هل تشهد بطولة «يورو 2024» ثالث المعجزات؟ أم تخضع للكبار؟

عادل منصور
حجم الخط
0

لندن ـ «القدس العربي»: انطلقت النسخة السابعة عشرة لكأس الأمم الأوروبية أول أمس الجمعة على الأراضي الألمانية، بآمال وأحلام تلامس عنان السماء بالنسبة للعمالقة وأصحاب الباع في أعرق كؤوس القارة العجوز على مستوى المنتخبات، والإشارة إلى المنتخبات الكلاسيكية المتمرسة على معانقة الأميرة البيضاء في العقود القليلة الماضية، لكن الشيء اللافت في هذه النسخة، أن هناك مؤشرات ملموسة لإمكانية رؤية بطل جديد لليورو، وفي رواية أخرى البطل الحادي عشر المنتظر، إما بعودة المعجزات الكروية المتوقفة منذ عقدين، وإما تصدق التوقعات التي تراهن على انتهاء عقدة المنتخب الإنكليزي مع البطولة الأوروبية، وبالتبعية يكون بطل اليورو الحادي عشر، لكن قبل الانخراط في المعارك الكروية التي تحاكي صراعات المقاتلين في العصور الوسطى، دعونا نطرق أبواب «النوستالجيا»، لنتذكر ما حدث في أول وآخر معجزتين في تاريخ اليورو المعاصر، ومنتخبات الصف الثاني القادرة على كسر هيمنة الكبار على الكأس التي عودتنا أنها تمثل القاعدة العامة والأساسية في عالم كرة القدم، بأنها لا تخضع للغة والعقل والمنطق، ولا تبتسم إلا لمن يُقاتل ويضحي بالغالي والنفيس من أجلها.

حروب وصدمة

في مثل هذه الأيام في العام 1992، تسببت مذابح ما كانت تُعرف بالحرب على البوسنة، في استبعاد منتخب يوغوسلافيا من المشاركة النسخة التي أقيمت في دولة السويد، ليقع الاختيار على منتخب الدنمارك، الذي كان قد فشل لتوه في الحصول على صدارة مجموعته في التصفيات المؤهلة لليورو، بحصوله على المركز الثاني في مجموعته التي كانت تضم يوغوسلافيا والنمسا وإيرلندا الشمالية وجزر الفارو، حيث كانت أشبه بالسطر الأول في المعجزة أو الصدمة الكروية التي هزت الكرة الأرضية في نهاية يونيو/حزيران من نفس العام، خاصة بعد المفاجأة المدوية التي فجرها الحارس الأسطوري بيتر شمايكل، وباقي رفاقه الذين اضطروا لقطع عطلتهم الصيفية في أجمل شواطئ العالم، من أجل تمثيل الوطن في هذه المهمة العاجلة، وكانت بإقصاء المرشح البارز للقب المنتخب الفرنسي وغريمه الإنكليزي من المجموعة، محتلا المركز الثاني خلف منتخب البلد المضيف، ليصطدم بحامل اللقب والمرشح الأول للدفاع عن لقبه المنتخب الهولندي في ملحمة نصف النهائي، التي انتهت بالتعادل بهدفين للكل، قبل أن تبتسم ركلات الترجيح لشمايكل ورفاقه، الذين ضربوا موعدا تاريخيا مع الماكينات الألمانية، التي كانت قد قهرت صاحب الأرض بثلاثية مقابل اثنين، ورغم أن جُل التوقعات كانت تصب في مصلحة الناسيونال مانشافت، إلا أن المنتخب الاسكندينافي، الذي جاء إلى البطولة بصدفة نادرة في عالمنا، أو كما عُرف بضيف الشرف الذي تحول إلى بطل، بعد فوزه على ألمانيا بثنائية يان ينسن وكيم فيلفورت. وبعد 12 عاما، وبعد تعديل نظام البطولة وتوسيع عدد المشاركين لـ16 منتخبا، جاء الدور على المنتخب اليوناني، ليكون مادة دسمة لخبراء علم التنمية البشرية منذ 2004 وربما حتى وقت كتابة هذه الكلمات، لعظمة المعجزة التي أحدثها المدرب الألماني أوتو ريهاغل ومنتخبه المغمور كرويا قبل التوجه إلى العاصمة لشبونة لخوض أول بطولة كبرى منذ يورو 1980، من منتخب أقل عنه صاحب المركز الأخير في قائمة المرشحين للفوز بالبطولة، عن استحياء، إلى كتيبة أو لواء عسكري لكن بشكل منظم دفاعيا داخل المستطيل الأخضر.
وتجلى ذلك في البداية اللافتة التي أسفرت عن تحقيق الفوز على صاحب الأرض في وجود أسطورته في التسعينات لويس فيغو ومجموعة مميزة من أشهر المحترفين في تاريخ البرتغال، كان أصغرهم وقتها ملك كرة القدم وهدافها الأول في كل العصور حاليا كريستيانو رونالدو، ومع ذلك انتهت المباراة بثنائية جورجيوس كاراغونيس وأنجيلوس باسيناس، مقابل هدف صاروخ ماديرا الوحيد، ورغم تعادل المنتخب اليوناني 1-1 مع نظيره الإسباني في المباراة الثانية ثم هزيمته أمام روسيا 1/2، فقد حجز مقعده في دور الثمانية باحتلال المركز الثاني في المجموعة خلف صاحب الأرض، حيث حصد أربع نقاط وتفوق على نظيره الإسباني في عدد الأهداف التي سجلها فقط، ليصعد إلى دور الثمانية، ويضرب موعدا مع حامل اللقب آنذاك منتخب فرنسا، في أوج فترات جيل زين الدين زيدان وتييري هنري وباتريك فييرا وروبير بيريز وبقية أبطال العالم وأوروبا عامي 1998 و2000، وكما هو واضح من تلك الأسماء، كان من الطبيعي والمنطفي أن تنتهي المباراة على الأقل بفوز أصدقاء زيزو، لكن على أرض الواقع، انتهت بهدف أنجيلوس كاريستياس الوحيد بطريقته المفضلة، بتحويل عرضية زاغوراغيس بضربة رأسية من عالم آخر في شباك فابيان بارتيز، الذي اكتفى مثلنا بمشاهدة الكرة وهي تمزق شباكه، ليأتي الدور على ما كان يُعرف بالحصان الأسود لهذه النسخة منتخب التشيك بجيله الذهبي بقيادة ميلان باروش والساحر روزيسكي والبقية، لينضم إلى قائمة ضحايا أحفاد الإغريق، بهزيمة أكثر مرارة من العلقم، بما كان يُعرف بقاعدة الهدف الفضي، بفضل الهدف الذي سجله ترايانوس ديلاس قبل دقيقة واحدة من نهاية الشوط الإضافي الأول في نصف النهائي، واكتملت المعجزة بالوصول إلى المباراة النهائية وتحقيق الفوز على كريستيانو رونالدو وباقي زملائه في المنتخب البرتغالي، تماما كما حدث في المباراة الافتتاحية. الفارق أن هذه الملحمة انتهت بهدف ماركة قاهر أحلام الفرنسيين، وأيضا بنفس طريقته المخيفة في البطولة، ليتحول هذا الكاريستياس وديلاس وباقي الأسماء التي يصعب نطقها بكل لغات العالم قبل اليورو، إلى مشاهير ونجوم تتسابق الصحف ووسائل الإعلام العالمية في التواصل معهم وتحديث آخر أخبارهم وأحدوث العروض الكبرى التي كانت تنهال عليهم بعد الاستقبال الأسطوري في العاصمة أثينا والاحتفالات الصاخبة على ملعب «باناثينايكوس» القديم الذي استضاف أول دورة أولمبية حديثة في 1896.

المرشحون الجدد

يرى بعض النقاد والمتابعين، أن المنتخب النمساوي بقيادة مدربه المخضرم رالف رانغنيك، قد يكون الحصان الأسود لنسخة ألمانيا 2024، لما يقوم به منبوذ مانشستر يونايتد سابقا، من عمل ومجهود، أقل ما يُقال عنه يُحترم، بعد نجاحه في نقل منتخبه من خانة فئة المستضعفين وأصحاب العروض المشرفة أمام الكبار، إلى منظومة جماعية لا أحد يتمنى الاصطدام بها، كيف لا والحديث عن الفريق الذي قهر ثالث مونديال قطر 2022 ووصيف 2018، بثلاثية بلا هوادة في عقر داره، والمتأهل كوصيف خلف بلجيكا بعد الفوز على السويد ذهابا وإيابا، والأكثر إثارة للإعجاب في الآونة الأخيرة نجاحه في هز شباك ألمانيا وسلوفاكيا وتركيا وصربيا بما مجموعه 12 هدفا، وفي المقابل استقبلت شباكه هدفين فقط، بدون أن ننسى أن فريق رانغنيك، لم يتوقف عن التسجيل في آخر 17 مباراة، لذا لن تكون مفاجأة للمتابعين، إذا نجح المدرب الألماني وبشخصيته المُلهمة وهو بعمر 65 عاما، في قيادة منتخبه للذهاب إلى أبعد ما كان في البطولة، لكن هذا سيتوقف على النتائج في معارك تكسير العظام في مباريات الدور الأول لمجموعة الموت الرابعة التي تضم فرنسا وهولندا وبولندا، وهناك من يراهن على حظوظ المنتخب المجري، بعد عروضه الرنانة في تصفيات اليورو، التي مكنته من جمع 18 نقطة من نقطة من 5 انتصارات و3 تعادلات ولم يخسر، أبرزهم الفوز على المنافس المباشر صربيا ذهابا وإيابا، إلى جانب الخبرة التي اكتسبتها هذه المجموعة بقيادة أشهرهم في الملاعب العالمية، متوسط ميدان ليفربول دومينيك سوبوسلاي، بعد الظهور المشرف في اليورو الأخير، بافتكاك تعادلين من أنياب ألمانيا وفرنسا في مجموعة الموت التي كانت تضم معهما البرتغال، وتبعها وصافة مجموعته في بطولة دوري الأمم الأوروبية خلف إيطاليا، بفضل إسقاط الألمان في عقر دارهم وافتراس الأسود الثلاثة بالأربعة في قلب ملعب «ويمبلي»، والآن يعول المدرب الإيطالي روسي على حالة التناغم والانسجام بين لاعبيه الشباب، على أمل أن يحقق ما عجز عنه جيل بوشكاش والعظماء الأوائل، الذين خسروا نهائي كأس العالم مرتين عامي 1939 و1954، قبل أن تدخل كرة القدم المجرية في سبات عميق، امتد لأكثر من 3 عقود عن المسابقات الكبرى المجمعة، إلى عادوا للمشاركة في اليورو للمرة الثالثة على التوالي.
ومن حسن الحظ، أن مجموعة المجر أكثر راحة هذه المرة، برفقة البلد المضيف ألمانيا وسويسرا وأسكتلندا، ما قد يمهد الباب أمام رجال روسي لتجاوز الدور الأول، ريثما تبدأ خطة استعادة أمجاد الأجداد والآباء في الخمسينات والستينات، أو قد يكون المنتخب السويسري، هو الحصان الأسود في المجموعة الأولى والبطولة، بعدما أصبح دائم الحضور في المسابقات الكبرى منذ بداية الألفية الجديدة، باستثاء غيابه عن يورو 2012، والأكثر قلقا بالنسبة للكبار المرشحين لنيل اللقب، أن المنتخب السويسري، اعتاد في السنوات الأخيرة على تفجير المفاجآت المدوية، آخرها إقصاء الديوك الفرنسية من دور الـ16 في النسخة الأخيرة بمساعدة ركلات الترجيح، بالإضافة إلى وصوله لنفس المرحلة في مونديال قطر 2022، وكان سببا في عدم تأهل المنتخب الإيطالي لكأس العالم الشرق الأوسطي، متسلحا بذاك المزيج بين الخبرة والشباب، متمثلة في حارس الإنتر يان سومر ونجم ليفركوزن غرانيت تشاكا وقلب دفاع نيوكاسل فابيان شير وزميله في البريميرليغ مع السيتي مانويل أكانجي، بخلاف الوجوه الصاعدة التي بدأت تجد فرصتها مع المنتخب الأول مثل روبن فارغاس، نجم أوغسبورغ، ونوح أوكافور مهاجم ميلان، ما يعكس أن هذا الجيل، وصل إلى قمة النضوج الكروي، وأصبح مؤهلا للوقوف الند بالند أمام الكبار والمرشحين لليورو. ونفس الأمر ينطبق على المنتخب التركي، حتى بعد الضربات المؤلمة التي تعرض لها المدرب الإيطالي فيتشينزو مونتيلا منذ بداية يونيو/حزيران الحالي، على غرار مدافع أتلتيكو المُعار إلى فناربخشه شالار سويونشو، ومهاجم خيتافي إينيس أونال، وأخيراً مدافع هوفنهايم أوزان كاباك بودية إيطاليا، لكنه يبقى مرشحا ليكون الحصان الأسود ومحاكاة تجربة 2008، في ظل الوفرة العددية الهائلة على مستوى المحترفين في أوروبا وعملاقي الدوري المحلي غالطة سراي وفناربخشة في مقدمتهم هاكان تشالهان أوغلو وكينان يلديز وزكي سيليك وباقي الأسماء التي تصدرت المجموعات في التصفيات على حساب كرواتيا ويلز، هذا في الوقت الذي سينافس فيه أحفاد العثمانيين في مجموعة تندرج تحت مسمى «متوسطة المستوى»، بوجود منافس واحد من الكبار وهو المنتخب البرتغالي بجانب كل من التشيك وجورجيا، فهل يا ترى سيكرر المنتخب التركي حلم الوصول إلى نصف النهائي كما فعلها في نسخة 2008 وقبلها مونديال كوريا الجنوبية واليابان 2002؟ أم سنكون على موعد مع مفاجأة أخرى؟

الأوفر حظا

صحيح كل من يبلغ من العمر 57 عاما وعشرة أشهر، لم يكن قد وُلد عندما فاز المنتخب الإنكليزي بأول وآخر لقب قاري في منتصف الستينات، وهناك حالة من التشاؤم في الشارع الإنكليزي بعد الظهور الباهت في آخر تجربتين وديتين قبل اليورو أمام البوسنة وأيسلندا، وبالأخص المباراة الثانية التي خرج منها المنتخب الايسلندي بانتصار مستحق من قلب ملعب «ويمبلي»، لكن بالنظر إلى توقعات كومبيوتر شبكة «أوبتا» العملاق، سنجد أن منتخب الأسود الثلاثة حط الرحال إلى وطن المحركات الفارهة، باعتباره المرشح الأول والأفر حظا لمعانقة الكأس في العاصمة برلين منتصف يوليو/تموز المقبل، وذلك في المقام الأول، لعمق التشكيلة التي يعول عليها المدرب غاريث ساوثغيت، كما هو واضحا في تعدد خياراته في مختلف المراكز، وبالأخص الثلث الأخير من الملعب، في وجود أسماء بوزن هداف الدوريات الأوروبية الكبرى هاري كاين وأولي واتكينز وفل فودن وكول بالمر، والأربعة في أفضل حالاتهم الفنية والبدنية على الإطلاق، كما الحال لباقي القائمة المدججة بالجواهر الخام والأسماء اللامعة في البريميرليغ والدوريات الأوروبية، والحديث عن المرشح البارز للفوز بجائزة «البالون دور» هذا العام، جود بيلينغهام بعد مساهمته في حصول ريال مدريد على لقبي الليغا ودوري أبطال أوروبا في أولى مواسمه في قلعة «سانتياغو بيرنابيو»، وبوكايو ساكا، قائد انتفاضة آرسنال الحديثة، وجوكر ليفربول ألكسندر آرنولد وآخرين، حتى بعد استبعاد نجوم بحجم ماركوس راشفورد والعائد إلى الحياة بعد انتقاله من مانشستر يونايتد إلى بوروسيا دورتموند على سبيل الإعارة الشتاء الماضي جادون سانشو، ولاعبه المفضل سابقا في وسط الملعب كالفن فيليبس والمخضرم جوردان هيندرسون، على أن يبقى الراهن الكبير على الخبرة التي اكتسبها المدرب الإنكليزي المخضرم على مدار سنوات حكمه للمنتخب، كمدرب متعصب لأسلوبه المحافظ في البطولات الكبرى، التي كشفت مدى حاجة وطن كرة القدم إلى مزيد من الصلابة الدفاعية في الأمتار الأخيرة، على غرار محاولة مونديال روسيا الجريئة، وثاني أفضل إنجاز في تاريخ البلاد بعد مونديال 1966، بالوصول إلى المباراة النهائية في النسخة الأخيرة، التي خسرها الكثير من العناصر الحالية أمام المنتخب الإيطالي، في النهائي الماراثوني الذي امتد لركلات الترجيح، وعلى سيرة ركلات الجزاء، يرى الكومبيوتر العملاق، أن المنتخب الإنكليزي في أمس الحاجة للتخلص من عقدة ركلات الترجيح، إلى جانب حفاظ كاين وباقي رفاقه على النسخة المبشرة التي كانوا عليها في نهاية الموسم الماضي، حال كانت لديه رغبة حقيقية وجامحة للفوز باليورو للمرة الأولى في تاريخه.
أما صاحب المركز الثاني في قائمة المرشحين، أو كما يراها الكومبيوتر المرشح الثاني مع إنكلترا بمسافات بعيدة عن باقي الخصوم، والحديث عن وصيف المونديال الأخير المنتخب الفرنسي، بقيادة مدربه القيدوم ديدييه ديشان، الذي أثبت للغريم قبل المؤيد، أنه واحد من القلائل الذي يعرفون من أين تؤكل الكتف، بمدرب واقعي لا يكترث بما يكتب أو يُشاع عنه قبل أي مسابقة عالمية، فقط يترك النتائج تتحدث نيابة عنه، كما حدث بعد نجاحه في الرد على المشككين، بقيادة فرنسا للوصول إلى المباراة النهائية في الدوحة، على عكس ما كان يتردد بأن منتخب الديوك سيكون في أسوأ أحواله في المونديال، بسبب عروضه غير المقنعة في فترة التحضير للحدث العالمي، وقبلها بسنوات، أنقذ منصبه بالوصول إلى المباراة النهائية ليورو 2016، بعدما كان قاب قوسين أو أدنى من مغادرة منصبه، وبعيدا عن خبرة ديشان والأسلحة النووية التي يتمتع بها في كل المراكز بقيادة كبير المدمرين كيليان مبابي، فالحديث عن القوة العظمى التي لا يُستهان بها في هكذا مواعيد، كمنتخب عادة ما يكون في طليعة القائمة المختصرة المرشحة للفوز باليورو أو المونديال أو البطولة المستحدثة دوري الأمم الأوروبية، مشاركا الأسود الثلاثة في نفس الامتيازات الثمينة التي لا تقدر بثمن، بالعمق والوفرة العددية الهائلة وبأعلى جودة متاحة في كل المراكز، بداية من وجود المثير للإعجاب الحارس مايك ماينان، وأسماء من نوعية ويليام ساليبا وإبراهيم كوناتي وجولز كوندي ودايو أوباميكانو وجوناثان كلاوس وبنجامين بافارد وثيو هيرنانديز وفيرلاند ميندي، الذين استقبلوا 3 أهداف فقط في التصفيات، وأمامهم في الوسط جواهر بوزن أورلين تشواميني وإدواردو كامافينغا بجانب المخضرم نغولو كانتي والآخر أدريان رابيو، بينما في الهجوم، فحدث ولا حرج عن الأسماء القادرة على صنع الفارق في الأوقات المعقدة، أمثال أنطوان غريزمان وعثمان ديمبيلي وماركوس تورام، والهداف التاريخي حتى هذه اللحظة أوليفييه جيرو وقبلهم الغالاكتيكو الجديد في ريال مدريد كيليان مبابي، ما اعتبرها الكومبيوتر بالمجموعة التي تملك من الجودة والخبرة ما يكفي لتهديد حلم الأسود الثلاثة في ألمانيا.
ثم تأتي القائمة التي هيمنت على 10 ألقاب من أصل 16 بطولة سابقة، والحديث عن ألمانيا وإسبانيا وإيطاليا بجانب فرنسا، حيث يأتي الناسيونال مانشافت في المركز الثالث في القائمة المختصرة، متسلحا بعاملي الأرض والجمهور، رغم أنه بلغة الأرقام، لم تلعب الأرض مع أصحابها في هذه المسابقة، منذ أن فعلها ميشيل بلاتيني ورفاقه في منتخب فرنسا قبل 40 عاما، إلى جانب الرغبة الكبيرة لدى هذا الجيل بقيادة المدرب يوليان ناغلسمان، بتصحيح الصورة المأساوية التي طُبعت في الأذهان عن المنتخب الألماني في السنوات القليلة الماضية، من قوة مهيبة في عالم كرة القدم في أوج فترات المنتخب تحت قيادة المدرب الأسبق يواكيم لوف، إلى منتخب يعيش على أطلال الماضي. منتخب لم يتذوق طعم الفوز في مراحل خروج المغلوب في المسابقات الكبرى منذ 2016، بتوديع كأس العالم مرتين من الدور الأول، وبينهما اكتفى بالوصول إلى دور الـ16 ليورو 2020، والآن يعيش الجمهور الألماني على أمل أن تنجح المجموعة التي اختارها المدرب الشاب في انتشال المنتخب من براثن الضياع، بذاك المزيج الرائع بين أصحاب الخبرة والوجوه الصاعدة، على غرار الاستعانة بحامي العرين مانويل نوير، وإقناع أسطورة الوسط توني كروس بالعودة بشكل مؤقت، لتقديم يد العون لبلاده في أيامه الأخيرة داخل المستطيل الأخضر كلاعب، بعدما أعلن اعتزاله اللعب نهائيا هذا الموسم، ومعه باقي أصحاب الخبرة إلكاي غندوغان وتوماس مولر، بجانب الحلول غير المتوقعة من أسماء أخرى مثل نجم آرسنال هذا الموسم كاي هافرتز وسهم بورسيا دورتموند في دوري أبطال أوروبا نيكلاس فولكروغ، وموهوب الجيل جمال موسيالا، وباقي العناصر التي بدأت تتأقلم على أسلوب المدرب الثلاثيني التكتيكي، الذي يرتكز على الضغط عالي الكثافة والتحركات السريعة بدون كرة واللعب الهجومي السلس، وذلك كما أشرنا أعلاه، بمزيج من المحاربين القدامى والمواهب الجائعة لكتابة المجد، منهم على سبيل المثال فلوريان فيرتز، صاحب الأفكار الإبداعية، بجانب مراوغات موسيالا وانطلاقاته العنترية، وغيرها من الأوراق الرابحة التي تجعل ألمانيا، منتخبا لا يمكن التنبؤ به. وهي نفس الإستراتيجية التي اتبعها مدرب المنتخب الإسباني لويس دي لافوينتي، بالرهان على جواهر المستقبل مع الركائز الأساسية التي تتمتع بالخبرة اللازمة في هكذا مواعيد، ثم يأتي المنتخب البرتغالي، كمرشح خامس من حيث الجودة وعمق التشكيلة، بعد نجاح المدرب البرتغالي روبرتو مارتينيز في إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح، بقيادة الفريق لتحقيق الفوز في كل مبارياته على مدار عام 2023، وكما نعرف، ستكون بطولة خاصة للقائد والأسطورة كريستيانو رونالدو، باعتبارها في الغالب ستكون مشاركته الأخيرة في بطولة عالمية، أو على أقل تقدير الظهور الأخير في اليورو، في ما ستكون فرصة ثمينة لتقليل الفجوة مع ليونيل ميسي في عدد مرات الفوز بجائزة «البالون دور»، ويأتي بعد ذلك كل من هولندا وإيطاليا في المركزين السادس والسابع، وهذا التراجع بالنسبة لأسياد الدفاع، بسبب الغياب عن المشاركة في كأس العالم آخر نسختين، رغم أننا نتحدث عن حامل لقب اليورو حتى هذه اللحظة، أما مفاجآت التوقعات هذه المرة، فكانت في تراجع المنتخب البلجيكي إلى المركز الثامن، بعدما كان من القائمة المفضلة في النسخ الماضية في أوج سنوات جيل كيفن دي بروين الذهبي طيلة العقد الماضي، فمن يا ترى سيسير بحسب التوقعات؟ هذا ما ستكشف عنه المباريات في الأسابيع القليلة المقبلة.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية