الجزائر – «القدس العربي»: أثار مشروع قانون النشر الجديد المعروض حاليا على مجلس الشعب لمناقشته قبل المصادقة عليه جدلا واسعا، سواء تعلق الأمر بالنسبة للنواب أو للناشرين وحتى بالنسبة للمؤلفين الذين رأى عدد كبير منهم أن القانون الجديد يهدف إلى التضييق على النشر، وفرض رقابة من نوع خاص، وذلك في إطار سعي السلطة لتقويض مساحات الحرية التي كانت موجودة، فيما تؤكد وزارة الثقافة أن الهدف من هذا القانون هو تنظيم قطاع النشر، وإخراجه من حالة الفوضى التي يغرق فيها.
مشروع القانون ينص على أن بيع كتاب أو عملية البيع بالتوقيع في المكتبات، يخضع لموافقة مسبقة من طرف وزارة الثقافة، وهي واحدة من المواد المثيرة للجدل، والتي يعتمد عليها معارضو القانون للتأكيد على أنه يهدف للتضييق على النشر، خاصة وأن بعض المؤلفين الذين يجدون صعوبة في طبع كتبهم، لما يكون محتواها مزعجا بالنسبة للسلطة، قد يلجأون لطبع كتبهم على نفقتهم ثم توزيعها على المكتبات، وبهذا القانون الجديد، فإن بيع أي كتاب سيخضع لنوع من الرقابة المسبقة.
وينص القانون أيضا على ضرورة احترام الدستور والقانون والدين الإسلامي والديانات الأخرى، وكذا وجوب احترام السيادة الوطنية والأمن القومي وسياسة الدفاع والحفاظ على النظام العام في البلاد، علما أن القانون كان من المفترض أن يناقش منذ أكثر من سنة ونصف، لكن تم تأجيله أكثر من مرة، رغم أن الحكومة كانت قد وافقت عليه خلال عرضه للنقاش على مجلس الوزراء.
نواب المعارضة في البرلمان، وخاصة أحزاب تكتل الجزائر الخضراء أبدوا رفضهم لما تضمنه القانون، مؤكدين على أنه يعكس رغبة السلطة في بسط هيمنتها على قطاع النشر، وأن القانون يتعارض مع الدستور، الذي يكرس الحريات الفردية والجماعية، ويجعل من النشر عملا بيروقراطيا يخضع لضوابط إدارية، مشددين على أنه قانون عقوبات مكرر.
وقال النائب لخضر بن خلاف عن حزب جبهة العدالة والتنمية ( إسلامي) إن القانون أعد من طرف الوزيرة السابقة خليدة تومي سنة 2013، قبل الولاية الرابعة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وهي الوزيرة التي عاثت في الأرض فسادا، ثم توارت عن الأنظار دون حساب أو عقاب، وخلفت وراءها هذا القانون الذي سعت من ورائه إلى تصفية حساباتها مع الناشرين، محاولة احتواء صناعة الكتاب، دون أن تكلف نفسها عناء فتح نقاش مع الهيئات المختصة ومع المهنيين من أهل الكتاب.
وأوضح بن خلاف في اتصال مع «القدس العربي» أن القانون يبشر بعودة الاحتكار ومصادرة الحريات، وهدم المبادرات وجعل الناس تعزف عن القراءة، مشيرا إلى أن من وضعوا القانون لم يأخذوا في الإعتبار مواقف وأفكار الكتاب والناشرين والمكتبيين والمستوردين، بل إن القانون لم يأت على ذكر كلمة ناشر ولا مرة في مواده التي جاءت مبهمة وغامضة، فضلا عن أن تطبيق المواد خاضع للتنظيم، وبالتالي يؤدي ذلك، بحسب النائب بن خلاف لإفراغ القانون من محتواه.
وأشار إلى أن القانون يهدف إلى خنق الكتاب أكثر مما يهدف إلى تطويره، وأن إقصاء الشركاء الاجتماعيين، رغم أنهم جزء أساسي من عملية النشر يتعارض مع سياسة الحكومة ذاتها، خاصة ما تعلق بتشجيع الاستثمار وخلق الثروة، في حين أنه يهدد مقدرات الكثير من الذين استثمروا أموالهم في هذا القطاع، ويصادر لقمة عيش آلاف العائلات التي تعيش من وراء هذه المهنة، إذا ما دفعت الكثير من دور النشر إلى الإفلاس وإغلاق أبوابها تماما، وما يترتب عن ذلك من إحالة لعمالها على البطالة.
أما الناشرون فاعتبروا القانون مقيدا لحركة النشر، التي عرفت نوعا من الازدهار خلال السنوات الماضية، مؤكدين أن وضع مواد مقيدة يفتح الباب للتعسف، خاصة وأن تطبيق المواد المقيدة في الميدان يتجاوز النص بكثير، وهناك من اعتبر أن هذا القانون يأتي في إطار الصراع القائم داخل النظام.
كمال زايت