إسرائيل وإعلامها يتعمدان نزع الإنسانية عن الفلسطينيين: من الأحمق الذي يصدق نتنياهو حين قال “خطأ مأساوي”؟

حجم الخط
0

عميره هاس

“لم يتوقع الجيش الإسرائيلي ولم يقدر أن مدنيين قد يتضررون في اجتياح رفح”، هذا ما نشروه بعد ظهر أمس. بيان ساذج كهذا يعطى لمستهلكي الإعلام الذي يخفي منذ سبعة أشهر معلومات وصورا قاسية لأطفال يقتلون ويصابون في القطاع مع كل هجوم إسرائيلي. هذا تصريح قد يقنع الإسرائيليين بأن أهداف الهجوم والسلاح الذي تم اختياره، جاء حسب حرص كبير من قبل “الشاباك” و”أمان” والجيش الإسرائيلي. من المحتمل أن الإسرائيليين الذين لا يؤيدون نتنياهو سيصدقون أنه تحدث بصدق عندما قال إن “لأمر يتعلق بخطأ مأساوي”، وربما لم يشكوا بأنه لم يتطرق لهذه الحادثة إلا لأن أمر وقف العملية العسكرية في رفح الذي أصدرته محكمة العدل الدولية في لاهاي، ما زال غضاً وما زال يقرع جرس الخطر فوق رأسه وفوق رأس جهاز القضاء الإسرائيلي.

حسب المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي، كان للهجوم هدفان: ياسين أبو ربيع وخالد النجار. قيل بأن أبو ربيع كان رئيس قيادة الضفة الغربية في حماس، وأن النجار شخص رفيع في هذه القيادة. وقيل بأنهما حولا الأموال للإرهاب وتنفيذ عمليات في بداية سنوات الألفين. العمليات التي نفذها أبو ربيع قتل فيها جنوداً، والعمليات التي نفذها النجار قتل وأصاب إسرائيليين وجنوداً. إعلان المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي، بالمناسبة، هو الذي يميز بين “قتل الجنود” و”قتل المدنيين”.

لم يكشف الإعلان أنهما تم تحريرهما في صفقة شاليط في 2011، وأنهما من سكان الضفة الغربية. أبو ربيع من قرية المزرعة القبلية غربي رام الله، والنجار من قرية سلواد شرقي رام الله، وقد تم طردهما إلى القطاع. ولم يبلغ البيان أيضاً الجمهور بأن محرراً آخر تم طرده في تلك الصفقة، هو خويلد رمضان من قرية تل جنوبي نابلس، قتل حسب ما نشرت وسائل الإعلام الفلسطينية. فهل كان هدفاً أم وجد بالصدفة في مخيم الخيام برفح؟ لا نعرف. المعروف أنه حتى ظهر أمس، حسب تقارير وزارة الصحة في غزة التابعة لحماس، فإن عدد القتلى وصل إلى 45 وعدد المصابين 250. في قائمة جزئية حتى الآن لأسماء القتلى، فإن ثلاثة أسماء لأبناء عائلة النجار، هدى النجار (15 سنة)، أركان النجار (12 سنة) وأحمد النجار (سنتان). هل هؤلاء أبناء خالد النجار من سلواد، أم أبناء عائلة النجار في خان يونس في غزة؟ حتى الآن نحن لا نعرف. لأن عشرات الأشخاص يقتلون يومياً، وقدرة الصحافة على متابعة خلفية كل واحد والنشر عنه، محدودة جداً.

من بين أسماء الـ 25 عائلة، مثل العطار، زايد، حماد وحمد… نعرف أن معسكر الخيام ضم عائلات من شمال القطاع، من بيت لاهيا وبيت حانون. ومثلما في مخيمات اللاجئين التي أقيمت في 1948، التي اختار فيها اللاجئون من كل قرية العيش معاً في نفس التجمع، وبعد ذلك في نفس الحي المبني، يحاول النازحون في القطاع الآن التجمع أيضاً في خيام قرب أبناء عائلاتهم وجيرانهم.

الاكتظاظ الشديد في ظروف الجوع والعطش ونقص الغذاء والمياه والموت الكامن في أي لحظة، كل ذلك يولد الكثير من الاحتكاك والشجارات. من التجربة في نصف السنة الأخير والعيش معاً بشكل قسري لعائلات من مناطق مختلفة، فقد استنتج السكان بأن الشجارات يسهل حلها عندما يكون المتخاصمون من العائلة نفسها، أو من نفس المنطقة (بيت حانون مثلا)ً أو نفس قرية الملجأ (قبل العام 1948). من يعرف كم مرة انتقل ضحايا هجوم الجيش الإسرائيلي في الأشهر السبعة الأخيرة، وما هو نوع الملاجئ التي كانوا فيها إلى أن قتلوا أو احترقوا حتى الموت في معسكر الخيام غربي رفح.

ثمة تفاصيل كثيرة لا نعرفها ولن نعرفها، مثل سبب وجود النجار وأبو ربيع قرب معسكر الخيام الكبير أو داخله. لا نعرف إذا كانا هدفين؛ لأنه كانت للجيش الإسرائيلي و”الشاباك” أدلة مؤكدة على أنهما يعملان في ذراع حماس العسكرية أم أن الأمر يتعلق بالافتراض والتقدير، أو إذا كانا هدفين للانتقام بسبب العمليات التي نفذاها في بداية سنوات الألفين. نعرف ما الذي كانا سيختاران فعله لو تم إطلاق سراحهما والذهاب إلى بيوتهما في الضفة. هل كانا سيفضلان تغيير المسار؟ لا نعرف إذا كانت الأموال التي نقلوها كما تم الادعاء، كانت لغرض تنفيذ العمليات أو لمساعدة عائلات القتلى الفلسطينيين.

المعروف أنه في حروب الجيش الإسرائيلي ضد الفلسطينيين منذ بداية سنوات الألفين، ولا سيما في الأشهر السبعة للحرب الحالية في القطاع، ترسخت عدة تقاليد تسمح بقتل جماعي للمدنيين في غزة والضفة الغربية. هذه التقاليد تبلغنا عنها تقارير وشهادات من الميدان الفلسطيني، وتقارير صحافية مستقلة نشرت حول أوامر فتح النار وسلوك الجنود.

1- تعريف “الضرر الثانوي”، الذي أصبح مسموحاً مع مرور السنين، أي عدد المدنيين الفلسطينيين الذي يسمح رجال القانون في النيابة العسكرية (وفي نيابة الدولة) بقتلهم، وأنهم مستعدون للدفاع عنه في هيئات قانونية دولية، مقابل هدف واحد محدد (عسكري رفيع في حماس أو في تنظيم فلسطيني آخر، شخص في المستوى السياسي، أو صراف أو موظف أو مسلح صغير أو فتحة نفق أو موقع عسكري فارغ). حسب تحقيقات يوفال ابراهام في “محادثة محلية”، فإن عدد “غير المشاركين” المسموح قتلهم هو 20 شخصاً مقابل هدف صغير، و100 شخص مقابل هدف كبير.

2- “بنك الأهداف”: أي النشطاء في تنظيمات فلسطينية مسلحة، الذين من المسموح والمرغوب فيه قتلهم (أو اعتقالهم في الضفة الغربية). هذه بئر بدون قاع، يشمل أيضاً النشطاء السابقين الذين يمكن أنهم توقفوا عن نشاطاتهم العسكرية أو السياسية، ويشمل أيضاً عناوين لم تعد محدثة.

3- مكان الإصابة: بنك المعلومات يسمح بقتل فلسطيني ليس فقط في الجبهة أو أثناء معركة أو تبادل لإطلاق النار، حيث يكون ينوي إطلاق صاروخ أو وهو يسير مع حزام ناسف؛ لأن دمه مهدور أيضاً حتى لو كان نائماً في سريره، أو يتلقى علاجه في المستشفى أو يعود مريضاً، وأيضاً حتى لو كان مع اولاده أو والديه، أو يعمل في نشاطات مشتبه فيها، يقف قرب نافذة في البيت أو على السطح أو يركب دراجة، أو يشعل النار لتسخين الماء.

4- مناخ عدم انضباط المستويات المتدنية لأوامر الأعلى منهم وعدم اهتمام هذه المستويات المتدنية بالسياقات السياسية الفورية التي تضمن الاهتمام العالمي: كما كان الأمر في إطلاق نار قاتل على العاملين في منظمة الإغاثة الدولية، “المطبخ المركزي العالمي” في 2 نيسان الماضي، وفي إطلاق نار دبابة على ما اعتقد الجيش الإسرائيلي أنه “مشتبه فيهم”، الذين كانوا من مئات السكان الجوعى الذين انتظروا قوافل المساعدات وانقضوا على شاحنات الغذاء في 29 شباط.

5- خلق مناخ عام في إسرائيل لتجاهل الوقائع: تحت غطاء كلمات مغسولة مثل “إخلاء السكان” و”الجيش الإسرائيلي يعمل” و”منطقة إنسانية”، أما حقيقة وجود معسكرات الخيام التي تنقصها بنى تحتية وحماية من أضرار الطبيعة والقصف، فهذه لم يتم غرسها في الوعي. نفس الأمر ينطبق على كثير من الخبراء في الصواريخ البالستية الذين يبدو أنهم لا يهتمون بحساب مدى تأثير الصاروخ حتى على المدنيين الذين يقفون قريباً من المكان.

6- عملية متطرفة لنزع الإنسانية عن الفلسطينيين في أوساط دوائر واسعة في إسرائيل وفي أوساط الجنود. الاستخفاف بحقهم في الحياة والعيش باحترام، وصل في السنوات الأخيرة إلى حضيض غير مسبوق. هذه العملية تؤثر، بوعي أو بغير وعي، سواء برغبة وإخلاص أم لا، أيضاً على المستويات المهنية، سواء في وزارة العدل أو في غرف العمليات أو في هيئة الأركان.

 هآرتس 28/5/2024

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية