الرباط ـ«القدس العربي»: تستمر قرية سيدي علال التازي، شمالي العاصمة المغربية بحوالي 80 كيلومتراً، في عَدِّ ضحاياها، وأغلبهم من الشباب، بسبب تناولهم “خموراً ملوثة” محلية الصنع، توفي على إثرها 15 من الضحايا (8 حالات داخل المستشفى و7 خارجه)، فيما لا يزال العشرات يتلقون العلاجات في مستشفيات مدينتي الرباط والقنيطرة.
وتعود تفاصيل القضية، إلى ليلة الإثنين 3 حزيران/ يونيو، حيث توافد عشرات من المرضى على المستشفى، يعانون تقلصات معوية وآلاماً مبرحة على مستوى البطن، قبل أن يتضح أن الأمر يتعلق بحالات إصابات تسمم بسبب “خمر ملوث”.
وأكدت تحاليل مخبرية منجزة من طرف المركز المغربي لمحاربة التسمم واليقظة الدوائية بالرباط، أن الأمر يتعلق بتسمم بمادة “الميثانول”، وأفادت وزارة الصحة والحماية الاجتماعية أن 114 شخصاً، ممن تناولوا هذه المادة، تعرضوا “لمضاعفات تسمم وخيمة، تسببت في وفاة 8 أشخاص، 7 منهم تم تسجيل وفاتهم على مستوى المركز الاستشفائي الإقليمي الإدريسي في القنيطرة، فيما تم تسجيل حالة وفاة أخرى على مستوى مستشفى الزبير سكيرج بسوق الأربعاء الغرب”.
وأفادت وزارة الصحة بالمغرب أن 81 حالة إصابة أخرى توجد تحت الرعاية الطبية عبر مختلف المراكز الاستشفائية التابعة لمحافظة الرباط ـ سلا ـ القنيطرة، ويتعلق الأمر بـ 28 حالة بالمركز الاستشفائي الإقليمي الإدريسي بالقنيطرة، من بينها 3 حالات توجد بمصلحة الإنعاش، فيما تم تسجيل مغادرة 38 شخصاً المستشفى بعد تحسن حالتهم. كما تتواجد 40 حالة بالمركز الجهوي مولاي يوسف بالرباط، منها حالتان تمت إحالتهما إلى مصلحة الإنعاش بمركز تصفية الدم بالمستشفى الجامعي ابن سينا بالرباط نتيجة مضاعفات تناول هذه المادة، فيما تخضع 20 حالة لتصفية الدم بذات المؤسسة الاستشفائية.
و”الميثانول” هو كحول يستعمل لأغراض صناعية (صباغة الأظافر، صباغة الخشب، محلول وغيرها)، وهو مادة سامة جداً، وفق ما أوضح الدكتور زهير اليوبي، متابعاً: “ما حدث بالفعل هو تسمم بمادة “الميثانول” السامة الصناعية وليس “كحول الإيثانول” المادة المعتادة في المشروبات الكحولية، هذه المادة بعد دخولها إلى الجسم يتم تحويلها في الكبد إلى مادة خطيرة تهاجم الخلايا العصبية البصرية مما يسبب العمى بداية، بالإضافة إلى زيادة حموضة الدم التي تؤدي إلى فقدان الوعي والموت”.
وعقب الوفيات المسجلة، أعلن الوكيل العام للملك (المدعي العام) لدى محكمة الاستئناف في القنيطرة، أن قاضي التحقيق أمر بإيداع سبعة أشخاص السجن وإخضاع شخص ثامن لتدابير المراقبة القضائية على ذمة التحقيق.
وأسفرت نتائج البحث المنجز، عن كون “بعض الأشخاص المشتبه تورطهم في هذه القضية قاموا بجلب المادة الكحولية المذكورة من محلات لإنتاج الكحول المركز وعمدوا إلى تسليمها لبعض مروجي هذه المادة المسكرة الذين عملوا على بيعها لعدد من الأشخاص الذين كانوا بإحدى الحفلات حيث تعرضوا مباشرة بعد تناولها لآلام مختلفة أدت إلى وفاة بعضهم”.
وأكد بلاغ المدعي العام في القنيطرة، أن النيابة العامة ستحرص على تتبع أطوار القضية خلال كافة مراحلها والسهر على تقديم الملتمسات الضرورية من أجل التطبيق الصارم للقانون.
الصرامة والتَّشدد في عقاب المتسببين في الفاجعة، هما ما دعا إليهما الأمين العام لحزب “العدالة والتنمية” الإسلامي المعارض، عبد الإله بن كيران، مطالباً بتغيير وتشديد القوانين الزجرية منعاً لتكرار حدوث ما وقع بمدينة القنيطرة، وأن تتحمل الحكومة مسؤوليتها.
ودخل رئيس الحكومة الأسبق، على خط الملف، وأكد، في شريط فيديو منشور على الموقع الإعلامي الرسمي لحزب “العدالة والتنمية”، أن “ما وقع من خلط لمواد سامة وقاتلة أودت بحياة العشرات، نوع من الإرهاب”، وخلص قائلاً: “لا مصلحة لنا في أي نوع من الخمور، فبالأحرى بخمر لا تذهب فقط بالعقل والمال والصحة، بل تزهق الأرواح”.
وبالعودة إلى وزارة الصحة المغربية، فقد أكدت، عبر بيان اطلعت عليه “القدس العربي”، أنها وبمجرد إشعارها بهذا الحادث الأليم، سارعت إلى تجنيد مختف أطقمها الطبية والتمريضية وكذا مختلف الوسائل والإمكانات اللازمة لتقدم الرعاية والتكفل الطبي بالمصابين، وذلك بالتعاون مع مختلف السلطات والجهات المعنية، فضلاً عن تجند جميع المسؤولين وكذا الفرق الصحية التي وضعت في حالة تأهب قصوى منذ اللحظات الأولى للإشعار. كما تم رصد جميع الإمكانيات اللازمة لاستقبال الحالات الوافدة الجديدة على مستوى مختلف المؤسسات الصحية بالجهة، فضلاً عن التنسيق مع السلطات المحلية لإطلاق إنذار للبحث عن حالات أخرى قد راجعت المراكز الصحية والمستشفيات على مستوى الإقليم.
وأهابت وزارة الصحة والحماية الاجتماعية بالمواطنات والمواطنين بإقليم القنيطرة إلى الإبلاغ عن أي حالة مماثلة والتوجه مباشرة لأقرب مؤسسة صحية من أجل أخذ الرعاية المناسبة، وتفادي حدوث أي مضاعفات وخيمة على الصحة.