعتمد خدماتها بدرجة رئيسية على الكهرباء.
ونتج عن تلك الحال اندلاع موجة غضب شعبي، وتصاعد حركة الاحتجاجات، التي شهدتها شوارع المدينة مساء الاثنين، وبخاصة مديريات الشيخ عثمان والمنصورة والمعلا. واضطر المحتجون لإضرام النار في إطارات السيارات، وإغلاق بعض الشوارع، نجم عن ذلك نزول قوات أمن على متن سيارات مدرعة لتفريق المتظاهرين، بالتزامن مع حملة الكترونية في منصات التواصل الاجتماعي.
واتهم ناشطون في منصات التواصل إدارة أمن عدن، الخاضعة لسيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي، بالاستخدام المفرط للقوة وإطلاق الأعيرة النارية وتنفيذ حملة اعتقالات بحق المتظاهرين.
وكتبت المحامية والناشطة الحقوقية، هدى الصراري، مساء الاثنين، على منصة إكس: “نزول مدرعات للشارع الرئيسي بمديرية المعلا قامت بإطلاق رصاص فوق المواطنين المتظاهرين احتجاجًا على انقطاعات الكهرباء، التي وصلت لأكثر من12ساعة في اليوم، بينما اندلعت احتجاجات أخرى في مديريات الشيخ والمنصورة. من الغباء استخدام القوة المفرطة، ومنع الناس من التعبير عن حقوقهم”. فيما كتب الصحافي، أنيس منصور، عن حملة اعتقالات.
وكتبت عايدة أحمد: “أول عمود كهرباء في الجزيرة العربية كان في عدن عام 1928، وبعد مرور 96 عاما عدن بلا كهرباء، والسبب الصراع بين السعودية والإمارات للسيطرة وفرض النفوذ على عدن وبقية مناطق الجنوب، ويعاونهم في ذلك الأطراف السياسية الموالية لهم، دون أي اعتبار لمعاناة الناس. كلكهم فاسدون لا نزكي منكم أحدا”.
إدارة أمن عدن أعربت، في بيان عن تقديرها “لحالة الغضب الشعبي لأبناء مدينة عدن جراء الانقطاع المتكرر للكهرباء نتيجة نفاد الوقود المشغّل لمحطات التوليد”. وأعلنت مساندتها “لمطالب المواطنين المشروعة ووقوفها لجانب حرية التعبير والاحتجاج المكفولة وفقًا للقانون وبالطرق السلمية، دون الاعتداء على مصالح المواطنين وممتلكاتهم، أو السماح لأي طرف باستغلال الغضب الشعبي من أجل القيام بالتخريب والإضرار بالمنشآت العامة والخاصة” وفق البيان.
ودعت المواطنين “للالتزام بأقصى درجات ضبط النفس”، منوهة “بجهود حثيثة لإعادة التيار الكهربائي من خلال توفير مادتي الديزل والمازوت لمحطات التوليد، وإعادة الخدمة إلى وضعها السابق”.
وقال مصدر محلي، أمس الثلاثاء، لـ”القدس العربي”: “عادت الكهرباء بواقع ساعتين تشغيل وست ساعات انقطاع، بعد ضخ 800 طن من الديزل للمحطات تكفي ليومين فقط”، مما يعني أن الوضع مرشحًا للتصعيد في حال لم يصل الوقود الكافي لمحطات التوليد، وذلك من خلال سفينة الديزل الراسية في ميناء الزيت بعدن منذ بضعة أيام، وتنتظر سداد الحكومة لقيمتها قبل تفريغها، بالإضافة إلى سفينة المازوت، المتوقع أن تفرغ جزء من شحنتها في ميناء المكلا في حضرموت (شرق)، ومن ثم تتجه صوب عدن لإفراغ بقية الشحنة لمحطات كهرباء عدن.
وأوضح المتحدث باسم كهرباء عدن، نوار أبكر، بخصوص سفينة شحنة الديزل أنه “جرت التفاهمات بين الجهات المعنية (لم يوضح من هي)، والتزم التاجر صاحب الشحنة بأنه سيتم (الثلاثاء) إدخال السفينة (لرصيف ميناء الزيت) وضخ الوقود لخزانات المصافي (مصافي عدن)”. أما سفينة المازوت فقال: “ستصل خلال يومين (المتوقع وصولها الثلاثاء وفق تصريحه قبل يومين) إلى المكلا، وسيتم تفريغ جزء من الكمية لتشغيل محطات الكهرباء هناك، ومن ثم ستتحرك السفينة إلى عدن، وتم التأكيد على عدم تكرار المشكلة المالية لشحنة الديزل، وبحسب الاتفاق مع محافظ حضرموت فأنه بعد وصول المازوت لمحطاته سيتم السماح بنقل النفط الخام لمحطة الرئيس بالعاصمة عدن” وفق منشور له على صفحته في “فيسبوك”.
واتهمت مصادر في المجلس الانتقالي الجنوبي(الانفصالي) الحكومة بتأخير سداد قيمة شحنة الديزل في السفينة الراسية في ميناء الزيت بعدن، على الرغم من أنه تم إقرار المناقضة أواخر رمضان.
حاليًا وتحديدًا منذ مساء الاثنين والثلاثاء تعمل محطات التوليد بعدن من خلال (شحنة اسعافية)، وبواسطتها عادت الطاقة الكهربائية بشكل مؤقت لأحياء المدينة بواقع ساعتين تشغيل مقابل ست ساعات إطفاء كما سبقت الإشارة.
وقال المتحدث باسم كهرباء عدن، لوسائل إعلام محلية إن عملية الضخ (الكمية الاسعافية) تمت في الساعة 11 من صباح الاثنين، وعاد جزء كبير من محطات التوليد إلى الخدمة، وستعود بقية المحطات تدريجيًا في عودة مؤقتة للكهرباء.
وأوضح لقناة “عدن المستقلة”: “عملية إعادة التشغيل بدأت في بعض المناطق التي وصلت ذروة الانطفاء فيها قرابة 20-22 ساعة كاملة. تم إعادة 80% من هذه المناطق، أما بالنسبة لساعات التشغيل والانطفاء لم تحدد بعد بسبب عدم استقرار التوليد من منظومة كهرباء عدن”.
وتابع: “حاليًا المنظومة في عودة مؤقتة، وعلى أمل أن السفينة (شحنة الديزل) ستدخل اليوم (الاثنين) أو غدا (الثلاثاء) إلى رصيف ميناء الزيت، وسيتم ضخ المشتقات إلى المصافي، ومن ثم إلى محطات التوليد”.
وقال: “باخرة الديزل لها أكثر من 7 أيام متواجدة في ميناء الزيت، ووجهنا خطابات ومذكرات للجهات المعنية كافة بأن حالة وقود الكهرباء متدنية جدًا، ومحطات التوليد بدأت بالخروج والإيقاف التدريجي بدأ منذ الأسبوع الماضي بسبب عدم وجود وقود كاف”.
وقال مصدر محلي لـ”القدس العربي” إنه لم يتم الإعلان حتى، الثلاثاء، عن دخول سفينة شحنة الديزل رصيف ميناء الزيت لتفريع حمولتها في خزانات مصافي عدن”.
وأوضحت مؤسسة الكهرباء في عدن لوسائل الإعلام إن “قطاع الكهرباء يواجه تحديات وصعوبات كبيرة ومتراكمة منذ سنوات وزاد معدل أحمال الطاقة الكهربائية في عدن مع التوسع العمراني والكثافة السكانية الكبيرة، حيث إن إجمالي الطاقة التي تحتاجها المدينة يصل إلى 650 ميغاوات، بينما ما تنتجه المحطات أقل من 150 ميغاوات يوميًا أي ما يقارب 30 % فقط من الاحتياج”.
ونقلت مصادر عن الحكومة اليمنية توضيحًا مفاده إنها تنفق ما يعادل مليار ومئتي مليون دولار سنويًا من أجل توفير الوقود واستئجار محطات توليد بواقع 100 مليون دولار شهريًا، بينما ايرادات الكهرباء لا تصل إلى 50 مليون دولار سنويًا.
المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يشارك في حكومة المناصفة، ويتولى مقعد وزارة الكهرباء وإدارة مدينة عدن، قال إن الفساد هو السبب الرئيسي في تجدد مشكلة الكهرباء كل سنة بالمدينة، بما فيها الطاقة المشتراة، متحدثا عما اسماه (لوبي فساد) في الحكومة يتحكم في ميزانية قطاع الكهرباء.
واقترح خبراء اقتصاديون تابعون لـ”الانتقالي” تقسيم المؤسسة العامة للكهرباء إلى ثلاث مؤسسات: “مؤسسة توليد ومؤسسة توزيع ومؤسسة تحصيل” باعتباره حلاً لتوفير إيرادات كافية لتغطية احتياجاتها من الوقود، والقضاء على الفساد الناجم عن دعم شراء الوقود والطاقة المشتراة.
واتهم الخبير الاقتصادي، محمد الكسادي، ما اعتبره لوبي الفساد في الحكومة بالوقوف وراء المشكلة. وقال: سيستمر الأمر كما هو عليه، لأنه لا توجد نية منذ ثمان سنوات لتجاوز هذه المعاناة.
ولا تنحصر مشكلة الكهرباء على مدينة عدن، بل هي قائمة في معظم محافظات جنوب اليمن، بما فيها لحج وأبين وحضرموت، إلا أنها ليست بالمستوى الذي هي عليه في عدن.