عمان ـ «القدس العربي»: تكدست مجدداً نحو 1000 شاحنة مساعدات على معبر كرم أبو سالم جنوب الحدود الفلسطينية الم صرية. وبين تلك الشاحنات حمولات أردنية، فيما يمكن اعتباره أول تحدٍ إضافي تفرضه حكومة اليمين الإسرائيلي على توصيات ما بعد مرحلة مؤتمر الاستجابة الإنسانية الذي عقد في البحر الميت الأسبوع الماضي في ظل حضور الرئيسين المصري والفلسطيني.
ما تفيد به بعض المعطيات هو أن مصر وبالتنسيق مع الأردن على هامش مؤتمر البحر الميت، وافقت على إرسال بعض الشاحنات إلى معبر كرم أبو سالم، وبدا الأمر أن الإدارة الأمريكية في الصورة وتدعم هذا الخيار مادام معبر رفح خرج من الخدمة بقرار إسرائيلي ومصري، إن جاز التعبير.
استراتيجية التجويع
وما حصل فيما يبدو أن الجانب الإسرائيلي وسط عودة ظهور مؤشرات المجاعة شمالي قطاع غزة أعاق مجدداً الترتيب اللوجستي الأول المتفق عليه بعد مؤتمر البحر الميت حيث تتكدس المساعدات والشاحنات على معبر كرم أبو سالم، وحيث أخفقت السلطة الفلسطينية في التمكن من العبور بشاحنات من الضفة الغربية أيضاً إلى قطاع غزة.
حصل الإخفاق مجدداً وسط مؤشرات على قرار من مجلس وزراء إسرائيل اليميني المتطرف، الذي يحاول خلف الستائر والكواليس مجدداً إعاقة انسياب المساعدات، لا بل يتصدى مرة أخرى للمنهجية التي حاول الأردن توفير مظلة دولية لها بعنوان «إدخال المساعدات بصرف النظر عن إطلاق النار».
حاولت عمان هنا باجتهاد ونشاط، توفير منطقة آمنة مع المؤسسات الدولية لضخ المساعدات وسط التصعيد العسكري. لكن وزارة الخارجية في العاصمة الأردنية لديها تقارير ميدانية عشية عطلة العيد، تثبت أن سياسة التجويع والتعطيش لأهالي قطاع غزة تحولها المؤسسات الإسرائيلية العميقة، وليس الحكومة اليمينية فقط، إلى استراتيجية عسكرية مباشرة للضغط على المقاومة الفلسطينية، لا بل بدفعها للاستسلام، وهي نقطة قال الأردن للأمريكيين خلف الكواليس إن التصور الإسرائيلي واهم تماماً إذا ما اعتقد حقاً بأنه يمكن الوصول إليها.
بهدف إخراج مؤتمر البحر الميت عن سكته
والخلاصة هنا أن حكومة تل أبيب تخاصم الأردن مجدداً، وهي تحاول إعاقة الأجندة التي اقترحها وقررها مؤتمر الاستجابة الإنسانية في البحر الميت، الأمر الذي يعني الغرق مجدداً في تفاصيل إعاقة إسرائيل لمسار الإغاثة الإنساني الأردني الذي يفترض أنه حظي بغطاء أمريكي، حيث يلاحظ الخبراء المراقبون أن المجاعة عادت إلى شمالي القطاع وتتسع نحو وسطه، بل وإن إسرائيل انتقلت إلى حد ملموس إلى التآمر على الجهد الإنساني والإغاثي الأردني بطريقة دفعت الاتصالات والعلاقات للتوتر مجدداً.
في السياق ملاحظة أساسية على غياب مصداقية وزير الخارجية الأمريكي بلينكن، الذي قدم طاقمه لعمان والقاهرة ضمانات مع أضواء خضراء لفكرة الاستمرار لضخ المساعدات تجنباً لكارثة إنسانية حتى مع استمرار التصعيد العسكري.
لا تكشف الخارجية الأردنية عن أوراقها في هذا السياق، لكن مع شرعنه الميليشيات المسلحة التي تعيق نقل البضائع من الضفة الغربية للقطاع، ومع تكدس أكثر من 1000 شاحنة على معبر كرم أبو سالم، يمكن القول إن الانطباعات السياسية والدبلوماسية تشكلت تماماً في الاتجاه المعاكس لاستراتيجية المسار الإغاثي الأردني.
ضرب المسار الإغاثي
وما اقترحه الخبير السياسي والاقتصادي ونائب رئيس الوزراء الأسبق الدكتور محمد الحلايقة بحضور «القدس العربي» هو أن الدول العربية ينبغي أن تفهم وتتفهم رسائل اليمين الإسرائيلي التي تحول الغذاء والدواء والطعام والمياه إلى أسلحة ضد الشعب الفلسطيني وليس مقاومته فقط.
تحتاج ذخيرة الجيش الإسرائيلي -برأي الحلايقة في ملف المساعدات حيث التجويع والحرمان- إلى مقاربة أكثر عمقاً وشدة في مواجهة هذه الجريمة الإسرائيلية المتراكمة أكثر من حاجتها إلى بيانات، مشيراً إلى أن المجتمع الدولي ينبغي أن يبدل في أساليبه في الملف الإنساني عبر الإصغاء لما يقوله الأردن حصراً، والذي يبدو -برأي الحلايقة مجدداً- مناوراً ومتحركاً في اتجاهات نبيلة. لكن إسرائيل لم تعد تحترم أحداً ولا القانون، ولم تعد تفهم إلا الاستمرار في ارتكاب جريمة الإبادة، ما يتطلب العودة للإجابة عن أسئلة عميقة يفترض أن قمة مكة العربية الإسلامية ناقشتها.
بكل حال، إخراج المسار الإغاثي الأردني عن سكته الضاغطة هدف واضح وحاد الملامح لليمين الإسرائيلي، بسبب القدرات التي أظهرتها المبادرات الأردنية في الاستجابة حتى قبل انتقال اليمين الإسرائيلي للتآمر على مقررات مؤتمر الاستجابة في البحر الميت.
الأردن بهذا المعنى في الاشتباك دوماً، ووزير الخارجية أيمن الصفدي في ملف الإنسانيات والإغاثة سبق أن لفت نظر «القدس العربي» إلى أن بلاده تتابع التفاصيل يومياً، فيما الاحتلال والعدوان يزرعان التحديات هنا أو هناك بأكثر من صيغة.
يفترض أن عمان مؤمنة بإكمال واجبها. لكن غموض المواقف الأمريكية في التفاصيل اللوجستية يدفع الخارجية الأردنية للتحدث مع الأوروبيين أكثر على أمل أن تتوقف نطاقات العمليات الإسرائيلية التي تريد تحويل قطاع غزة لمكان غير قابل للعيش أساساً؛ لكي يقتنع المواطن الفلسطيني بالمغادرة وتعود دول المنطقة إلى محور النزوح والتهجير.