«المتدرب»: يلم يرصد السنوات الأولى لصعود دونالد ترامب

نسرين سيد أحمد
حجم الخط
0

كان ـ «القدس العربي»: يستمد «المتدرب» فيلم المخرج الإيراني/السويدي علي عباسي، عنوانه من برنامج ذائع الصيت هو «ذي أبارينتيس» أو «المتدرب» الذي كان يقدم نسخته الأمريكية دونالد ترامب. يرصد الفيلم، المشارك في المسابقة الرئيسية لمهرجان كان في دورته السابعة والسبعين (14 إلى 25 مايو/أيار) صعود دونالد ترامب في مجال المال والأعمال والعقارات في السبعينيات والثمانينيات.
المتدرب في الفيلم هو دونالد ترامب ذاته، الذي تلقى تدريبه في عالم الأعمال، وهو التدريب الذي اتبعه لاحقا في صعوده السياسي أيضا، على يد محامٍ مخضرم هو روي كوهين (جيرامي سترونغ). لا يقدم علي عباسي رأيا مسبقا في ترامب ويترك للمشاهد تقييم شخصيته وصعوده عبر تطور شخصيته في الفيلم. نرى دونالد ترامب، الذي يلعب دوره بإجادة كبيرة سناستيان ستان، في مقتبل شبابه في أوائل السبعينيات. يعمل في شركة عقارات يمتلكها والده، ويطرق الأبواب لتحصيل الإيجارات المتأخرة المتراكمة من السكان، لكنه يحلم ببناء ناطحة سحاب أنيقة فاخرة بالقرب من محطة سنترال ستيشن في قلب نيويورك. والعقبة الوحيدة في طريق ذلك هي أن شركة والده تواجه قضايا لها صلة بالعنصرية، لأنها لا تؤجر حصة معينة من وحداتها لأعراق أخرى. يبدو منذ الوهلة الأولى افتتان ترامب بأصحاب السطوة والثروة الضخمة، حيث يفاخر بعضوية نادٍ خاص لا يرتاده سوى أثرى أثرياء المجتمع، ونرى انبهاره بهم، وعزمه على أن يكون واحدا منهم. في هذا النادي يتعرف ترامب على روي كوهين، وهو محام مخضرم يفوز في قضاياه أيا كان السبيل إلى ذلك. يدني كوهين ترامب منه لأنه يستشف فيه متدربا جيدا للصعود في عالم المال. ينبهر ترامب بثقة كوهين في نفسه، وفي قدرته كمحامٍ، بتعاليه على خصومه. ويستشف كوهين طموح ترامب الكبير. ويقرر أن يتبناه في رحلة صعوده، ويعلمه قواعده الثلاث للنجاح: الهجوم دائما، وعدم الإقرار بأي مخالفة قانونية، وعدم الإقرار بالهزيمة مهما كانت الظروف. ينبهر ترامب بقدرة كوهين على الفوز دائما على خصومه، حتى لو كان ذلك باللجوء إلى الابتزاز والضغط. يصور الفيلم فريد، والد ترامب، على أنه رجل لا يقدم الدعم المعنوي أو السند لأبنائه، وبالتالي يجد ترامب في كوهين أبا روحيا ومعلما، مرشدا.
ترامب الشاب المبتدئ الذي نراه في النصف الأول من الفيلم، يختلف تماما عن شخصيته في النصف الثاني. في النصف الأول نرى ذلك الشاب الذي لا يشرب الكحول ولا يدخن، والذي لا يزال لا يعرف كيف يمسك بالخيوط المطلوبة للصعود. يجسد ستان بإتقان بالغ حركات ترامب وتعبيرات وجهه وكيفية سيره وحديثه، لكنه لا يسعى إلى محاكاة ترامب أو تقليده. يقدم ستان شخصية ترامب كشابٍ غرير، ليست لديه القدرة على إدارة محادثة ناجحة، أو اختيار حلة أنيقة يقدم نفسه بها للمجتمع. يقدم عباسي ترامب في المنتصف الأول من الفيلم كشخصية يمكننا التعاطف معها ومع سذاجتها وقلة خبرتها، بغض النظر عن الانتماءات السياسية. هو توجه قد يغضب معارضي ترامب السياسيين، لكنه يبرز بالتضاد التحول الكبير في شخصية ترامب في النصف الثاني من الفيلم.
يؤدي سترونغ شخصية كوهين بإتقان كبير، يقدمه كرجل صارم حاذق لاذع الحديث، لا يبتسم ولا يدني منه أحدا، لكنه يختار ترامب ليكون تلميذه. يعلم كوهين ترامب كيف يتحدث للصحافة والإعلام، وكيف يلمع صورته ويعلمه المراوغة في الحديث، بعض العبارات، التي طالما سيستخدمها ترامب في مسيرته السياسية. لا يقحم عباسي أيا من تلك التعبيرات ولا يفرط في استخدامها، لكنه يلفت انتباهنا إلى عبارة «لنجعل أمريكا عظيمة مجددا» وهو أحد شعارات الرئيس رونالد ريغان، التي كثيرا ما سمعها ترامب في شبابه. لكن ترامب لا ينجرف إلى العاطفة في رحلة صعوده، فبعد أن يتعلم من كوهين المهارات التي يحتاجها للصعود، ينحسر اهتمامه به، ويركز على مشاريعه ومن بينها بناء ترامب تاور. يصور الفيلم افتتان ترامب بزوجته الأولى إيفانا في بداية تعارفهما، ثم عزوفه عنها لاحقا بعد الزواج، وبعد أن تصبح شريكته في شركة العقارات. ونشهد أيضا تحول ترامب من الشاب الذي لا يشرب الكحول، إلى رجل يعاقر الأمفيتامين المنشط، ويخضع لجراحات شفط الدهون وزراعة الشعر. نشعر بغصة للتحول الكبير الذي تشهده شخصية ترامب. نراه يصفع زوجته إيفانا ويطرحها أرضا، يصبح مليئا بذاته لا يقدر صداقاته، نرى تصاعد أنانيته وتخليه عن كوهين في مرضه الأخير.
يمكننا القول إن «المتدرب» يقدم لنا في نصفه الأول لمحة عن ترامب قبل أن يتحول إلى ترامب الذي نعرفه حاليا. يقدم صورة لسنوات البراءة، التي كان يود أن يتخلص منها ليتحول إلى رجل الأعمال الذي يحقق المليارات. لكن الفيلم لا يتعمق في شخصية ترامب أو دوافعه، بخلاف لمحات عن تعامل أبيه الصارم معه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية