التأمت القمة العربية الثالثة والثلاثون «في ظرف استثنائي حرج» كما قال وكيل وزارة الشؤون السياسية في الخارجية البحرينية، مشيرا بالطبع إلى العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ومنوها، كما جرت العادة، بـ«ازدواجية المعايير الدولية».
وكما وعدتنا تصريحات المسؤولين في الجامعة العربية بأن القمة ستركز على ملفي الحرب في غزة ووقف إطلاق النار فيها فقد سمع متابعو تفاصيل الاجتماع ما يدل على ذلك من خطب القادة العرب، بدءا من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، راعي القمة السابقة، الذي طالب المجتمع الدولي بدعم جهود وقف إطلاق النار، والذي سلّم أعمال القمة الأخيرة لملك البحرين حمد بن عيسى، الذي رغم حديثه عن إنكار الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ودعم الاعتراف بدولة فلسطين لكن تركيزه كان على «ضرورة السلام» داعيا لمؤتمر دولي لبحثه.
رأى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن «الوضع الحرج يتطلب ضم أيدينا معا لوضع حد فورا للحرب ضد الفلسطينيين» وأكد الملك الأردني عبد الله الثاني رفض الفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة وتهجير الفلسطينيين من أراضيهم وعلى دعم وكالة أونروا، واعتبر الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد ما ترتكبه إسرائيل إبادة جماعية، ودعا رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي لدعم جهود جنوب أفريقيا في محكمة العدل الدولية لإدانة الاحتلال بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية.
كان لكلمة أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، حيز مهم بسبب مواقفه الشجاعة منذ بدء الحرب على غزة، ولدور مؤسسات المنظمة الأممية ومفوضيها في فضح إسرائيل ودعم العمل ضمن الأطر الدولية لوقف الحرب، كما رفع أمين عام الجامعة، أحمد أبو الغيط، سقف الخطابات بالحديث عن «تواصل عمليات التطهير العرقي» وعن «أوهام القوة والهيمنة الإسرائيلية» وأن «أقرب أصدقاء وحلفاء إسرائيل يقف اليوم عاجزا عن لجمها» فيما أشاد رئيس المفوضية الأفريقية، موسى فقي محمد، بمساعي قطر ومصر في وقف الحرب.
لعل كلمة الرئيس الفلسطيني محمود عباس أحرجت الجوّ الخطابي للقمة بحديثه عن عدم تلقي الحكومة الفلسطينية أي دعم مالي، فيما تواصل إسرائيل قتل الفلسطينيين بدعم أمريكي، فيما حفظ اجتماع القمة «ماء الوجه» بسكوت رئيس النظام السوري بشار الأسد عن الكلام هذه المرة، أما الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، فسجّل نوعا من الاعتراض على القمم العربية، بتغيبه عن هذه القمة كما فعل في قمة الرياض قبلها.
شكّلت الفقرتان الثالثة والرابعة من إعلان المنامة الصادر عن القمة ما يعادل ثلث البيان وتناولتا الشأن الفلسطيني بكل جوانبه بدءا من إدانة العدوان الإسرائيلي والمطالبة بوقفه وخروج قوات الاحتلال ورفع الحصار وفتح المعابر، وتمكين منظمات الأمم المتحدة ورفض التهجير القسري من كافة أنحاء الأراضي المحتلة وتوفير الحماية للمدنيين ووقف إرهاب المستوطنين، والتشديد على قدسية القدس ورفض تهويدها، ودعم الوصاية الهاشمية على المقدسات، ويجدر الذكر أيضا، أن البيان استجاب، على ما يبدو، لبعض دعوات «الاعتدال» والمطبعين فأعرب عن «القلق الشديد من التصعيد العسكري الأخير في المنطقة» ودعا «كافة الأطراف إلى ضبط النفس» و«إطلاق سراح الرهائن والمحتجزين».
تركّزت القمة فعلا على فلسطين، وتطرّق كل مسؤول كبير عربي، كالعادة، إلى القضايا التي تهمّه، كما فعل الأمير بن سلمان في الإشارة إلى أحداث البحر الأحمر، وكما فعل الملك الأردني بالحديث عن ضرورة «وقف تهريب الأسلحة والمخدرات» إلى بلاده، وكما فعل الرئيس الفلسطيني الذي انتقد «حماس» واعتبر أنها قدّمت «ذرائع» لإسرائيل.
غير أن هذا التركيز على فلسطين، لم يترافق، للأسف، مع أي إعلان عن أمر يفيد الفلسطينيين أو يردع إسرائيل، من قبيل أن تعلن إحدى دول التطبيع عن تخفيض علاقاتها بالدولة العبرية، أو تعلن القمة عن قرار جماعي، أو فردي، بدعم ماديّ للفلسطينيين المنكوبين، فلم نشهد، بالنتيجة، أي شكل من أشكال الضغط المؤثر على إسرائيل، فما دامت أمريكا، كما أشار أمين عام الجامعة أحمد أبو الغيط، «لم تستطع لجمها» فما فائدة اجتماع قمة عربي لا تصدر عنه نتائج يمكن أن تلجم المعتدي؟
كان الاجتماع كالعادة، خطابيا وبلاغيا بشكل يوحي أن جامعة الدول العربية هي أقرب إلى ناد للاجتماع الدوري بين الزعماء العرب، وعليه فقد أصدر كالعادة بيانا قويّا و«لكن من دون أنياب»!