طرابلس ـ «القدس العربي»: رغم الحديث عن تقدم في المفاوضات الدائرة بين مجلس النواب ومجلس الدولة والمجلس الرئاسي وقرب توجههم لجولة أخرى مع وصولهم لنتائج ملموسة إلا أن مفوضية الانتخابات ومراقبين استبعدوا بشكل متكرر إمكانية عقد أي انتخابات على المدى القريب.
ومؤخراً، أكد رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، انعقاد جولة جديدة من المشاورات بين رؤساء المجالس الثلاثة «الرئاسي، النواب، الأعلى للدولة» في وقت قريب في مقر جامعة الدول العربية في القاهرة.
وقال خلال تصريح صحافي إن الجولة السابقة توصلت إلى نتائج ملموسة اتفق فيها على توحيد المناصب السيادية، بما يضمن تفعيل دورها المنوط بها، فضلاً عن التوافق على تشكيل حكومة موحدة، والتأكيد على سيادة ليبيا واستقرارها. وأعرب عقيلة صالح عن تفاؤله بمستقبل الأوضاع في ليبيا في ظل سعي الجميع إلى الخروج من النفق المظلم وصولاً إلى الانتخابات بالبلاد.
وكان بيان ثلاثي عقب اجتماع الأطراف في آذار/ مارس من العام الجاري قد أعلن التوصل إلى اتفاق بتشكيل حكومة موحدة تقود لإجراء الانتخابات وتُقدم الخدمات الضرورية للمواطن كذلك رفض أي تدخل أجنبي في شؤونها.
كما اتفق المجتمعون في القاهرة على تشكيل لجنة فنية بمرجعية الاتفاق السياسي وملاحقه خلال فترة زمنية محددة للنظر في التعديلات المناسبة لتوسيع قاعدة التوافق والقبول بالعمل المنجز من لجنة 6+6 وحسم الأمور العالقة حيال النقاط الخلافية. في المقابل، شكك رئيس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، عماد السايح، في إمكانية إجراء انتخابات وطنية في ليبيا على المدى القصير، متحدثاً عن عدد من العراقيل التي تحول دون ذلك، أبرزها غياب الدستور المنظم لعملية تداول السلطة، والتدخل الأجنبي الهادف إلى الإبقاء على الوضع القائم.
وفي مقابلة صحافية نُشرت الجمعة، أوضح السايح أن ما يعيق التقدم لحل الأزمة السياسية تمسك الأطراف المتنازعة بمصالحها والطموحات الأجنبية للحفاظ على السلطة.
وحذر من أن استمرار هذا النهج، في ظل غياب قيادة سياسية موحدة وواعية، سيؤدي إلى تفاقم الصراعات السياسية وتعميق الانقسامات الداخلية، وهذا الوضع يحمي مصالح الدول الأجنبية المنخرطة في الصراع، ويمنع أي تغييرات سياسية قد تهدد مصالحهم.
وتحدث السايح عن مفهوم خاطئ ينتشر بين أصحاب المصلحة يعتبر الانتخابات هدفاً في حد ذاته، وليست مجرد أداة تخدم التداول السلمي للسلطة، وهو منظور يخلق عقبات عدة أمام إجراء الانتخابات. وقال السائح إن أصحاب المصلحة المنخرطين في الأزمة الليبية، بمن فيهم المجتمع الدولي بقيادة بعثة الدعم الأممية، يعتبرون الانتخابات هدفاً أكثر من كونها أداة. الجميع يعلم أن الانتخابات أداة تخدم الانتقال السلمي للسلطة، مما يستلزم تنفيذها ضمن بيئة سياسية توافقية، وإطار ثقافي يعزز الحد الأدنى من الأمن والاستقرار.
وأضاف: «للأسف، تلك الشروط غائبة في الوقت الراهن من المشهد السياسي في ليبيا. وما دام هذا المنظور سائداً، فإن المسار صوب الانتخابات والتداول السلمي للسلطة سيواجه عقبات كبيرة، ما قد يؤدي إلى تأجيل أو حتى منع إجراء الانتخابات على المدى القصير».
وحول الأسباب الرئيسية وراء تأجيل الانتخابات، رأى السايح أن البيئة السياسية أصبحت معادية بشكل متزايد فيما يتعلق بالمبادئ الديمقراطية، ولا سيما الانتخابات، موضحاً أن تلك الظاهرة تتعلق بعدد من العوامل، أسفرت عن نتائج سلبية، وعملت على تشكيل البيئة السياسية على مدى الـ12 عاماً الماضية.
ومن تلك العوامل، حسب السايح، غياب ثقافة الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة داخل المجتمع الليبي، وغياب الدستور الذي ينظم عملية التداول السلمي للسلطة، وكذلك التدخل الأجنبي السلبي في شؤون البلاد، الذي يهدف إلى الحفاظ على مصالح بعض الدول، والإبقاء على الوضع القائم. كما اعتبر السايح الأداء غير الفعال لغالبية من شغلوا منصب المبعوث الأممي لدى ليبيا أحد العوامل التي عرقلت إجراء الانتخابات حتى الآن. وبشأن القانون الانتخابي وإمكانية تعديله، أشار السايح إلى الصعوبة التي تنطوي عليها هذه العملية بسبب تدخل الأطراف السياسية لعرقلة أي خطوة من شأنها أن تُنهي مسيرتها السياسية.
وأوضح أنه في ظل غياب دستور دائم يحدد القواعد التشريعية الأولية للعملية الانتخابية في ليبيا، لم تقبل الأطراف السياسية المشاركة في الأزمة مواد وأحكاماً محددة، خاصة تلك المتعلقة بمؤهلات المرشحين والنظام الانتخابي.
وتابع في الانتخابات الليبية من الشائع أن تعرقل بعض الأحزاب السياسية أي عملية انتخابية يمكن أن تُنهي مسيرتها السياسية. لذلك، فإن تعديل القوانين الانتخابية في ليبيا يمثل تحدياً أكبر بكثير من صياغتها في البداية.
وفي السياق، وقبل أيام، قال رئيس بعثة الأمم المتحدة في ليبيا المنتهية ولايته، عبدالله باتيلي، إنه لا يمكن التوصل إلى حل في ليبيا طالما استمر اللاعبون الرئيسيون في البلاد يحتكرون العملية السياسية، مضيفاً أن القادة الليبيين خلال المراحل الانتقالية الماضية استمروا في التنافس ولم يكونوا مهتمين فعلياً باستقرار البلاد.