انتخابات البرلمان الأوروبي تلقي بظلالها على الائتلاف الحاكم في ألمانيا

حجم الخط
0

برلين: تهدد انتخابات البرلمان الأوروبي في ألمانيا بتعزيز الضغوط على الائتلاف الحاكم بقيادة المستشار أولاف شولتس، المتعثر بالفعل، في عام حاسم على الصعيد السياسي في البلاد. ومن شأن أي نتائج ضعيفة أن تكون بمثابة نذير شؤم لشولتس، الذي ينتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي، قبل نحو ثلاثة أشهر فقط من انتخابات مقررة في ثلاث ولايات بشرق ألمانيا، والتي من المتوقع أن يحقق فيها “حزب البديل من أجل ألمانيا” اليميني المتطرف، نتائج طيبة.

وتلوح في الأفق أيضا الانتخابات العامة المقررة في عام 2025، حيث تبدو فرص استمرار شولتس في منصب المستشار قاتمة.

إن الائتلاف الذي يقوده المستشار شولتس بحاجة ماسة إلى بداية جديدة، ولكن ليس من المرجح أن تمنحه انتخابات البرلمان الأوروبي – التي تجرى في ألمانيا غدا الأحد- الدعم الذي يحتاجه بشدة هو والديمقراطيون الاشتراكيون وائتلافه الحاكم.

أي شيء عدا “الصوت القوي”

وفي ظل ما ردده الحزب الاشتراكي الديمقراطي من أنه سوف يقدم “لأوروبا أقوى أصوات ألمانية”، انتشرت ملصقات الحزب على طول الطرق في العاصمة برلين، وفي أنحاء البلاد، وهي تحمل صورا هائلة، أكبر من الحجم الطبيعي، للمستشار شولتس، وكاتارينا بارلي، المرشحة الرئيسية للحزب في انتخابات أوروبا.

ورغم ذلك، يقول عالم السياسة لوثر بروبست، من بريمن، إنه “لا ينظر للمستشار (شولتس) على أنه صوت قوي في أوروبا”، قبل الانتخابات.

وأضاف بروبست لصحيفة هاندلسبلات الألمانية: “حال إحراز حزبه نتيجة متواضعة، يخاطر (شولتس) بالتراجع بدرجة أكبر أمام الناخبين، وفقدان الدعم داخل حزبه”.

وتشير استطلاعات الرأي فيما يتعلق بالانتخابات الأوروبية حاليا إلى أن نسبة تأييد الحزب الاشتراكي الديمقراطي وصلت إلى 14%، مقارنة بنسبة 8ر15% التي حققها في عام 2019، ولكن هذه النسبة أقل بكثير من نسبة الـ7ر25% التي فاز بها شولتس في الانتخابات الاتحادية التي جرت في 2021. وقد مهد هذا الفوز، وإن كان بهامش ضئيل، الطريق أمام الحزب الاشتراكي الديمقراطي كي يعود إلى قيادة أكبر اقتصاد أوروبي بعد 16 عاما من الحكم المحافظ للمستشارة السابقة أنجيلا ميركل.

وليست الأمور أفضل كثيرا بالنسبة لشركاء شولتس في الائتلاف الحاكم بألمانيا. فقد أشار الاستطلاع إلى نسبة تأييد 13% لحزب الخضر، وهي أقل كثيرا من نسبة 5ر20% المثيرة للإعجاب والتي حققها في الانتخابات الأوروبية عام 2019. ومن ناحية أخرى، يتوقع أن بحصل الحزب الديمقراطي الحر، الليبرالي على 4% فقط من الأصوات في انتخابات الأحد.

وتتطلع الأحزاب الثلاثة المكونة للائتلاف الحاكم في ألمانيا، والذي يعرف باسم ائتلاف “إشارة المرور”، إلى أن تحقق معا 31% في الانتخابات الأوروبية. وتحقيق نفس النسبة في انتخابات البرلمان الألماني (البوندستاج)، يعني دون الأغلبية بكثير.

وعلاوة على ذلك، يبدو أن معظم مواطني ألمانيا غير راضين عن شولتس، حيث وصف 59% من المشاركين في استطلاع حديث أداءه كمستشار على أنه “سيئ”.

رجل أوروبا المريض

وثمة أسباب مختلفة وراء تراجع شعبية ائتلاف يسار الوسط الحاكم في ألمانيا بعد مرور عامين ونصف من ولايته.

وبشكل خاص، كانت المخاوف بشأن ارتفاع معدلات الهجرة والشعور بأن البلديات تواجه بمفردها التعامل مع القضية، في صالح اليمين المتطرف.

وسجل صافي أعداد المهاجرين إلى ألمانيا أعلى مستوى له على الإطلاق في عام 2022، وهو ما يرجع غاليا إلى تدفق اللاجئين الذين فروا من وجه الحرب في أوكرانيا. وزادت طلبات اللجوء عاما بعد آخر، لكنها عاودت الانخفاض مجددا في 2024، وينسب الفضل في ذلك للحكومة.

وأدت السياسة التي تبنتها الحكومة في مجال الطاقة، بما يشمل القانون المثير للجدل لاستبدال أنظمة الطاقة المتجددة بأنظمة التدفئة القديمة، والمشاحنات المستمرة بين الشركاء الثلاثة إلى مزيد من تدهور التأييد للائتلاف.

وفي الصدارة من هذه الأمور معاناة الأسرة الألمانية مؤقتا من تداعيات التضخم المرتفع بسبب الحرب في أوكرانيا والتنمية الاقتصادية الضعيفة. وخلال الصيف الماضي، أطلق على ألمانيا مجددا لقب “رجل أوروبا المريض”- كما كان الحال مطلع الألفية الثالثة.

“طلقة تحذيرية” للحكومة الألمانية

ولذلك، يتوقع أن تكون نتائج الانتخابات الأوروبية، ثم نتائج انتخابات الولايات في أيلول/سبتمبر المقبل بمثابة “طلقة تحذيرية للأحزاب الحاكمة”، بحسب الباحثين ماكس بيكر ونيكولاي فون أوندرزا من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، الذي يقدم توصياته للحكومة الاتحادية.

وإذا جاءت النتائج النهائية متوافقة مع استطلاعات الرأي الحالية، فإن كتلة “حزب التحالف المسيحي” (المكون من الحزب المسيحي الديمقراطي وشقيقه الأصغر الحزب الاجتماعي المسيحي البافاري) – والتي تتصدر استطلاعات الرأي بشأن انتخابات الاتحاد الأوروبي في ألمانيا بنحو 30% ــ فإن ذلك سوف يعزز طموحاتها لاستعادة المستشارية في انتخابات العام المقبل.

وفي الوقت نفسه، تراجعت شعبية “حزب البديل من أجل ألمانيا” إثر سلسلة من الفضائح، حيث انخفضت منذ بداية العام إلى حوالي 15% فيما يتعلق بانتخابات البرلمان الأوروبي – غير أنها لا تزال مرتفعة كثيرا مما كان عليه الحال في .2019

ومن شأن هذا أن يعزز وضع “حزب البديل من أجل ألمانيا” في الوقت الذي يستعد فيه لتحدي الأحزاب الرئيسية في انتخابات مقررة بثلاث ولايات في شرق ألمانيا – والتي تشكل معقله الانتخابي – في أيلول/سبتمبر. ويتوقع أن يفوز الحزب بنسبة تتراوح بين 25% و34% من الأصوات في انتخابات ولايات ساكسونيا وتورينجيا وبراندنبورج.

ورغم أن الأحزاب الرئيسية تعهدت بأنها لن تتعاون مع حزب البديل، مع الحفاظ على ما يعرف باسم “جدار الحماية”، فإن صعود البديل في استطلاعات الرأي يعني أن المحافظين قد تحولوا أكثر إلى اليمين على خلفية قضايا مثل الهجرة، لتحاشي فقدان مزيد من الأصوات.

وتظهر استطلاعات الرأي أيضا أن حزب “تحالف صحرا فاغنكنيختن، المؤسس حديثا، سوف يحقق مكاسب تصل إلى 7%. ويجمع الحزب الشعبوي في موقفه بين السياسة الاجتماعية اليسارية ومناهضة المهاجرين وانتقاد الاتحاد الأوروبي. غير أنه لم يواجه اختبارا حقيقيا بعد في صناديق الاقتراع.

بداية جديدة

ويعتقد البعض أن تحقيق ائتلاف شولتس نتائج ضعيفة في الانتخابات الأوروبية من شأنه أن ينال من وضع ألمانيا في بروكسل.

يشار إلى أن المشاحنات داخل الائتلاف الحاكم في ألمانيا، على سبيل المثال بشأن إصلاح سياسة الهجرة في الاتحاد الأوروبي، أو التخلص التدريجي من محركات الاحتراق الدخلي، شوهت بالفعل صورة برلين كقوة رائدة في القارة.

كما أثار قانون سلاسل التوريد في الاتحاد الأوروبي جدلا داخل الائتلاف في الآونة الأخيرة، مما وضع الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر ضد الشريك الأصغر، الحزب الديمقراطي الحر ــ وقد دفع ذلك ألمانيا إلى الامتناع عن التصويت على مشروع القانون إثر فشل الأحزاب الثلاثة في التوصل لموقف موحد.

وإذا أراد الائتلاف الوفاء بالتزاماته الدولية، خاصة عندما يتعلق الأمر بسياسة المناخ، فهو بحاجة ماسة إلى “بداية جديدة”، بحسب ما كتبه رئيس تحرير صحيفة تاجشبيجل في برلين، ستيفان أندرياس كاسدورف.

وبعدما أدانت محكمة إقليمية عليا الحكومة الألمانية مؤخرا بسبب سياساتها غير الملائمة في مجال المناخ، أكد كاسدورف أن على برلين أن “تحسن أداءها”.

(د ب أ)

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية