الجزائر ـ ” القدس العربي”:
أثار الحديث الجانبي للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ونظيره الإماراتي محمد بن زايد، على هامش قمة مجموعة السبع العالمية، اهتماما واسعا وتفاعلا كبيرا، بالنظر لحالة “القطيعة” التي شهدتها العلاقات بين البلدين في الأشهر الأخيرة، إثر الاتهامات التي وجهتها الجزائر لأبو ظبي بالعمل على تقويض استقرارها وعلاقاتها مع الجوار.
وأظهرت صور ولقطات أن الرئيس الجزائري كان جالسا في طاولة الاجتماعات التي احتضنتها باري الإيطالية، عندما قدم إليه محمد بن زايد مصافحا، فبادله تبون بالتحية، وتبع ذلك، حديث ثان بين الرجلين وقوفا على هامش الاستعداد لأخذ صورة تذكارية جماعية للقادة الحاضرين في اجتماع مجموعة السبع، تخللته ابتسامات وتعابير جسدية، بينها تبون وهو يضع إصبعه على صدر محمد بن زايد.
وقد أثارت المشاهد قراءات وتعليقات أشعلت الواقع، بين ما اعتبر أن فيها عتب ورفع عتب وبين من أشار إلى إزالة الحواجز النفسية التي ترسبت على مدار أشهر بين قيادتي البلدين.
وبدا لافتا أن التلفزيون الجزائري أبرز لقاء تبون بمحمد بن زايد.
ويأتي هذا التطور، في وقت تشهد العلاقات بين البلدين أسوأ حالاتها منذ أشهر طويلة، حيث تبدي الجزائر قلقا كبيرا من الدور الإماراتي في المنطقة وقيادتها لمشروع التطبيق الذي تعتبره البلاد تهديدا مباشرا لها، وهو ما انعكس في حملات سياسية وإعلامية مركزة تحذر من الخطر الإماراتي.
وبعد أن ظل الحديث عن الإمارات محصورا في الإعلام، أُعطي في كانون الثاني/ يناير الماضي، صبغة رسمية، بإصدار المجلس الأعلى للأمن في الجزائر، بيانا أبدي فيه أسفه لما قال إنها “تصرفات عدائية مسجلة ضد الجزائر، من طرف بلد عربي شقيق”، وهو ما فُهم مباشرة على أنه تحذير للإمارات. وتلا ذلك في آذار/ مارس الماضي، اتهام صريح من قبل الرئيس الجزائري للإمارات، بإشعار نار الفتنة في جوار الجزائر ومحيطها، قائلا: “في كل الأماكن التي فيها تناحر، دائما مال هذه الدولة موجود. في الجوار، مالي وليبيا والسودان. نحن لا نكن عداوة لأحد، لأننا محتاجين إلى الله عز وجل وإلى الجزائري والجزائرية. نتمنى أن نعيش سلميا مع الجميع ومن يتبلى علينا فالصبر حدود”.
وأضاف تبون: “لا زلنا لم نمض بكلام فيه عنف مع هؤلاء الناس. نعتبرهم أشقاء ونطلب لهم الهداية لأن تصرفاتهم ليس منطقية. يبدو لي أنه قد أخذتهم العزة بالإثم.. يقولون كيف لهؤلاء (الجزائر) لم يتنازلوا. الجزائر لن تركع. ليتهم يأخذون العبرة من الدول العظمى التي تحترمنا كثيرا ونحترمها وقرارنا محترم عندها. إذا أردت أن تفرض تصرفاتك التي تطبقها على أناس آخرين علينا، فأنت مخطئ كثيرا. نحن 5 ملايين و630 ألف شهيد ماتوا على هذه البلاد واقترب إذا شئت”.
وفي الساحة السياسية الجزائرية خاصة منذ العدوان الإسرائيلي على غزة، لا يمر أسبوع إلا وتظهر تصريحات من قادة أحزاب تحذر من الدور الإماراتي. ودعت المرشحة الرئاسية والأمينة العامة لحزب العمال لويزة حنون، في أكثر من مناسبة، إلى تقويض العلاقات مع الإمارات العربية المتحدة وتأميم الشركات الوطنية التي استحوذت عليها، وذلك بسبب ما قالت إنها “الأعمال العدائية التي تقوم بها هذه الدولة ضد الجزائر”.
وأوضحت حنون بعد لقائها بالرئيس تبون قبل أشهر، أنها أكدت “على الخطر الذي تمثّله دولة الإمارات حيث أعلنت الحرب على بلادنا من خلال مخططات إجرامية تحاول تنفيذها لزعزعة استقرار بلادنا خدمة للكيان الصهيوني، ممّا يطرح حسبها “ضرورة تقويض حضورها في بلادنا دفاعاً عن تكاملها وسيادتها وأمنها”.
وذكرت في تصريحاتها عن سبب تقديمها هذا الطلب بأن الإمارات لم تترك شرا لم تفعله في المنطقة، فهي تغرق بلادنا بالمخدرات عبر الحدود مع ليبيا وأنها تحرض على الحرب بين الجزائر والمغرب باستغلال وجود الكيان الصهيوني في هذا البلد، وتريد عزلة الجزائر عبر دفع موريتانيا وتونس للتطبيع وتقوم بإدخال السلاح وزرع الجواسيس في المنطقة لضرب استقرار الجزائر، على حد قولها.
واعتبرت أن الوقت حان لاستعادة ما يسمى بالاستثمارات الإماراتية، والتي تبرز في استغلال ميناء العاصمة، والشركة الوطنية للتبغ والكبريت ثاني ممول للضرائب للخزينة العمومية، معتبرة أن هذه الاستثمارات واجهة للكيان للتغلغل داخل مؤسساتنا، وفق ما قالت.
كما طالبت بمنع أي صفقة بين الإمارات والجيش الوطني الشعبي، معتبرة أن ذلك خطير جدا للأمن القومي الجزائري، علما أن هناك شراكة لإنتاج السيارات العسكرية بين الجزائر والإمارات وشركة مرسيدس الألمانية منذ سنوات.
وفي نفس السياق، كانت الإذاعة الجزائرية في نهاية العام الماضي قالت “نقلا عن مصادر (لم تسمها) إن الإمارات منحت 15 مليون أورو للمغرب من أجل إطلاق حملة إعلامية وحملات على المنتديات الاجتماعية بهدف ضرب استقرار بلدان الساحل”.
وأبرزت أن “هذه الحملة تهدف أيضا إلى نشر الأخبار الكاذبة والدعاية المغرضة بهدف خلق جو مشحون في العلاقات بين الجزائر ودول الساحل”. وهذه الميزانية المقدرة بـ 15 مليون أورو، وفق الإذاعة سيتم استغلالها لشراء أسهم في بعض وسائل الإعلام في فرنسا وإفريقيا، حسب الإذاعة.
وسبق لسياسي آخر هو عبد القادر بن قرينة رئيس حركة البناء الوطني المشاركة في الحكومة، أن حذر في عدة مناسبات من الدور الإماراتي في المنطقة عقب انقلاب النيجر الأخير، مشيرا إلى أن هناك دولة خليجية وظيفية، توجد دائما وراء لعبة زرع الخلافات والفرقة في المنطقة”.
وسجلت علاقات الجزائر بدول الجوار في الساحل، بعض الاضطرابات خاصة مع مالي التي اتهمت الجزائر بالتدخل في شؤونها وهو ما نفاه تماما وزير الخارجية أحمد عطاف الذي أكد أن بلاده تتعامل من منطلق احترام السيادة المالية ووحدة ترابها في رعايتها لاتفاق المصالحة في هذا البلد.