العراق: ضغط شيعي لإنهاء مهام البعثة الأممية بحجّة تجاوز الصلاحيات ومخاوف من آثار سلبية على الاستقرار الهشّ

مشرق ريسان
حجم الخط
0

أيد عدد من أعضاء مجلس الأمن بينهم روسيا والصين طلب بغداد إنهاء مهمة بعثة الأمم المتحدة «يونامي» بحلول العام المقبل، لكن واشنطن لم تقدم دعمها لهذه الخطوة.

بغداد ـ «القدس العربي»: تضغط الحكومة العراقية، برئاسة محمد شياع السوداني، والقوى السياسية الشيعية المنضوية في «الإطار التنسيقي» أبرز الداعمين للحكومة، لإنهاء مهام بعثة الأمم المتحدة العاملة في العراق «يونامي» نهاية العام المقبل، لأسباب تتعلق بـ«الاستقرار» الذي تشهده البلاد على المستويين السياسي والأمني، فضلاً عن انتقادات سياسية واسعة لعمل البعثة الأممية و«تجاوزها» الصلاحيات الممنوحة لها.

وحسب المتحدث باسم الحكومة، باسم العوادي، فإن العراق طلب من مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة، في أيار/مايو 2023 تقليص ولاية بعثة الأمم المتحدة «يونامي» وإجراء تقييم موضوعي لعملها؛ تمهيداً لإنهاء مهمتها وغلقها بشكل نهائي.
وتربط الحكومة ذلك الإجراء بـ«انتفاء الظروف التي تأسست من أجلها هذه البعثة قبل 21 عاماً» مبيناً أن مجلس الأمن بالفعل «فريق الاستعراض الاستراتيجي المستقل» الذي أجرى تقييماً مستقلاً لبعثة «يونامي» خلص فيه إلى عدم وجود حاجة لاستمرار عملها «وذلك نظراً للتطورات الإيجابية والإنجازات المهمة التي تحققت في العراق وفي شتى المجالات الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، وعلاقاته الإقليمية والدولية».
وتؤكد الحكومة، حسب العوادي، أن «إنهاء عمل البعثة في العراق جاء كنتيجة طبيعية لتطور العلاقة بين العراق والأمم المتحدة، وتعميقاً للتعاون على مستويات أخرى مختلفة، وتأمل الحكومة العراقية صدور قرار من مجلس الأمن نهاية هذا الشهر يتضمن الاستجابة لطلبها وتوصية الفريق الأممي المستقل، وينظّم كذلك متابعة بعض الملفات بآلية يتمّ الاتفاق عليها، بما يضمن، أيضاً، استمرار عمل الوكالات الدولية العاملة في العراق».
وبشأن مدى قانونية الطلب العراقي، يقول الخبير القانوني علي التميمي، إنه يحتاج إلى قرار من مجلس الأمن وموافقة الأغلبية وعدم اعتراض أحد الدول الخمس الدائمة العضوية، مشيراً إلى إنه حسب الصلاحيات الممنوحة لمجلس الأمن بموجب الميثاق من مادة 39 إلى المادة 52 ولأن مجلس الأمن هو من أنشأ «يونامي» ومن يمدد كل عام «فله حق الإلغاء، والقرار لا يلغى إلا بقرار».
ورأى في إيضاح له بأن «التعامل مع الأمم المتحدة يكون بالإقناع والحجة والإثبات وليس الرغبات، ويمكن لمجلس الأمن وفق صلاحياته الواسعة، رفض الطلب، خصوصا إذا اعترضت إحدى الدول الخمس الدائمة العضوية أو استخدمت الفيتو على التصويت».
وفي الاجتماع الأخير لمجلس الأمن، أيد عدد من أعضاء المجلس- بينهم روسيا والصين- طلب بغداد إنهاء مهمة بعثة الأمم المتحدة في العراق «يونامي» بحلول العام المقبل، لكن واشنطن لم تقدم دعمها لهذه الخطوة.
وكرر عباس كاظم الفتلاوي نائب مندوب العراق لدى الأمم المتحدة أمام المجلس طلب بلاده من المنظمة الدولية أن تنهي بحلول نهاية 2025 مهمتها السياسية التي تؤديها منذ أكثر من 20 عاما، قائلا إن «المهمة حققت أهدافها».
وأيد المبعوث الروسي فاسيلي نيبينزيا وجهة النظر هذه، معتبراً أن «العراقيين مستعدون لتحمّل مسؤولية المستقبل السياسي لبلادهم».
وأضاف أن «المشاكل المتبقية يجب ألا تصبح ذريعة لبقاء بعثة الأمم المتحدة في البلاد إلى أجل غير مسمى».
وأشار غينغ شوانغ، نائب مندوب الصين لدى الأمم المتحدة إلى أنه في إطار التجديد السنوي للبعثة -التي ينتهي تفويضها في نهاية مايو/أيار الجاري- يتعين على المجلس «اقتراح خطة من أجل ضمان الانسحاب التدريجي والانتقال السلس نحو الانسحاب النهائي».
ونظرا إلى أن بعثات الأمم المتحدة لا يمكنها العمل إلا بموافقة الدولة المضيفة فقد أعربت بريطانيا وفرنسا أيضا عن دعمهما التحول في الشراكة بين العراق والأمم المتحدة.
وكان موقف الولايات المتحدة أكثر غموضا، إذ قالت السفيرة ليندا توماس غرينفيلد إن بعثة الأمم المتحدة لا يزال أمامها «عمل مهم يتعين عليها تأديته» ولم تتطرق إلى طلب بغداد.
وشددت غرينفيلد على الدور الرئيسي للبعثة في كثير من القضايا السياسية المهمة، مثل دعم تنظيم الانتخابات وتعزيز حقوق الإنسان، على الرغم من أن العراق طلب بوضوح أن تركز البعثة بشكل أكثر مباشرة على القضايا الاقتصادية.
وفي تقييم طلبه المجلس، قال الدبلوماسي الألماني فولكر بيرتس في مارس/آذار الماضي إن بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق التي كان لديها أكثر من 700 موظف حتى أواخر عام 2023 «تبدو في شكلها الحالي كبيرة جدا».
ودعا بيرتس البعثة إلى «البدء في نقل مهماتها إلى المؤسسات الوطنية وفريق الأمم المتحدة في البلاد بطريقة مسؤولة ومنظمة وتدريجية ضمن إطار زمني متفق عليه».
والبعثة- التي أنشأها مجلس الأمن عام 2003 بناء على طلب الحكومة العراقية وتم تعزيزها عام 2007 ويجري تجديدها سنويا- يتمثل تفويضها في تقديم الدعم إلى حكومة العراق من أجل تعزيز الحوار السياسي الشامل والمصالحة الوطنية وإجراء الانتخابات والإصلاح الأمني.
وفي آخر إحاطة لها قدمتها أمام مجلس الأمن الدولي، ذكرت جينين بلاسخارت، رئيسة البعثة الأممية في العراق، أن «الفساد والتهميش ونشاط المسلحين، تعد تحديات مستمرة في العراق».
وأضافت أن «عراق 2024 آخذ في التطور وبسرعة» مبينة أن «البيئة الأمنية في العراق باتت أكثر استقراراً».
واعتبرت أيضاً أن «العناصر المسلحة الخارجة عن القانون تمثل تحدياً مستمراً للدولة العراقية».
وأشارت إلى أن «هناك حاجة ماسة إلى انتخابات في إقليم كردستان» لافتة إلى أن «الجمود السياسي في ديالى وكركوك لا يزال قائماً والمخاطر حول شرعية المؤسسات هائلة».
إنهاء مهام البعثة الأممية يحظى بتأييد سياسي وبرلماني «شيعي» واسع، إذ اعتبر رئيس كتلة «أجيال» النيابية النائب محمد الصيهود، قرار حكومة السوداني بطلب إنهاء مهمة «يونامي» من أهم القرارات باتجاه «إكمال السيادة الوطنية» مبينا أن جميع مبررات تواجد «يونامي» في العراق «قد انتفت».
ونقلت مواقع إخبارية مقرّبة من «الإطار» الشيعي، تصريحاً للصيهود ذكر فيه أن «تصرفات البعثة في الآونة الأخيرة تجاوزت كل الصلاحيات التي تحكم عملها».
وأضاف أن «قرار حكومة السوداني بتقديم الطلب للأمين العام للأمم المتحدة بإنهاء مهمة يونامي في العراق قرار صائب وخطوة حقيقية باتجاه إكمال السيادة الوطنية».
كما سبق أن دعت لجنة العلاقات الخارجية، الأسبوع الماضي، إلى البدء بإجراءات إنهاء عمل بعثة الأمم المتحدة بالعراق.
وقال نائب رئيس لجنة العلاقات الخارجية جبار الكناني في «تدوينة» له، إن «اللجنة تدعو وزارة الخارجية للبدء بإجراءات إنهاء عمل بعثه الامم المتحدة في العراق وبما ينسجم مع توجهات الحكومة العراقية».
في الطرف المقابل، قال النائب المستقل سجاد سالم، إن الطلب الذي تقدمت به الحكومة لإنهاء دور بعثة الأمم المتحدة في العراق «يونامي» يعني «انتصار السلاح المنفلت» في العراق.
النائب المستقل الداعم لحراك تشرين الاحتجاجي، أفاد في لقاء تلفزيوني بأن «المسعى السياسي والحكومي الذي يهدف إلى إنهاء بعثة الأمم المتحدة في العراق، يعود بالفائدة على مجاميع السلاح المنفلت الذين سيحققون نصراً إذا ما تمت هذه الخطوة».
ورأى أن «دور بعثة الأمم المتحدة مهم للحفاظ على العملية الانتخابية، وأن غياب دور الأمم المتحدة في مراقبة الانتخابات يضعف من المراقبة الدولية لنتائج الانتخابات».
كذلك، يعتبر الباحث في الشأن العراقي، مجاهد الطائي، أن قرار الحكومة بشأن إنهاء مهمّة «يونامي» في العراق، يأتي لإغلاق الباب أمام الانتقادات التي تواجهها أمام مجلس الأمن.
وكتب الطائي في «تدوينة» له، أنه «تسعى بغداد إلى إنهاء ولاية بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (لتحسن الظروف الأمنية والاستقرار)» مبيناً أن «الحكومة العراقية تريد وضع حد لانتقادات بلاسخارت أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة».
وأضاف: «نظراً لهيمنة الجهات السياسية المسلحة، فإن إنهاء مهمة الأمم المتحدة من شأنه أن يحد من الإشراف الدولي، وبالتالي يعرض الاستقرار الهش في البلاد للخطر» مشيراً إلى إن مساعي السوداني لإنهاء عمل البعثة الأممية لاقت « ترحيبا من حلفائه في إطار التنسيق الشيعي».
وأفاد بأن «إدارة السوداني سئمت من التعرض للانتقاد أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وترغب في إغلاق الطريق أمام هذا الوضع» معتبراً أنه «إذا تم تأكيد نهاية تفويض بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق بحلول نهاية عام 2025 فمن المرجح أن يضع حلفاء السوداني ذلك كعلامة على تحسين الأمن والاستقرار وكذلك انتصار على التدخل الأجنبي».
غير أن الخبير العراقي في حقوق الإنسان، علي البياتي، ردّ على تصريحات الطائي عبّر «تدوينة» ذكر فيها، أن «غياب الانتقاد من الداخل لا يعني انتهاءه من الخارج. هذا سيفتح المجال أكثر لوصول تقارير من خارج العراق أكثر حدة وأكثر صراحة للواقع العراقي» مستدركاً بالقول: «بعثة الأمم المتحدة اعتقد كانت أكثر مجاملة في نقلها للحقيقة».

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية